ما إن رُفع الستار عن المشهد الثانى فى محاكمة الرئيس السابق وابنيه ووزير داخليته وكبار مساعدى وزير الداخلية، حتى شخصت العيون وأرهفت الأسماع لهيئة المحكمة، لكنها وبسرعة خاطفة أسدلت الستار بقرار تنحيها عن نظر القضية لاستشعارها الحرج. واستشعار الحرج فى القضاء أمرٌ محمود فى ذاته؛ إذ لا يُعقل أن تتصدى دائرة قضائية لإصدار حكم والحرج يملأ عقلها وقلبها. لكن السؤال المنطقى الذى يسأله المهتمون: ولماذا الحرج وقضاؤنا شامخ ومستقل؟! إن أسباب الحرج كثيرة تختص بها هيئة المحكمة، لكن البراءة كانت عنواناً لقضية صاخبة عُرفت إعلامياً ب«موقعة الجمل»، وكان رئيس الدائرة التى أصدرت البراءة هو نفسه رئيس الدائرة التى تنحت يوم السبت الماضى. ولا يزال كثير من أهل الضحايا فى موقعة الجمل وكذلك جمعٌ غفير من أهل القضاء والمحاماة مندهشين من هذه البراءة التى اعتبروها حلقة فى مسلسل «البراءة للجميع»، وذلك فى القضايا التى خرجت من تحت يد المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق. ويتيقن أصحاب الحقوق من أن تلك القضية (قضية مبارك وأعوانه) سوف تسيِّرها يد القدر حتى تمثل أمام دائرة تنصف المظلومين. وقد لفت الأنظار بشدة -خلال الدقائق التى عُقدت فيها الجلسة- تلك السعادة التى تبدَّت على الرئيس السابق مبارك ونجليه وكأنها تعلن للجميع ثقة كبيرة فى مستقبل هذه القضية، وزادت دهشة المراقبين حينما رأوا ذلك التلويح المستمر من الرئيس السابق لمؤيديه ومناصريه وكأن يده تنطق وتقول: «استمروا على خطواتكم؛ فقد قلت لكم من قبل: إما أنا أو الفوضى. أما تلك البسمة التى علت شفتيه فإنها تعلن لمن فجر الثورة وشارك فيها أن صفكم الواحد الذى أسقطنى فى ثمانية عشر يوماً قد أصبح صفوفاً متناحرة. وبقدر ما أثارت تلك المشاهد حنق معظم المصريين أدخلت البهجة والسرور على أتباع الثورة المضادة التى تريد بمصر العودة إلى عصر الاستبداد والفساد. فهل يعى فرقاء الثورة هذا الأمر حتى يعودوا كما كانوا يداً واحدة تحافظ على الثورة من الضياع؟ وتساءل المتابعون للقضية عن مصيرها حينما تنظرها دائرة ثالثة من دوائر محكمة الاستئناف بالقاهرة (الأولى أصدرت الحكم بالمؤبد والثانية تنحت عن نظر القضية). وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نستحضر عدة أمور، الأمر الأول: الأدلة والبراهين الجديدة التى قدمتها لجنة تقصى الحقائق التى شكها رئيس الجمهورية ومدى إمكانية النيابة العامة من الاستفادة بهذه المعطيات الجديدة بل ومدى قناعة الدائرة الجديدة التى ستنظر القضية. الأمر الثانى: مصير الحكم الذى ستصدره الدائرة الجديدة. من المتيقن أنه لو صدر حكم بالإدانة على الرئيس السابق ونجليه وباقى المتهمين فسوف يلجأُ محاموهم لنقض الحكم مرة ثانية أمام محكمة النقض، أما إن كانت الأحكام مخففة أو كانت البراءة هى الحكم فسوف تلجأ النيابة لنقضه أمام محكمة النقض أيضاً. وبالتالى فإننا سنشهد عودة القضية لا محالة إلى محكمة النقض. ويوجد احتمالان آنذاك، الأول: أن تقرر محكمة النقض قبول الطعون، وفى هذه الحالة سوف تتصدى هى بنفسها للفصل فى القضية ويكون حكمها نهائياً غير قابلٍ للطعن. الثانى: أن ترفض الطعون فيصبح حكم الدائرة الجديدة باتّاً ونهائياً أيضاً. ما علينا إلا أن ننتظر «كلاكيت» ثالث مرة.