ما هى إلا دقائق معدودة إلا وتصايح الجند - قتل الأكدر.. قتل الأكدر وكانوا قد جاءوا به وحيدا، بعدما تغلب مروان بن الحكم على مقاومة والى مصر الذى عينه عبدالله بن الزبير، المنافس على الخلافة من عاصمته من مكة.. وقد سافر إليه وفد من مصر يبايعه، أكثرهم من قبيلة المعافر اليمنية.. وجاءوا من عنده بوالى جديد هو عبدالرحمن بن حجدم فهاجموا والى الأمويين الشاب سعيد بن زيد فهرب منهم عائدا إلى الشام، واستولوا على الحكم وحج بهم ابن جحدم، خلال هذه الفترة التى لم تزيد على 9 أشهر.. حتى هاجمه مروان بجيوشه بعد الانتهاء من بيعته خليفة فى دمشق فى ذى القعدة 46ه.. تفرغ بعدها لمدة 6 أشهر لاضطرابات الأحنف بن قبس الذى كان الذراع الأيمن لمعاوية وابنه يزيد، فهو الآن يؤيد بن الزبير، وكذا ثورة المختار بن عبيد الثقفى، الذى نادى بالخلافة لابن الحنفية محمد بن على بن أبى طالب وقام رجال مروان بالقضاء على الأحنف، وتولى رجال ابن الزبير القضاء علي المختار الثقفى.. وأصبح الصراع محددا بين ابن الزبير ومروان.. فاستغل مروان إجهاد جيوش ابن الزبير بعد معارك المختار ليحسم أمره فى مصر، يعيدها للأمويين وشمال أفريقيا، فيؤمن ظهره ويضمن عائد جزية مصر وتونس وكان لا يستهان بها، خاصة لضرورات الحرب والحكم. بعد 6 أشهر من مبايعته تحرك فى اتجاه مصر فى جيشين.. أحدهما إلى إيلات بقيادة ابنه الثانى عبدالعزيز بن مروان، واليه على مصر بعد ذلك، والذى هزم القوات المدافعة بقيادة زهير بن قيس البلوى وتقدم إلى منطقة عين شمس ليجتمع هناك مع قوات والده الذى جاء عن طريق فلسطينالعريشالشرقية، والذى لم يلق أى مقاومة فى طريقه فقد أعد العدة لقائد القوات المدافعة أمامه السائب بن هشام فقد أحضر معه من فلسطين، رضيع للسائب من زوجته هناك، رفعه له فور تلاقى الجيشين مهددا إياه بذبح الطفل إذا لم ينسحب ونفذ القائد الأمر.. فى عين شمس لاقى مروان مقاومة شرسة من قبيلة المعافير، خاصة رجال الأكدر بن حمام الذى وقف منذ البدء ضد تصرفات خليفة المسلمين عثمان بن عفان «23 35ه» وكان أحد القادة الخارجين عليه فى عام 34ه، ثم شارك فى حصار منزله حتى قتله فى المدينة عام 35ه. كانت واحدة من أهم اعتراضات الخارجين على عثمان أنه ترك خاتم الخلافة فى يد ابن عمه مروان بن الحكم، وكان أيامها شاباً له طموحات، لكن مأخوذ على والده أن النبى قد نفاه من المدينة.. فلم يصاحب مروان النبى، خاصة أنه كان صغيرا فقد ولد فى أولى سنوات الهجرة، ثم كانت الأزمة الكبرى عندما استمع عثمان لشكاوى أهالى مصر من واليه عبدالله بن سرح شقيقه فى الرضاعة (تولى مصر عام 24 35ه) ونزل عثمان على رغبة الزعماء القادمين من مصر، وولى عليهم محمد بن أبى بكر لكنهم فى رحلة العودة إلى مصر لاقوا العبد الذى كان يخفى رسالة مختومة بخاتم عثمان، يطلب فيها من ابن أبى سرح أن يقتل قادة الفتنة وعلي رأسهم ابن أبى بكر وكذا الأكدر بن الحمام فعادوا ثائرين للمدينة، فى ثورة انتهت بمقتل عثمان واندلاع فتنة استمرت 6 سنوات ما بين معارك الجمل وصفين والتحكيم ومقتل على وتنازل الحسن، واستقرار الأمر لمعاوية (41ه)، لكن الأزمة طرحت أن وراء الخطاب وكوارثه مؤامرة من مروان بن الحكم.. أضيف لها أن مروان تولى إمارة المدينة فى عهد معاوية فنكل بكل من رجال على، خاصة الصحابة منهم.. وبعد موت يزيد بن معاوية وكذا ابنه معاوية.. لم يبق فى بنى أمية للخلافة إلا خالد بن يزيد وكان صبياً، فاتفقوا على مبايعة الخلافة لمروان الذى تزوج أرملة يزيد ووعدها بإعطاء ولاية العهد لابنها، ليصبح خليفة عندما يكبر ويكتسب الخبرة. أخذ البيعة من أهل الشام وبدأ صراعه مع ابن الزبير، والذى مازال مستمرا حتى دخول مروان فى مصر، ويستمر بعد موت مروان عام 65ه مع ابنه عبدالملك، ولن ينتهى إلا عام 73ه عندما استطاع الحجاج بن يوسف الثقفى أن يقضى على ابن الزبير ويقتله وتعود الخلافة لبنى أمية من جديد.. وفى البدء حاول مروان تناسى كل تاريخه مع