تنشر "الوطن" المذكرة الإيضاحية المقدمة من النائب طارق الخولي، عضو مجلس النواب، حول تعديلات قانون التظاهر وذلك اتساقا مع النتائج التي انتهى إليها مؤتمر شرم الشيخ للشباب. وإلى نص المذكرة: القانون رقم 107 لسنة 2013 - بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية -صدر في عهد الرئيس السابق عدلي منصور ، وبالتحديد في نهايات عام 2013 ، في غيبة الدستور وفى ظل الإعلان الدستوري الصادر في الثامن من يوليو 2013 ، إبان ثورة 30 يونيو المجيدة ، فصدور القانون في هذا التوقيت أثار لغطاً وجدلاً مجتمعياً واسعاً ، فلم يؤتى أثره ولم يتضح هدفه ومبتغاة إلا بنهاية خارطة الطريق ، واكتمال البنية السياسية والمؤسسية للدولة ، بوضع دستور وانتخاب رئيس وبرلمان. فقد كانت فلسفة القانون والغرض من صدوره في هذا التوقيت شديدة الحساسية والخطورة ، هو مجابهة السلطة الانتقالية لنشاط جماعة الإخوان ، التي سعت بشراسة لإرهاق الدولة باحتجاجات وتظاهرات ، كانت تهدف لانهيار الاقتصاد المصري الذي يقوم بالأساس على الخدمات كالسياحة والنقل ، وهو نوع من الاقتصاديات التي تتأثر وتفشل في حالة غياب الاستقرار والأمن ، بالإضافة لممارسة أعمال عنف مصاحبة للتظاهرات ، كانت ترمى لصعوبة توفر أجواء إجراء استفتاء على الدستور أو انتخابات رئاسية وبرلمانية ، بإثارة الفزع لبث الرعب في قلوب الناخبين للعزوف عن المشاركة ، ومن ثم إفشال الاستحقاقات الديمقراطية أو على الأقل تعكير صفوها ، بما يمكن أن ينتج دعاية سوداء ، يُروج لها على المستوى الدولي بمزاعم وشعارات أقلية المؤيدين لما يصفوه دوما بالانقلاب ، والتعزيز زورا لفكرة الرفض والعزوف الشعبي ، عن تأيد إجراءات وتوابع قرارات 3 يوليو 2013 ونفاذ خارطة الطريق نحو المستقبل. أما عن الجدل الواسع الذي صاحب صدور هذا القانون ، فيرجع إلى أن ثورتي 25 يناير و 30 يونيو هما بالأساس عبارة عن تظاهرات كبرى ، استطاعتا بعد الصمود لعدة أيام أن تطيحا بنظامين متعاقبين ، جثما على أنفاس الوطن ، فكان من الصعب أن تُسلب الطلائع والقوى الدافعة للثورة ، الحق في حرية الحركة عن طريق التظاهر للرقابة على التحول الديمقراطي ، واستخدام التظاهر كأداة وحيدة - في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية - لإيصال الرأي أو حتى الاحتجاج على قرار للإدارة الانتقالية ، لتصحيح السبيل في أوقات تستشعر فيها بالجنوح عن المسار الديمقراطي السليم .وعلى ذلك .. انصبت وجه نظر القوى الثورية ، بأنه لا يمكن اتخاذ تظاهرات جماعة الخزي والخيانة ذريعة لاستصدار قانون ينظم أو بالأحرى يكبل التظاهر – من وجهة نظرهم - في هذه المرحلة ، وأن تظاهرات الإخوان غير السلمية ، يمكن التعامل معها وفق قانون الطوارئ ، الكفيل بمجابهة هذه التظاهرات العنيفة ، إلا أن قانون الطوارئ كان من المقرر انتهاء العمل به ، في منتصف نوفمبر من عام 2013 ، وبالتالي لم يكن ممكناً استمراره أكثر من ذلك إلا باستفتاء شعبي ، يحتاج إلى وقت وجهد مادي ، لم يكن ممكن أن يتحمله الوطن في هذا التوقيت .فقد يكون هذا القانون أحد العوامل الرئيسية الدافعة في وصول الوطن لبر الأمان في فترة كانت شديدة السيولة ، وساهم بشكل أو بأخر في تثبيت دعائم الدولة المصرية ، بالقدرة على تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المنشئة للمؤسسات الديمقراطية الحاكمة ، وهو ما كان يراهن آخرين على عدم بلوغه ، إلا أننا لا يمكن أن نغفل أن هذا القانون قد حمل من أوجه السلب والانتقادات كما حمل من قدر الإيجاب ، ما كان له انعكاسات متباينة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، في فترة ما بعد صدوره في نهايات عام 2013 وحتى الآن ، فخروج القانون قد أعطى لجماعة الإخوان فرصة ذهبية للاصطياد في الماء العكر ، ومساعدة أعضائها على ترويج خطابهم – في الدخل والخارج - بأن القمع القديم للدولة البوليسية قد عاد من جديد ، وأن سقوط محمد مرسى كان الغرض منه هو عودة كل الممارسات القديمة فيما قبل ثورة 25 يناير ، ناهيك عن شق الصف الوطني للقوى الثورية والاجتماعية اختلافا حول القانون ، ووقوع عدد كبير من الشباب المسيس تحت طائلته . وتضمنت المذكرة الايضاحيه فلسفة التعديلات المقترحة :و ترتكز التعديلات المقترحة على المادة (73) من الدستور التي تنص على أنه " للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه " .