نعم كنا نعانى من التجاهل لكلماتنا ونصحنا، وكنا نعانى من الهجوم علينا ومن قوافل الإنترنت التى كانت تهاجمنا عند كل نصيحة، وتفادينا الصعوبات، وأصر كل منا على موقفه وقلنا للدكتور مرسى وللإخوان أن يحذروا المتسلقين وأن ينتبهوا إلى من يركب السفينة ثم ينقر فيها بمسماره شيئاً فشيئاً حتى إذا ما تدفق الماء داخلها وغرقت السفينة قفز منها كل متسلق ناجياً بنفسه بعد أن أخذ مأربه منها، فمنذ أن تسلطن الإخوان على الحكم وتمكنوا من مقاعده بدأت فئات ثلاث فى الالتفاف حولها، فأما الفئة الأولى فهم الذين لم يدرسوا منهج الإخوان السلمى ولا قوة التجرد التى تسكن فى نفوسهم وما زرعته فيهم أصول التربية من استعلاء على المناصب وعلى حقارة الدنيا فأتى هؤلاء المتسلقون بكل مطامعهم متزلفين إلى الإخوان المسلمين متسلقين ومادحين لهم فى وجوههم حتى أعموا الكثيرين منهم فاختار الدكتور مرسى الكثير من العناصر المتسلقة ومنحهم ثقته وليمنحوه بدورهم الفشل وليمنحوه سوء النصح والمجاملة، وأما الفئة الثانية فكانوا من المخلصين الذين تم مساندتهم للدكتور مرسى فى كل ما صدر عنه من مواقف وقرارات دون أن يناقشوا ما يصل إليهم من قرارات، وهذا طبعاً انطلاقاً من السمع والطاعة العمياء، وخرست ألسنتهم وهم يحسبون أن ذلك الصمت الآثم هو من الفضائل حتى وهم ينظرون إلى السفينة وهى تغرق بينما كانوا يحملون بين جنوبهم رأياً ناضجاً واعياً ومع ذلك جلسوا فى ركن السفينة صامتين، وأما النوع الثالث فهؤلاء الذين ابتعدوا عن الجماعة عند الشدة ثم أتوا لينافقوها عند الرخاء، ووقف الجميع فى منصة واحدة اسمها رابعة العدوية تاهت فيها مبادئ الإخوان وانعدمت الأحكام الفقهية واختفت الأصوات العاقلة وتدخل أصحاب الفكر التكفيرى فتجد من يجد الرؤوس التى قد أينعت وحان وقت قطافها وتجد من يريد أن يرشّ الناس بالدم وتجد من يطلب لنا ويبتهل أن ندخل نحن الكافرين جهنم وأن يحصينا الله عدداً وان يهلكنا بدداً، وتجد من يتوعد الشعب المصرى كله بالهلاك المبين وتجد من يعلن استعداده لوقف الإرهاب فى سيناء إذا عاد مرسى إلى الحكم وتجد من يصرخ ويقول: دونها الرقاب وتجد حتى من النساء من يتوعد مصر بالحريق وتجد من يؤكد أن هناك العشرات من الذين سيفجرون أنفسهم فى الشعب المصرى وتجد من يخبرنا أن مصر سيوجد بها طالبان، ولم نجد بين هذا كله وذاك جماعة الإخوان التى كنا نعرفها، فلم نسمع مقولة التلمسانى مجدد جماعة الإخوان المسلمين الذى كان يقول للبشرية «نحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب»، ولم نسمع من يخاطب الناس بفقه دفع الأضرار وكيف يقدمه على جلب المنافع، ولم نسمع عمن يطبق أصل الواجب الشرعى فواجب حفظ النفس يوجب ما يؤدى إليه وحرمة القتل تحرم ما يؤدى إليه حتى إذا وقعت الملحمة واشتعلت الحرائق ومات المصريون من الطرفين وأعلنت مصر الحداد وتعرضت لخطر التدخل الأجنبى وظهرت الأضرار على ربوعها وانطلقت الرصاصات التى تخترق الدماء والأجساد تارة فى كرداسة وتارة فى أسوان وتارة فى رأس المئذنة بمسجد الفتح وبدأ وقوع الضحايا من الإخوان فى «رابعة» وداخل سيارات مصلحة السجون أيضاً وسادت الفوضى وعم الضرر ونزلت القوات المسلحة لضبط إيقاع البلاد وتحقيق سلامتها، وهنا تاهت دعوى الشرعية التى كان يتمسك بها المعتصمون والتى حتى لو كانت دعوى حقيقية فما كان لها أن تريق الدماء؛ ذلك أن الإخوان المسلمين عاشوا طوال عمرهم بدون تلك الشرعية ومع ذلك كانوا يتمتعون بالشرعية الواقعية وإعجاب الناس وقد نبهنا إلى ذلك كله، وكنا ندافع عن حقيقة فكر الإخوان ونحميه من الذين أشعلوا فيه النار وألحقوا به العنف وضيقوا عليه الخناق وزرعوا جداراً من الكره بينه وبين الناس، فهؤلاء الذين كانوا يقولون «دونها الرقاب» هربوا من رابعة برقابهم وأخذوا معهم أموالهم وأولادهم، وأما الذين قالوا «سنسحقهم» فقد أصدروا بياناً يتبرأون فيه من نتائج هذا الاعتصام ومن الحرائق، وأما الذى كان يريد أن يرش الناس بالدم فقد أعلن فى عبارات واضحة أنه لم يكن إخوانياً قط ولن يكون وأن هؤلاء الإخوان لا يحسنون التصرف وأنهم يختارون الأشخاص الأقرب إليهم وليس الأكفأ بل إن هذا الذى كان يريد رش الناس بالدماء دفاعاً عن مرسى وعن الشرعية أصبح يقرّ الآن بأنه لا يمانع مطلقاً فى عزل الرئيس مرسى ولا يمانع مطلقاً فى محاكمته أيضا. إن هؤلاء الذين خرقوا السفينة كانوا يتعللون بشرعية الرئيس مرسى، لكننا أيها السادة نعلم أن هؤلاء المعتصمين لم يتمسكوا يوماً بهذه الشرعية، فقد تم تزوير العديد من الدوائر أمام أعين الجميع ولم يتمسك أحد من المعتصمين بالشرعية، وقد تم تزوير العديد من الاستفتاءات ومع ذلك أيّد الإخوان إعادة انتخاب حسنى مبارك مرة أخرى فى 1988 رغم أنه كان يحكم بالطوارئ ويعذب الناس ويزور الانتخابات، ولم يتمسكوا بالشرعية، ولم نقف ضده متظاهرين يوماً أو حتى مقاتلين للجيش تحت زعم الشرعية فما لنا الآن نتمسك بهذه الشرعية تلك التى أصبحت تؤلم أجساد المصريين فجأة وتنغص علينا الحياة وكأننا أصبحنا لا نستطيع العيش بدون هذه الشرعية ونقف فى رابعة لنعلن أننا سنسترجع الشرعية مهما كلفنا ذلك وكلف البلد من تضحيات حتى ولو كان الحكم الأجنبى على الأبواب، فأى شرعية تلك التى كنا نبحث عنها والتى جعلنا منها عبادةً وديناً وحقاً ويقيناً؟ وهل تختلف هذه الشرعية عن تلك الشرعية التى صمتنا عن ضياعها لسنوات طوال؟ وماذا لو كانت هذه الشرعية قد تم محوها بشرعية جديدة فى 30/6؟.. فهل تبرر تلك الشرعية المشكوك فيها أن تراق دماء المصريين كلهم بينما عشنا طوال ثلاثين عاماً لا نشاهد الشرعية إلا فى التاريخ والأحلام، ومع ذلك لم يرتفع لنا صوت أو يتحرك لنا ذراع. والآن يفرّ الجميع من القارب المثقوب ومن السفينة الغارقة بعد أن خرقها أولئك الذين لا يقرأون آراء النصح ولا يشاهدون إلا ما يرغبون فى مشاهدته، أولئك المتسلقون الذين تجمعوا فجأة حول غنائم السلطان والذين اعتلوا المنصة فى اعتصام رابعة وهددوا الناس بالحرب وأنذروهم بالموت وهم تحت راية عصبية لا علاقة لها بالدين ولا بالأخلاق ولم يسألوا أنفسهم ماذا بعد؟! مع أن هذا السؤال وحده كان سيجنبهم هذا الفرار الرخيص من قارب أغرقوه وسيجنب مصر ويلات ما حدث. واسمحوا لى أن أقول للحقيقة وللتاريخ إن بعضاً ممن كانوا يوجهون اعتصامات رابعة ويثيرون الحمية فى الناس كنت أعرف صلاتهم بجهات أمنية بحكم عملى فى المحاماة، كما أن كثيراً من الذين كانوا يزينون الخطأ للدكتور مرسى ومن الذين صالوا وجالوا فى مجلس الشورى واعتلوا أعلى المناصب رفضوا أن يذهبوا إلى اعتصام رابعة ولو لمرة واحدة مع أنهم تسلقوا على جدران جماعة الإخوان وعلى رقابها حتى إذا ما وقعت الواقعة فروا من السفينة بل وساعدوا على القبض على كثير منهم إما بالإرشاد عنهم أو بافتعال لقاءات تراقبها الشرطة. إن من أشد الأضرار التى ظهرت فى هذا الواقع الأسيف أن كثيراً من الذين كانوا يرفضون هذه النتائج تحملوا وزرها بسبب السمع والطاعة التى أضحت قيداً على عقول الراشدين، والآن جاء الوقت لنتعلم الدرس فسحقاً للمتسلقين وسحقاً لهؤلاء الذين يسمعون ويطيعون دون أن يتبينوا حقيقة ما سمعوه أو نتيجة طاعتهم لمن أطاعوه. ومن الآن فلن نسمح لأحد أن يفر من القارب المثقوب، بل علينا أن نقدمهم لتاريخ الدعوة ونقول للناس: هؤلاء شوهوا دعوتنا وهؤلاء قضوا على سلميتنا ثم ها هم يحاولون الفرار من القارب المثقوب فاحكم عليهم أيها التاريخ واعلموا أن حكم التاريخ لا نقض فيه ولا إبرام.