تعتبر مساحة فنان الكاريكاتير صلاح جاهين لدى الجماهير، أقل شهرة من صلاح جاهين الشاعر، أو صلاح جاهين كاتب أغاني العندليب، ذلك على الرغم من تفرده وتجربته المختلفة في هذا الفن، وهي تجربة تستحق الرصد، وتستحق ضوءا لا يقل عن ذلك المُسلط على دروب الفنون الأخرى التي سلكها وأبدع فيها العظيم الراحل. يقول عنه الفنان الكبير الراحل محيي الدين اللباد، إنه الرقم القياسي في تاريخ الكاريكاتير المصري، والرقم القياسي، هو قدرته على القيام بفعل، لا يمتلك الآخرون ممن هم في نفس مجاله، القدرة على فعله، أو حتى القيام بعمل مشابه. يسهب اللباد، في وصف صلاح جاهين، خلال ألبومه الأول "نظر"، ويقول إنه الفنان الوحيد الذي ظل متجدد الأفكار، رغم فترة الضحالة الفنية التي صاحبت التحولات السياسية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ففي الوقت الذي اقتصر فيه الكاريكاتير على الأفكار والموضوعات الاجتماعية، وأصبح محصورا في إيفيهات هزلية مبتذلة، هدفها تجاري بحت، لم يُصَب جاهين بحالة النضوب تلك، لكنه أبدع رسومات مهمومة بواقع المجتمع، وسياسية لا تخلو من خفة الكاريكاتير. ويقول الفنان وليد طاهر، إن الراحل صلاح جاهين، كان يتميز بالمكان، حيث إنه يجيد رسمه ليخرج مشهدا كاملا، مضيفا أن رسمه لبيت مصري على سبيل المثال، كان يبعث فيه كافة التفاصيل المصرية، من الإكسسوارت والملابس، حتى إن رسمه أصبح كمشهد سينمائي كامل تطلع، يحوي لقطة سينمائية متقنة. وأوضح مصمم الأغلفة ورسام الكاريكاتير، أن الفكرة في كاريكاتير جاهين، كانت على سخريتها، شديدة العمق، فقد كان يعمل على تبسيط لأمور ضخمة، في صورة سهلة الفهم على المستقبل، على اختلاف هذا المستقبل، وتدرج فكره وثقافته ومستواه التعليمي. وأكد طاهر أن جاهين نجح في الحفاظ على مستوى متوسط من التلقي، لأنه الجريدة التي يرسم بها، في إيدي جميع الناس "بيعمل حساب ست البيت، ودكتور الجامعة، والنص تعليم". وتابع طاهر أن جاهين، كان له أثر كبير في أعماله الشخصية، وكان طاهر بتأمل أعماله وكيف يطرح القضايا الكبيرة ذات الأعماق الفلسفية أو السياسية بشكل ساخر، دون أن تفقد عمقها وأهميتها، ولا تنحرف للهزل. وأكد طاهر، كلام اللباد، بأن جاهين يظل رقما قياسيا مستحيلا، مضيفا أنه لا يتذكره بأعماله فقط، وإنما يتذكره هو شخصيا "في ناس مبيتنسوش وبيبقوا في الوجدان". صلاح جاهين تبقى أعماله حاضرة، ويبقى هو بشخصه، بكامل تفاصيله التي شكلته، بسخريته، ورباعياته، وتمثيله وتأليفه وأغانيه وليلته الكبيرة، وبكاريكاتيره الذي لا يخلو من شاعرية الشاعر، وسخرية الرسام، ولماحية الصحفي، هو حاضر في جميع تجلياته.