فبناءً على ما أقره المشرع الدستوري بأن الاحتجاج السلمي حق ، وجب لزاماً تعديل القانون ليتواكب مع الدستور بإزالة أي تعارض أو عوار أو حتى شبهة عدم دستورية ، بالإضافة لذلك ما تقتضيه الضروريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الملحة في هذه المرحلة ، وما انصرفت له القيادة السياسية من إرادة تجسدت في إصدار عدة قرارات عفو رئاسي ، عن مئات المحكوم عليهم وفق نصوص هذا القانون ، كان آخرها الإفراج عن 700 سجين بموجب العفو الرئاسي الصادر بمناسبة عيد الأضحى المبارك .فأعتى الديمقراطيات في العالم لديها تشريعات تنظيم حقوق التجمع والتظاهر ، إما بقوانين منظمة لها بشكل مباشر أو من خلال قوانين العقوبات ، فهذه الدول قد قطعت شوطاً طويلاً في إرساء مفاهيم الحقوق والحريات العامة ، مع عدم الإخلال بالواجبات واحترام النظام العام والقانون ، فهي دول مستقرة بالفعل ديمقراطياً ، أما نحن فمازلنا نمر بمرحلة تحول ديمقراطي ، لم يضع فيها الاستقرار السياسي أوزاره بعد على مصرنا الحبيبة ، حيث يمثل التظاهر آلية مهمة للقوى الشعبية في التعبير عن الرأي ، في ظل ضعف الأحزاب التي يغيب دورها المجتمعي في التعبير عن التوجهات والتيارات والطبقات المتباينة داخل المجتمع ، ولكن يبقى مع حق التعبير حق الحفاظ على استقرار أمنى حتمي وضرورة في قدرتنا على النمو والنهوض الاقتصادي .ففلسفة التعديلات المقدمة على القانون ، تستهدف مساحة وسط تجمع بين حق التعبير وحق الاستقرار وحق المعيشة ، فالحرية حياة لكن الأمن وجود ، الحرية هي صانعة الديمقراطية والأمن هو صمام حمايتها ، لذا راعت التعديلات التوازن بين أبعاد ومفاهيم ثلاث جديرة بالذكر :· حرية الرأي والتعبير : المتمثلة في التظاهر كأحد الوسائل التي أقرها الدستور للاحتجاج السلمي .· الحفاظ على الأمن القومي : المتمثل في إضفاء حالة من الاستقرار الأمني النسبي في الشارع ، وإحباط سعى قوى الشر نحو جر الوطن لفوضى عارمة ، إما انتقاما أو لتصفية حسابات سياسية .· النهوض الاقتصادي : المتمثل والمتأثر دوماً بالعلاقة بين الحرية والأمن ، والقائم على الخدمات حيث يتراجع ويتعثر في حالة غياب الاستقرار الأمني . وكذلك ماهية التعديلات المقترحة وأهدافها :من خلال فلسفة التعديلات سابقة السرد ، انصبت مقترحات التعديل والإضافة على أربعة نقاط رئيسية ، هي الأبرز خلافياً والأكثر احتياجاً للمعالجة التشريعية ، ومستهدفاتها على النحو التالي : الإخطار والتصريح بين التنظيم والمنع :تناول التعديل المقترح في المادة العاشرة ، اقتصار ما يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص – في حالة حصول جهات الأمن على معلومات أو دلائل على وجود ما يهدد الأمن والسلم - أن يصدر قرارا مسببا بإرجاء أو نقل أو تغير مسار الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة وليس المنع ، وذلك استنادا لما نص عليه الدستور ، وما تناوله الفقهاء الدستوريين بالاجتهاد والتفسير في النص ، فالمشرع الدستوري قد حدد الإخطار كشرط للحق في التظاهر ، والإخطار في الفهم والتفسير العام لا يعطى إمكانية للجهة المخطرة في منع الحق وإنما تنظيمه ، بعكس الحصول على تصريح أو ترخيص كشرط للتظاهر في عدد من دساتير وقوانين بعض الدول ، وهو ما يتيح إمكانية المنع من جانب الجهة التي يتم الحصول على التصريح أو الترخيص من خلالها .كما تناول التعديل المقترح في المادة العاشرة ، مد الميعاد الإلزامي بإبلاغ مقدمي الإخطار بالقرار المسبب لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص - بإرجاء أو نقل أو تغير مسار الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة – من أربعة وعشرين ساعة إلى يومين عمل على الأقل ، وذلك لإتاحة الفرصة لمقدمي الإخطار وفق نص المادة للتظلم أمام قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة ، وذلك قبل الميعاد المحدد للاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بوقت كافي . وسائل فض وتفريق المشاركين في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة :تناول التعديل المقترح في المادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة ، التدرج المستخدم في حالة فض وتفريق المشاركين في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة ، حيث تم استبدال استخدام الهراوات باستخدام الطلقات التحذيرية وإضافة استخدام قنابل الصوت أو الدخان في المرحلة الأولى التي نصت عليها المادة الثانية عشرة ، والتي تتمثل في حالة عدم استجابة المشاركين في الاجتماع العام أو المواكب أو التظاهرة للإنذارات بالانصراف .