جسد واحد، وصوت واحد، وقلب واحد، هنا فى ميادينك يا مصر، تشتعل الفرحة تماماً كما تشتعل نيران الاحتفال، وكأنها ألسنة تطلق زغاريدها فى اتجاه الفضاء الواسع، علمك فوق الرؤوس وعلى الوجوه وداخل الصدور، واسمك نشيد يردده الملايين فى هدير كالرعد «مصر.. مصر»، يتصاعد الإيقاع الراقص على الدفوف، فتتجاوب معه الأجساد المتعبة، ترقص فترقص معها الدنيا طرباً، لا يعود البرد برداً، ولا الزحام زحاماً، الكل أصبح واحداً، والواحد لم يعد يذكر أى شىء عن أى شىء، لا معاناة، ولا حزن ولا مشاكل حياتية يتذمر منها طوال اليوم، تكفيه تلك اللحظات الخاطفة التى يذوب فيها وسط الجموع، مرتدياً جلبابه الصعيدى، أو زيه العصرى، أو حتى فانلة المنتخب الوطنى، ينسى أنه قبل دقائق قليلة كان مجرد لعبة فى مهب الريح، ساكناً بين فكى القدر يقلبه كيف يشاء، مسحوراً بتلك الساحرة المستديرة التى تجوب الملعب أمام عينيه، تنتقل فى خفة بين قدمى عبدالله السعيد، الذى يلقى بها لتريزيجيه، بدوره يعطيها لمحمود كهربا، ومنه لمحمد صلاح فيسكنها الشباك، منهية بذلك رحلة طويلة من الجرى واللهاث وراءها، لا تمر الدقائق حتى تخلف عهدها، فإذا بها فى أقدام الفريق المنافس، قاطعة نفس الرحلة قبل أن يتصدى لها سد مصر العالى، الشهير بالحضرى. تتواصل المواكب الراقصة حتى مطلع الصبح، ليلة ذاق فيها المصريون طعم الفرحة، بعد شهور طويلة من الغياب، هم الآن متمسكون بها، كلهم رغبة أن يستعيدوها مرة أخرى حين يلعب منتخبهم مباراته الأخيرة فى بطولة الأمم الأفريقية، فيسحق خصمه وينتصر عليه، ويعود إليهم حاملاً كأس القارة السمراء، لقلب «أم الدنيا».