المار بمنطقة الدقى وقت الإفطار سيدهش من عدم وجود موائد إفطار بالمعنى المعروف، الرواد القدامى لموائد إفطار المنطقة يفترشون الأرصفة يوميا، والبعض يحمل وجبات جاهزة على سيارة نصف نقل ليعطيها للمارة، لن تجد إلا مائدة واحدة على طول الطريق فى أحد المقاهى، حتى إن السائر قد يقول فى نفسه: هى الموائد راحت فين؟ «العيشة بقت هباب.. كل اللى معاه قرش، يقولك أشيله لعيالى أولى.. بدل ما أحطه فى مائدة رحمن» - قال تلك العبارة محمد عبدالرحمن صاحب محل عصير قصب افتتحه منذ ثلاثة أشهر فى المنطقة وافترش أمامه مائدة صغيرة تتسع لحوالى عشرة أفراد، يظنها المار فى البداية مائدة رحمن صغيرة ولا يلبث أن يكتشف أنها «تبع المحل»، لكن الرجل لا يدقق كثيرا، بعض المارة يجلسون بالفعل فلا يعلق الرجل ولا يجلس إلا بعد أن يشرب كل المارة عصير قصب من الحجم الكبير، حتى من جاءوا لشراء القصب لحظة الإفطار يفاجأون به وهو يقول: «كلكم على حسابى واتفضلوا معانا على الأكل». اختفاء موائد الرحمن ظاهرة لاحظها الجميع بمن فيهم صاحب محل عصير القصب الذى قال: «كان فيه مائدة كبيرة قوى فى باب الشعرية اختفت، وهنا فى المنطقة ناس كتير كانت بتنصب موائد رحمن لكن بطلوا خلاص، الواحد مش عارف والله، بيتهيألى إن أعضاء مجلس الشعب القدام هم اللى كانوا بيعملوا الموائد الكبيرة، ومن ساعة ما الثورة قامت ومجلس الشعب الأخرانى بتاع مبارك اتفض، خلاص مبقاش حد منهم يعمل حاجة، كله تعبان وقرفان والأزمات المادية خلت حتى اللى له مزاج يعمل يتراجع». جابر نجيب، عامل فى أحد محلات منطقة الدقى، لم ير الأمر غريبا: «ده العادى فى القاهرة، من ساعة ما جيت من بلدنا سوهاج وأنا شايفها مش كتير، مش زى عندنا فى البلد، ثابتة ما بتتغيرش لا بمصالح ولا بحال، المائدة على قد ما قسم وأهى بتمشى، المهم إن محدش بيقطع لنفسه عادة أبدا، لكن هنا الخير قليل، عمره ما هيكون زى البلد. مصطفى صلاح جمال، أحد المارة الذين جلسوا على مائدة الرحمن الصغيرة الخاصة بصاحب محل العصير قال: «ياما فطرت على موائد رحمن، الموائد مابقتش كتير زى زمان، عندنا فى منطقة صفط اللبن.. المنطقة كلها على بعضها مافيهاش غير مائدتين اتنين تابعين لجوامع، كان فيه محل هنا فى الدقى بيعمل موائد رحمن حلوة، لكن بطل السنة دى، وزيه كتير كنت بشوفهم ينصبوها قبل الشهر الكريم وياخدوا ثوابها، أكيد كل الناس نفسها تعمل الخير، لكن الظاهر إن المصاعب الاقتصادية مش عندى أنا واللى زيى بس، شكلها عالكل غنى وفقير».