الأكدر، فاستدعاه للشام عام 65ه عقب المبايعة بالخلافة ليحرضه على المشاركة فى قتال، لكن الأكدررفض، فاشتد بينهما الحوار والسباب، وحدثت بينهما جفوة كبيرة استكمالا لما سبقها. لم يكن دور الأكدر فى المقاومة عند عين شمس فقط، فقد بادر مبكرا عندما علم بخروج قوات مروان، بقيادة حملة بحرية من مصر إلى الشام ليهاجم أسر وأبناء بنى أمية يهدد مروان وجيشه بهم، لكن الرياح لم تأت بما تشتهى سفنه، فلاقى عاصفة أغرقت كل السفن والرجال، لكنه استطاع النجاة والعودة إلى عين شمس يشارك فى القتال. بعد ثلاثة أيام من القتال الشرس لجأ مروان إلى نفس الحيلة التى نفذها مع الأحنف بن قيس قبل ذلك بعدة شهور، فقد طالبه بالهدنة والتفاوض، وعندما وضع رجال الأحنف سلاحهم هاجمهم بغتة وقضى عليهم، وها هو يوسط بعض قادة مصر المؤيدين لبنى أمية فى صلح مع ابن جحدم، يمنيه باستمراره فى الولاية مع إعطاءه هدايا من أموال وخيول وملابس وجوارى، وانهمك الوالى فى التفاصيل، فى الوقت الذى تسللت فيه قوات بنى أمية إلى الفسطاط ليجد الوالى نفسه بين شقى رحى.. فيما بين عين شمس والفسطاط.. فيهرب إلى الصعيد.. ويعيش هناك ويختفى من التاريخ. يدخل مروان دار الإمارة، ويوزع ما فى خزائنه على القادة والجنود قيل حوالى 9 ملايين درهم لكن قادة المعافير رفضوا نقض بيعة ابن الزبير. ويبدو أن مروان قد يأس من أمرهم بعدما جاء منهم 97 زعيما فرادا، ينتهى أمرهم بعد الحوار والأمانى بالقتل، فلما جاء الأكدر قتل بسرعة لينتهى الأمر. لم تطل ثورة الجند كثيرا، وقد زادوا عن 30 ألف مسلح، أفزعهم موت قائدهم الذى تغنوا بشجاعته، وتباكوا على أسره ثم مقتله السريع.. وأحاطوا بدار الضيافة غاضبين ليغلق مروان أبوابه خوفا.. فيلجأوا إلى أحد الأشراف ذو الكلمة المسموعة وهو كريب بن أبى أبرهة الذى استمهلهم حتى يدفن زوجته التى ماتت فى نفس اليوم، ثم قادهم إلى مروان ليعلن أمامهم أنه أجاره ويبايعه أميرا للمؤمنين، فينفض الجنود على الفور وينتهى الموقف.. لم يستطع فى هذه الاضطرابات أن تقوم أسرة عبدالله بن عمرو بن العاص بدفنه، حيث مات أيضا فى نفس اليوم 15 ذى الحجة 65ه فدفنوه فى بيته. واستقر حكم بنى أمية فى مصر من جديد، وتولاها عبدالعزيز بن مروان لمدة 20 سنة قادمة وتولى كريب بن أبى أبرهة ولاية الإسكندرية حتى توفى ودفن فيها عام 76ه (أى بعد 11سنة). الأكدر بن حمام بن عامر اللخمى.. شهد فتح مصر، مع والده وكان صحابيا أيضا. اختط فى الفسطاط منزلاً، ثم أقام فى خربتا مع الخارجين على عثمان.. وسافر إلى المدينة مع الغاضبين عام 34ه وشارك فى حصار عثمان 35ه.. ورغم أن بنى أمية تتبعوا كل المشاركين فى فتنة عثمان وقتلوهم، إلا أن معاوية كان يكرم الأكدر لمكانته وشجاعته وفروسيته، ويحفظ قدره، ويرسل له عطاءه السنوى ويحترم مجلسه إذا ما زاره فى دمشق. لكن الأكدر اعترض على على تولى شاب من بنى أمية لإمارة مصر سعيد بن يزيد وذلك فى ولاية يزيد بن معاوية، فمصر كانت مليئة بكبار الصحابة والقادة ممن يصلحون للمنصب.. كم أنه لم ينس الخطاب المدسوس من مروان باسم عثمان عام 35 ه يأمر فيه بقتل الأكدر عند عودته لمصر، فكان ما كان بينهما.. وما انتهى به الأمر. كان مع الأكدر فى تحريض المصريين ومقاومة قوات مروان بن الحكم الصحابى سخدور بن مالك الحضرمى وهو يمنى.. كما جاء فى جيش مروان بن الحكم.. الصحابى عمرو بن سفيان أبوالأعور السلمى والذى كان قد أسلم بعد غزوة حنين.. وصار من خاصة رجال معاوية والى الشام.. والخليفة بعد ذلك.. وكان شديد العداء للإمام على بن طالب فى صراعه مع معاوية.. وكان يدعو عليه فى قنوت الصلاة.. وهى الوقوف بعد الركوع الأخيرة للدعاء.. ردا على قنوت الإمام على ضد معاوية وجيشه بعد معركة صفين.. فأمر معاوية بعض رجاله بتنفيذ ذلك كإجراء مضاد، وقد استمر أبوالأعور السلمى على ولائه لبنى أمية.. فجاء مع مروان بن الحكم، ضد والى الزبير بن العوام فى مصر.. ثم توفاه الله.. ودفن فى الشام.