كان الحكم الأموى بعد وفاة يزيد بن معاوية، يعانى حالة واضحة من الارتباك، بسبب قصر عمر الخلفاء الذين جاءوا من بعده. فمعاوية الثانى لم يمكث فى الحكم أكثر من ثلاثة أشهر، أما مروان بن الحكم فقد مات سنة 65 هجرية بعد أن قضى فى الحكم عاماً وعشرة أشهر على الأرجح. وكان عمره ثلاثة وستين عاماً وقيل واحد وستون عاماً كما يذكر ابن كثير. وحكى «ابن الأثير» صاحب «الكامل فى التاريخ» رواية عجيبة تشرح كيفية وفاة «مروان»، يذكر فيها أن معاوية بن يزيد لما حضرته الوفاة لم يستخلف أحداً، وكان «حسان بن بحدل» -خال يزيد بن معاوية- يريد أن يجعل الأمر بعد وفاة معاوية الثانى فى أخيه خالد بن يزيد، وكان صغيراً، فبايع «حسان» مروان بن الحكم وهو يريد أن يجعل الأمر بعده لخالد، فلما بايعه هو وأهل الشام قيل لمروان: تزوج أم خالد، وهى بنت أبى هاشم بن عتبة، حتى يصغر شأنه فلا يطلب الخلافة، فتزوجها، فدخل «خالد» يوماً على «مروان» وعنده جماعة وهو يمشى بين صفين، فقال مروان: والله إنك لأحمق!. تعال يا ابن الرطبة الاست!. يقصر به -أى يهينه ويسخر منه- ليسقطه من أعين أهل الشام. فرجع خالد إلى أمه فأخبرها، فقالت له: لا يعلمن ذلك منك إلا أنا، أنا أكفيكه. فدخل عليها مروان فقال لها: هل قال لك خالد فىّ شيئاً؟ قالت: لا، إنه أشد لك تعظيماً من أن يقول فيك شيئاً. فصدقها ومكث أياماً، ثم إن مروان نام عندها يوماً، فغطته بوسادة حتى قتلته. وأراد عبدالملك بن مروان قتل أم خالد، فقيل له: يظهر عند الخلق أن امرأة قتلت أباك، فتركها. وواقع الحال أن الطرق التى مات بها خلفاء بنى أمية الذين تولوا الحكم بعد وفاة مؤسس الدولة: «معاوية بن أبى سفيان» تستحق التوقف أمامها. فقد مات يزيد بعضة قرد -كما أشارت العديد من كتب التاريخ- وخلفه معاوية الثانى الذى مات مسموماً على الأرجح، ليخلفه مروان بن الحكم الذى مات خنقاً بوسادة على يد زوجته، الأمر الذى يدل على أن صراعاً ضارياً نشب على الحكم عقب وفاة يزيد، أدى إلى استعمال أبشع الطرق فى الوصول إلى «كرسى الملك»، حتى ولو تم الأمر بالقتل والاغتيال. مات إذن مروان بن الحكم. وبويع لولده عبدالملك بن مروان فى اليوم الذى مات فيه، وكان يقال له ولولده: «بنو الزرقاء»، يقول ذلك من يريد ذمهم وعيبهم، وهى الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه، وكانت من ذوات الرايات التى يستدل بها على بيوت البغاء، فلهذا كانوا يذمون بها، ولعل هذا كان منها قبل أن يتزوجها أبوالعاص بن أمية والد الحكم، فإنه كان من أشراف قريش، لا يكون هذا من امرأة وهى عنده، كما يذكر ابن الأثير فى الكامل فى التاريخ. وإذا نحينا جانباً مركز المعارضة الذى قاده عبدالله بن الزبير فى مكة ضد حكم مروان بن الحكم، وحاولنا أن نحدد مراكز المناوأة لحكم «مروان بن الحكم»، ثم «عبدالملك بن مروان»، فسوف نجد أن أشد حركات المعارضة وطأة جاءت من قبل التيار السياسى الجديد الذى بدأ فى التشكل عقب استشهاد الحسين بن على، ونقصد به تيار التشيع. يحكى ابن الأثير فى كتابه «الكامل فى التاريخ» أنه لما قتل الحسين تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأوا أنهم قد أخطأوا خطأً كبيراً بدعائهم الحسين وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله أو أن يقتلوا دون ذلك، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة هم: سليمان بن صرد الخزاعى، والمسيب بن نجبة الفزارى، وعبدالله بن سعد بن نفيل الأزدى، وعبدالله بن والٍ التيمى، ورفاعة بن شداد البجلى، وكانوا من خيار أصحاب على، فاجتمعوا فى منزل سليمان بن صرد الخزاعى، فبدأهم المسيب بن نجبة فقال بعد حمد الله: أما بعد فإنا ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن، فنرغب إلى ربنا ألا يجعلنا ممن يقول له غداً: «أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر» (سورة فاطر - الآية 37)، فإن أمير المؤمنين علياً قال: العمر الذى أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة، وليس فينا رجل إلا وقد بلغه، وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا الله كاذبين فى كل موطن من مواطن ابن بنت نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله وأعذر إلينا، فسألنا نصره عوداً وبدءاً وعلانيةً، فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا، فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته ونسله؟. لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تقتلوا فى طلب ذلك، فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك، ولا أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن. أيها القوم ولوا عليكم رجلاً منكم فإنه لا بد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفّون بها.