عبر أكثر من خمسين عاما هي عمر تجربته الفنية، قدم الفنان الراحل «محيي الدين اللباد» تجربة ثرية ومتنوعة ما بين فن الكاريكاتير والفن التشكيلي وفن تصميم الأغلفة، ورسوم الأطفال، وفي كل من هذه المجالات أسهم «اللباد» برؤاه التجديدية، والابتكارية بجهد ملحوظ جعله دائما في المقدمة. خطوطه – دائما – تدل عليه، ومشاغباته علي الصفحات تنطق بعمق الانتماء، فهو فنان آمن بقدرة الفن علي التغيير لذلك تبني العشرات من الموهوبين الذين تخرجوا في مدرسته ليصبحوا الآن نجوم فن الكاريكاتير ورسوم الأطفال وغيرها من الأشكال التي برع فيها «اللباد». ومن أهم ما تركه الراحل مجموعة كتب «نظر» والتي صدرت منها طبعة مجمعة عن مكتبة الأسرة بمقدمة لابنه الفنان أحمد اللباد، والتي يقول فيها عن والده «في كل مجالات عمله وبكل الوسائط البصرية المتاحة كان همه الأول هو شرخ المستقر، وإعادة الاكتشاف، والخلق الجديد، والثقة بثقافتنا الوطنية والقومية، ولفت الانتباه لطليعية وخصوصية محتويات متعددة فيها، ومحاولة التراكم بها وفوقها، لتجاوزها لصالح مستقبل أكثر ملاءمة واتساقا لزمنه ولعصره، ومع هذا ظل طوال عمره ممتلئا بالثقة وبثبات الغد الذي يحترم ويستقبل المنتج الثقافي الأجنبي والغربي بالنقد لسوءاته أو عنصريته وسيادته بدون وجه حق في أحيان، أو يعرف ويبشر بفرح بالجانب الإنساني للفنان السمح في أحيان أخري». جماليات الفن ويعد كتاب «نظر» من أهم الكتب في الفن التشكيلي وفن الكاريكاتير التي صدرت خلال العشرين عاما الماضية، نظرا لما يحتويه من ثقافة موسوعية تمتع بها «اللباد» ورؤية نقدية تقترب من جماليات الفن بلغة سلسة وراقية، وفي هذه الكتب لا يحتفي «اللباد» بالفنان والكتابة عنه فقط بل يحتفي بالرسوم التي يجعلها دائما في متن الكتابة عن الفنان الذي يكتب عنه. ويكاد يكون كتاب «نظر» هو الكتاب الوحيد الذي يلامس تجربة فن الكاريكاتير في مصر برؤية فنان مارس هذا الفن، وإن كان هناك كتاب آخر عن هذا الفن كتبه الناقد الراحل د. علي الراعي في «الألبوم الأول» من كتب «نظر» يقول محيي الدين اللباد في مقدمته: «ليس هذا كتابا بالضبط، بل هو ما يسمي في بلاد أخري.. «ألبوم» ويعطي هذا الاسم هناك للمطبوعات التي تجمع أعمالا «وبالذات المصورة أو المرسومة» نشرت من قبل في مجالات وصحف، بلا تدخل جديد أو جهد مكرر. ويبدأ الكتاب بمقالات كتبها «اللباد» في مجلة «صباح الخير» عام 1985، ونلاحظ أنه من أوائل المقالات التي تقابلنا مقال عن الفنان «نبيل تاج» والذي صاحبت رسومه الأعمال الإبداعية الأولي للأدباء يحيي الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان ومحمد البساطي، ثم تحول إلي فن الكاريكاتير خاصة بعد عمله في مجلة «الأهرام الاقتصادي» منذ عام 1981. كما يكتب عن رائد فن الكاريكاتير المصري «صاروخان» وكذلك عن «جورج البهجوري» وصلاح جاهين وعبدالسميع وغيرهم من رواد فن الكاريكاتير المصري. وبمخيلة الفنان الشامل والموسوعي يتجول «اللباد» في صحف العالم ليعرفنا بأشهر وأهم رسامي الكاريكاتير في الشرق والغرب، لكي يقترب القارئ من فنهم بما يتضمنه من نقد اجتماعي وسياسي. تجارب جديدة كما يتتبع «اللباد» بعين الأستاذ تجارب الأجيال الجديدة وهذا ما نراه في «الألبوم الأخير» والذي يكتب فيه عن جيل جديد من المبدعين وعن الورش الفنية التي أشرف عليها في عدة محافظات في مصر، وكذلك في بعض الدول العربية. وهذا ما يحتويه «الألبوم الرابع» فيكتب «اللباد» عن تجارب الفنانين الشباب أمثال «أسامة حجاج وأسامة بحر وسعد حاجو ورانيا أمين» وغيرهم. كما يكتب عن تجربته في إخراج «كتاب في جريدة». وعلي حد تعبير الناقد الفني «دومينيك دو شامب» في مقدمته لمعرض «محيي الدين اللباد صانع الكتب» والذي أقيم في صالون «مونتريال لكتب الطفل» بباريس عام 2001: «من الماضي يخلق محيي الدين اللباد» صورا يعرضها علي عالم اليوم، ويجعلها تتجاور معه، وتجيب عن أسئلته، وتتكامل مع محيطها، إنه يضعنا في عالم لم نكن نعرفه قبلا، ويمنحنا صورا يسمح لنا بأن نتقاسمها معه، لقد أصبحنا معه – بكل يسر – أكثر قربا وألفة، وإدراكا».