عندما تحدث جمال عبدالناصر عن «الشعب المعلم» فإنه لم يكن يتملق الشعب المصرى ولم يكن يصور الأمر على غير حقيقته، يومها كان جمال عبدالناصر ملء السمع والبصر، وكان قائداً شعبياً بامتياز يسانده الشعب المصرى ويستجيب له، ومع ذلك فقد سجل عبدالناصر فى الميثاق الوطنى أن هذا الشعب هو المعلم وأن شعبية عبدالناصر هى أحد مظاهر عبقرية هذا الشعب الذى بادل عبدالناصر مشاعر الثقة المتبادلة. وقد أكدت وقائع التاريخ المصرى أن الشعب المصرى هو فعلاً المعلم، يبدو ذلك واضحاً فى أوقات الشدة والأزمات، تأكد ذلك أثناء ثورة 1919 عندما كان أقصى طموح أعضاء الوفد المصرى سعد زغلول ورفاقه هو عرض القضية المصرية على مؤتمر الصلح فى فرساى سنة 1918 لإقناع الدول المشاركة فى المؤتمر بعدالة القضية المصرية وحق الشعب المصرى فى الاستقلال وإنهاء الاحتلال البريطانى، ولكن الشعب المصرى كان له رأى آخر حيث خرج بالملايين فى مظاهرات حاشدة يندد بالاستعمار ويواجه قوات الاحتلال، وواصل احتجاجه حتى 1952 بقيام ثورة 23 يوليو. وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثى خرج الشعب إلى الشوارع يرفض العدوان ولم ترهبه طائرات العدو، وقاوم فى بورسعيد حتى أجبر قوات الاحتلال على الجلاء مرتين فى عام واحد؛ أولهما فى يونيو 1956 والثانية فى ديسمبر 1956. وعندما تعرضت مصر للهزيمة العسكرية فى يونيو 1967 خرج الشعب المصرى يرفض الاستسلام للهزيمة ويدعو إلى مواصلة القتال من أجل تحرير الأرض المحتلة، وكان رد فعله فورياً بعد إعلان إيقاف إطلاق النار يوم 8 يونيو 1967، فخرج الشعب المصرى بالملايين إلى الشوارع يطالب جمال عبدالناصر بمواصلة دوره القيادى فى مواجهة العدوان، ودعا الشعب بصفة عامة وشبابه بصفة خاصة إلى القتال وتحرير سيناء من خلال حرب التحرير الشعبية واقتصاد الحرب والتقشف وساهم بكل ما يملك وضغط إلى أن تحقق له ما أراد فى حرب 6 أكتوبر 1973. ويظهر المعدن الحقيقى للشعب المصرى فى 25 يناير 2011 عندما نجح فى كسر شوكة الدولة البوليسية وخلع رأس الدولة وضغط من أجل محاكمة رموز النظام وحل مؤسساته السياسية والقمعية، واكتشف صيغة الحشد الجماهيرى كسلاح للضغط الفعال، وواصل نضاله من أجل تحقيق أهداف ثورة 25 يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ودفع ثمناً غالياً من أرواح أبنائه ودمائهم على مدار أكثر من عامين، وشهد له العالم أنه صاحب أكبر حشد جماهيرى فى تاريخ البشرية يوم 30 يونيو 2013 ضد نظام الاستبداد الذى حاولت جماعة الإخوان المسلمين إقامته على حساب الثورة وأهدافها، لم يقبل الشعب المصرى سرقة ثورته، فانتفض يستعيد ثورته عندما خرج إلى الشوارع عشرات الملايين فى مدن مصر وقراها يطالبون بالاحتكام إلى الشعب فى انتخابات رئاسية مبكرة. كان تحرك الشعب سلمياً ومطالبه ديمقراطية، فقدم نموذجاً جديداً للشعب المعلم الذى يعيش روح النصر ويعمل وفق قيمه ويطرح حلاً عبقرياً للخروج من الأزمة هو الاحتكام إلى صندوق الانتخابات الذى طالما تغنى به الإخوان المسلمون، فقرر مواجهتهم فى الساحة التى يتصورون أنهم سادتها؛ ساحة الانتخابات، ولكنهم أبوا الاستجابة إلى دعوته فكان يوم الجمعة 26 يوليو الذى لقن فيه العالم ودوله الكبرى درساً جديداً ومجيداً بإصراره على إعادة بناء دولته فى إطار دستور ديمقراطى والاحتكام لآلية الانتخابات لحسم الصراع، ووضع بذلك الإخوان المسلمين فى مأزق، ومنح تفويضاً للدولة أن تقوم بدورها فى مواجهة العنف والإرهاب، وأن يتم ذلك فى إطار القانون واحترام حقوق الإنسان. وهكذا يفتح الشعب المعلم صفحة جديدة فى تاريخ مصر على طريق التحول إلى مجتمع ديمقراطى فى ظل دولة عصرية عادلة وديمقراطية.