يخلع الحذاء من قدميه ويوثق الحبال حول خصره ويهم لصعود النخلة تدريجيا وسط حفاوة من الأطفال الذين يصفقون له وينظرون إلى أعلى وهم يغنون «يا طالع النخلة.. هاتلى معاك بلحة»، مشهد طالما تكرر كلما صعد الشاب الثلاثينى محمد عبود إلى النخل المنتشر فى الزراعات وداخل المنازل فى قرى ونجوع الأقصر. «عبود» لم يكمل تعليمه الأساسى وعمل بهذه المهنة الخطرة منذ أن كان صبيا لا يتعدى 12 عاما بمنطق «إيه اللى رماك على المر.. قال اللى أمر منه»، حيث اضطر عبود إلى استغلال موهبته فى اعتلاء شجر «النبق» و«الدوم» و«الجميز» و«النخيل» لعدم تمكنه من الحصول على مهنة أخرى رغم مشقتها وخطورتها. «طلوع النخيل» مهنة شاقة وخطرة وتستلزم خبرة كبيرة وقدرة فائقة على الحركة والقفز واليقظة التامة ومع ذلك يرى «عبود» أنه لا ينجو من أخطارها إلا أصحاب الحظ حيث تسببت هذه المهنة فى موت بعض العاملين فيها وإصابة البعض الآخر بعاهات مستديمة بسبب سقوطهم من ارتفاعات عالية. ويتذكر «عبود» إصابته منذ ثلاثة أعوام بعد سقوطه من «نخلة» مرتفعة يبلغ طولها نحو 14 مترا مما تسبب فى كسر ذراعه وإصابته إصابات متعددة فى رأسه وظهره إلا أنه فور شفائه عاد للمهنة من جديد لأنه لا يعرف ولا يجيد سواها فى ظل عدم وجود وظيفة أخرى. يستخدم «عبود» فى طلوع النخل فأسا حادا لقطع «سباط البلح» وقطع الجريد والسعف أو ما يسمى «الليف» ويستخدم أيضا حبالا خاصة كحزام أمان أثناء صعود النخلة وهى حبال مكونة من النايلون وليف النخيل وجلود الحيوانات يتم دمجها مع بعضها البعض لتأمين صعود النخل الذى يتعدى ارتفاعه 30 مترا فى كثير من الأوقات. رغم الجهد الكبير الذى يبذله «عبود» فى مهنته فإن المقابل الذى يحصل عليه قليل للغاية حيث يمكن أن يصعد نخلة وينظفها ويجنى تمرها فى عملية تستغرق أكثر من ساعتين وفى النهاية يعطيه المزارع 10 أو 15 جنيها، مؤكدا أن الملايين مثله لا يجدون نقابة أو رابطة تؤويهم وتساعدهم عند كبرهم فى السن. ظاهرة غريبة انتشرت فى صعيد مصر يشير إليها «عبود» وهى تخلص الكثير من المزارعين من أشجار النخيل إما بالقطع أو الحرق بحجة قلة إنتاجه بسبب إصابة الكثير من النخيل خلال السنوات الماضية بمرض خطير يسمى «سوسة النخيل» أو «إيدز النخيل»، كما أن النخيل أصبح على حسب قول المزارعين يؤثر على الزراعات المجاورة له ويجذب الزواحف والطيور كالصقور والبوم والغربان. فوائد النخيل كثيرة يرصدها «عبود»، منها أن البلح يباع بأسعار مرتفعة خاصة فى موسم الصيام كما يستخدم «الليف» فى صناعة الحبال والمشغولات اليدوية التى تباع للسياح ويستخدم «الجريد» بديلا لحديد التسليح فى عمليات سقف المنازل القروية البسيطة.