على طول الطرق السريعة في شمال لبنان، تتلاشى صور مقاتلي "حزب الله" الذين قُتلوا في اشتباكات مع إسرائيل، وتحل بدلها صورا لمن قُتلوا في حرب حزب الله الجديدة، هؤلاء الرجال قتلوا في سوريا، وهم يقاتلون بجوار جيش الرئيس السوري بشار الأسد، حليف حزب الله الوثيق، ضد وحدات المقاتلين في صراع حصد أرواح 70 ألف شخص، ويهدد بإشعال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما. تعد الجماعة الشيعية التي تصنفها الولاياتالمتحدة كمنظمة إرهابية، أكثر الجماعات العسكرية فاعلية في لبنان، وأثار تورطها المتزايد في المستنقع السوري غضب السنة اللبنانيين المتعاطفين مع مقاتلي المعارضة السورية. وتحمل لبنان الوجود العسكري لجارته التي هيمنت عليه تاريخيا لمدة 29 عاما حتى 2005، وحاول أن ينأى بنفسه عن الانتفاضة التي بدأت سلمية ضد أربعة عقود من حكم عائلة الأسد، قبل أن تتحول إلى العنف بعدما قتل رجال الأسد واعتقلوا الآلاف، لكن ثبت أن عزل سكان لبنان وعددهم أربعة ملايين عن سوريا ضرب من الخيال فقد بدأ اللاجئون يتدفقون، وبدأ سكان القرى السنة على طول الحدود في توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية للمقاتلين السوريين، وأرسل مؤيدو المقاتلين السوريين في لبنان الأسلحة والرجال عبر الحدود لقتال قوات الأسد. وفي غياب هيكل للقيادة يصعب تحديد العدد، لكن 12 مسلحا لبنانيا قتلوا على يد الجيش السوري قرب حمص في نوفمبر، ويقول سكان في مدينة طرابلس الساحلية اللبنانية، حيث وقعت اشتباكات متفرقة بين السنة والعلويين، إن بعض السكان المحليين من السنة يقاتلون في سوريا أيضا. وأبلغ الرئيس السوري بشار الأسد، لبنان، حيث يتقاسم السنة والشيعة والمسيحيون الموارنة والسلطة، أنه يجب عليه مساعدته في قتال ما يصفهم بأنهم "جماعات إرهابية مدعومة من الخارج"، ويطلق رجال الأسد قذائف المورتر بصورة متكررة على لبنان ويتوغلون داخل الحدود من وقت لآخر لمطاردة مقاتلين سوريين. وعلى المستوى الرسمي، ينفي حزب الله أنه يقاتل في سوريا، وردا على سؤال عن التصعيد الأخير في منطقة الحدود، قال إبراهيم الموسوي، المسؤول الإعلامي في حزب الله، إنه طوال عامين كانت السياسية الرسمية للحزب هي عدم التعقيب، وقال مايكل يانج، كاتب مقال الرأي في صحيفة "ديلي ستار" التي تصدر في بيروت، إن الضغوط تأتي على الأرجح من إيران الشيعية الممول الرئيسي لحزب الله والداعم الرئيسي للأسد الذي ينتمي للطائفة العلوية الشيعية. وكتب يانج "أصبح حزب الله وقودا لمدافع النظام السوري بناءً على طلب إيران وهذا شيء يجب ألا يستسيغه الحزب، هناك ثمن سيدفعه حزب الله نتيجة لدفعه للتوازنات الطائفية في لبنان إلى أقصى مدى لها، هذا الثمن قد يكون التدمير التدريجي للحزب وربما ما هو أسوأ، حرب أهلية لبنانية طائفية". ودعا رجال سُنة بارزين في لبنان، إلى حمل السلاح ضد حزب الله الشيعي تهدد بعودة لبنان إلى إراقة الدماء، وحث الشيخ أحمد الأسير، أحد أكثر رجال الدين السُنة، صراحة أنصاره على قتال حزب الله داخل سوريا لمساعدة جماعات المقاتلين السوريين، وكثير منهم إسلاميون متشددون. وخلال الأسبوعين الماضيين سقطت ثمانية صواريخ جراد على بلدة الهرمل الزراعية الشيعية، التي يسكنها نحو 100 ألف شخص، وتقع قرب نهر العاصي على حدود لبنان مع سوريا وعلى بُعد 45 كيلومترا تقريبا إلى الشمال من بعلبك، وسقط أحد الصواريخ على مبنى خاوٍ في الشارع الرئيسي في الهرمل، مخلفا حفرة قطرها نحو متر، وسقط آخر على منزل قرب دار للأيتام في البلدة، ولم تقع إصابات. وقال الحاج صقر، رئيس بلدية الهرمل، إن الصواريخ أطلقها مقاتلون سوريون أو كما يسميهم "الإرهابيون"، وتساءل "إذا ما أرادوا التغيير، فلماذا إذن يطلقون الصواريخ على لبنان؟"، وأضاف أن الهرمل استقبلت 4000 أسرة سورية لاجئة وقدمت المساعدة للجرحى، وتابع "إذا ما استمر الإرهابيون في مهاجمة ودخول لبنان فسنحمي أنفسنا". ونفى صقر أن يكون رجال من بلدته المؤيدة لحزب الله، يقطعون رحلة طولها عشرة كيلومترات إلى الشمال للقتال في سوريا، وقال إن المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون في سوريا هم فقط من شكلوا ميليشيا مدنية لحماية أنفسهم. ويقول حزب الله أيضا إن أفراده في القرى السورية التي يسكنها لبنانيون "يدافعون عن أنفسهم". وعلى طول الطريق إلى سوريا، حيث تنتشر صور الأسد والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، هناك حشد عسكري واضح، فمقاتلو حزب الله في كل مكان ويحمل بعضهم حقائب كبيرة ويسيرون صوب الشمال، وتقطع سيارات الإسعاف التابعة للجماعة الطريق عبر نهر العاصي ذهابا وإيابا، وبينما يتردد نقيق الضفادع قرب النهر تدخل مقاتلة سورية المجال الجوي اللبناني بسرعة وتميل بشدة وتلقي بقنبلتين على بلدة حدودية.