«رصاصة».. اختصرت رحلة شقاء «هالة» فى الحياة، قبل أن ترسو على شاطئ راحة طالما تمنتها لها ولأولادها.. رصاصة قتلت حلمها قبل تقتل جسدها، مزقت قلبها الذى أدماه الشقاء قبل أن تدميه طلقة «ريعو» القاتلة. .. و«هالة» لم تكن سوى امرأة بسيطة أصيب زوجها بالعجز فى ساقه اليسرى لتتحمل هى رحلة العناء والبحث عن لقمة العيش، لتوفر متطلبات أبنائها «سماح وسهيلة وخالد» إضافة إلى طفل قررت تبنيه بعدما رأته ملقى بجوار والده داخل إحدى المقاهى وعمره لا يتجاوز 60 يوماً.. توجهت نجلتها إلى بائع ملابس لشراء بعض مستلزماتها.. بعد بضعة أيام وحين رغبت فى رده واستبداله بآخر نهرها البائع وكال لها السباب والشتائم.. لم يكتفِ بهذا بل توجه إلى منزلهم بصحبة مجموعة من البلطجية يحملون الأسلحة النارية والبيضاء.. وقال أحدهم: «أنا ربنا بتاع المنطقة دى»! لتخرج طلقة من سلاح يحمله نجله وتستقر فى جسدها.. سقطت «هالة أحمد»، 45 سنة، بين أبنائها تنزف دماً.. لم تنطق سوى بكلمة «متخافوش».. لتغادر الروح الجسد.. ومنها إلى مستشفى الساحل ثم إلى مشرحة زينهم. فى منزل بسيط بمنطقة الساحل تقطن الأسرة المكلومة وأقاربهم.. زوج عاجز عن الحركة.. وفتاتان فى عمر الزهور، كانت أكبرهما تستعد لحفل زفافها منتصف أغسطس المقبل، ولا تزال حتى اللحظة ترتدى عباءة تحمل آثار دماء والدتها.. وابن فى المرحلة الثانوية، وبجوارهم الطفل «زياد» يتمتم بعبارة: «ماما فى الجنة عند ربنا». يقول الزوج حمدى زكى.. أبويا وأمى ماتوا من 10 سنين زعلت عليهم.. بس لما ماتت «هالة» حسيت باليتم.. كانت كريمة جداً وهى مش معاها حاجه أصلاً.. كنا نختلف كتير بس مكنش يطلع عليا الصبح غير وانا مصالحها.. راحت وخدت معاها كل شىء جميل.. كنت لما أحتاج فلوس أقولها وكان ردها «خليها على الله».. من يوم ماعجزت وهى اللى شايلانى أنا واولادى.. فى مرة جاتنى وقالت «أنا لقيت عيل فى اللفة عنده شهرين فى قهوة وصعبان عليا عايزه أربيه».. قلتلها هاتيه أهو ربنا يكرمنا بسببه.. كانت بتربى شوية بط وفراخ عشان تبيع منهم أو تبيع البيض بتاعهم وتأكلنى أنا وأولادى.. أو تاخد بصل من فايض محل الكشرى اللى جنبنا وتبيعه.. لما بنتى وخالتها راحوا يرجعوا الهدوم من بياع اسمه «تامر ريعو»، شتمهم هناك.. واتصل واحد بالحاج «عربى» خال المجنى عليها، وقاله ع اللى حصل.. هو كان نازل يصلى العشا وراح عشان هو معروف فى المنطقة هنا يعاتبهم ويحل الموضوع.. شوية عيال كانوا هناك «تامر ريعو الواد دا تبع إمبراطورية شر مع واحد اسمه «جمال شركس».. ولموا بعضهم وراحوا للحاج عربى فى المحل بتاعه.. تامر ريعو وحتاتة وإبراهيم إياه ومحمد بن جمال شركس، وكانوا عايزين يعوروا «خالد» ابنه.. «عربى» حاول يدافع عن نفسه بكرسى خشب كان معاه وبقى يتلقى منهم الضربة والتانية.. وضربوا عليه خرطوش بس ربنا ستر بلية واحدة بس دخلتله فى رجله.. وواحد منهم ضربه بماسورة فوق راسه خد 6 غرز. هو راح القسم عشان يبلغ باللى حصل.. كانوا هما هجموا ع البيت وقتلوا مراتى.. وبعتوا ناس منهم تروح تبلغ فى القسم وتتهمنا إننا تهجمنا عليهم فى بيوتهم.. بس المأمور طارق حسونة ورئيس المباحث علاء خلف الله ووكيل النيابة كلهم كانوا محترمين معانا.. وقبضوا عليهم بعد ما اختفوا من هنا.. استلمتها من مستشفى الساحل، جنازتها كانت كبيرة أوى.. وأنا بادفنها قبرها كان منور.. وكانت طيور الكروان بتلف فى السما فوق قبرها.. دفنتها على ألحان الكروان.. يا بختك يا هالة، الله يرحمك! أنا عايز قصاص سريع وعادل من المجرمين دول.. يعنى إيه واحد ييجى يقول «أنا ربنا»؟ حسبى الله فيهم، حرمونى منها، كنا بنعد الأيام عشان نفرح ب«سماح» بنتنا الكبيرة.. بس خلاص هى ماتت وظهرى اتكسر. وتقول «سماح»، الابنة الكبرى للمجنى عليها، بالفرقة الرابعة بكلية الحقوق، ودموعها تسبق حديثها: أنا رحت عشان أغير «البدى» اللى جبناه.. ولقينا «تامر ريعو» بيشتمنا ويبهدلنا ورفض إنه ياخده تانى.. وجينا البيت إحنا مش بتوع مشاكل وفى حالنا والناس كلها تعرف كده.. فوجئنا بضرب النار عند محل خال ماما «العربى»، وطلعنا من البلكونة نشوف إيه اللى بيحصل تحت.. فوجئنا ب«محمد شركس» بيضرب نار.. ماما كانت خايفة على «زياد» وقالتلى أدخله من البلكونة بسرعة، رجعتلها تانى لقيتها وقعت بظهرها على الأرض، جريت عليها بسرعة، أنا عرفت إنها اتعورت بطلقة، بس كنت فاكراها جات فى دراعها، ولقيت الدم بينزل من كل حتة، من ودنها وبقها، قلتلها يا ماما متموتيش أنا عايزاكى.. هى كانت بتهز راسها بس وقالتلى: «متخافيش».. فى نفس التوقيت هما برضو كانوا بيحدفوا زجاجات فارغة وحجارة من تحت وكسروا زجاج باب البلكونة ووقع عليها. سحبتها جوه الأوضة بعيد عن البلكونة وخدتها فى حضنى.. وهما دخلوا برضو تحت فى البيت وكانوا بيكسروا فيه.. ولقيت شفايفها بدأت تزرق والدم بيتسحب من وشها.. وعينيها دبلت.. بقيت أنطق الشهادة بصوت عالى فى ودنها.. واتأكدت إنها ماتت. كنت عايزة أتعلق بقشاية حد يلحقنى ويقولى إنها لسه عايشة بس مغمى عليها حتى لو بالكذب.. كانت بتعمل المستحيل عشان توفر لنا كل طلباتنا.. من كام يوم طلعت جهازى وشنطى من الأوضة عشان نعرف إيه اللى ناقصنى وحجزتلى الفستان والكوافير عشان فرحى كان يوم 13/ 8 الجاى، وكانت هتسافر معايا يوم الجمعة عشان نشوف العفش بتاعى.. أهى ماتت فى حضنى أنا لابسة العباية بدمها، الله يرحمها أنا عايزة كله يساعدنى فى أخد حقها.. هما ليه عملوا فيها كده؟ منهم لله! بينما يتظاهر الابن «خالد»، 16 سنة، بالتماسك أمام شقيقتيه.. ويقول ربنا يرحمك يا ماما، نامى وحقك هيرجع.. هخلى فرح «سماح» فى معاده عشان انتى عايشة معانا وهتحضريه كمان.. هاعمل كل حاجة عشان أحمى أخواتى البنات.. زى ما كنتى عايزة بالضبط. أما الابنة الصغرى «سهيلة»، 12 سنة، بالصف الأول الإعدادى، فتقول أنا كنت محتاجاها أوى، كنت واقفة جنبها لما ماتت، كنت عايزة أبقى حاجة وأكبر وأساعدها عشان أعوضها عن تعبها اللى شافته.. كانت تاخد «زياد» على كتفها وتمشى بيه رغم إنها كانت مصابة بإعاقة فى رجلها.. ومكنتش ترضى حد يزعله لما يغلط.. وتقول محدش يضربه دا يتيم حطوا نفسكم مكانه، أهو إحنا بقينا أيتام زيه، أنا معرفتش أروح معاهم المستشفى، مش مصدقة اللى أنا فيه واللى شفته، هما ليه يحرمونى من ماما؟!