أما استخدام الهراوات فقد جاء في تعديل المادة الثالثة عشرة ، قبل استخدام طلقات الخرطوش المطاطي وغير المطاطي ، كأول وسيلة في المرحلة الثانية التي نصت عليها المادة الثالثة عشرة ، والتي تتمثل في حالة عدم جدوى الوسائل المبينة في المادة الثانية عشرة ، في فض وتفريق المشاركين في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو قيامهم بأعمال العنف أو التخريب أو الإتلاف للممتلكات العامة أو الخاصة ، أو التعدي على الأشخاص أو القوات .فالغرض من وراء هذا التعديلات .. هو التدرج المتوائم في استخدام وسائل الفض بالقوة ، بما يتناسب مع مراحل تصعيد المشاركين في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة ، المبينة في المادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من القانون . الحرم الآمن للمنشآت :تناول التعديل المقترح في المادة الرابعة عشرة ، تعيين مسافة محددة لا تقل عن خمسين متراً ولا تزيد عن ثلاثمائة متراً للحرم الآمن ، والذي يُحدده وفق نص المادة وزير الداخلية بقرار منه بالتنسيق مع المحافظ المختص ، للمواقع الحيوية كالمقار والمنشآت الرئاسية ، والنيابية ، والقضائية ، والحكومية ، والدبلوماسية ، والعسكرية ، والأمنية ، والرقابية ، بالإضافة للمستشفيات ، والمطارات ، والمنشات البترولية ، والمؤسسات التعليمية ، والمتاحف ، والأماكن الأثرية وغيرها من المرافق العامة .ويأتي الغرض من وراء إضافة هذا التعديل ، هو تعيين مسافة الحرم الآمن بحدود دنيا وقصوى على حسب ما ترتقي له المنشأة من أهمية ومكانة ، بما يحافظ على أمن المنشأة ، دونما الإخلال بقدرة التظاهرة على إيصال رسالتها أو دواعي احتجاجها . العقوبات :إن العقوبات المترتبة على خرق هذا القانون ، هي الأبرز خلافيا على الإطلاق ، والأكثر جدلاً بين الكيانات السياسية والحقوقية والمجتمعية ، ما بين مؤيد ومعارض ، من يهدف لتكون أكثر ردعا وأشد غلظة ، ومن يسعى لتخفيفها دونما حد الكفاف ، وما بين جمود الغلظة ووهن التخفيف ، كان لابد من فرض عقوبات لا تخلو من الحد الأدنى للردع العام ، مع الأخذ في الحسبان عدالة العقوبة وتناسبها مع جسامه المخالفات الواقعة ، دونما الميل لغلظة لا تناسب ما تقتضيه الضروريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الملحة في هذه المرحلة ، وما انصرفت له القيادة السياسية من إرادة ، تجسدت في إصدار عدة قرارات عفو رئاسي عن مئات المحكوم عليهم وفق نصوص هذا القانون .وبناء عليه .. تناولت المقترحات المقدمة بعض مواد الفصل الثالث من هذا القانون بالتعديل وبإضافة مواد جديدة ، دونما المساس بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابعة عشرة ، في حالات حيازة أو إحراز سلاحاً أو مفرقعات أو ذخائر أو مواد حارقة أو مواد نارية في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة ، لأن هذه الجرائم مخلة بسلمية التظاهرة أو الاحتجاج السلمي المباح وفق الدستور ، وبالتالي شملت التعديلات المقترحة العقوبات على حالات الخرق السلمي للأحكام العامة والإجراءات والضوابط التنظيمية ، المنصوص عليها في الفصلين الأول والثاني من هذا القانون ، فشملت المادة الثامنة عشرة تعديلان على العقوبات المقررة ، حيث تم تخفيفها إلى الحبس بدلا من السجن ، والى الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنية بدلا من مائة ألف جنية .أما عن تعديل المواد التاسعة عشرة والعشرون ، فقد ارتبطا بإضافة مادتين جديدتين بأرقام " التاسعة عشرة مكرراً " و " العشرون مكرراً " ، حيث أرست المواد الأربعة معاً ، تعدداً للعقوبات - على حالات الخرق السلمي للأحكام العامة والإجراءات والضوابط التنظيمية المنصوص عليها في الفصلين الأول والثاني من هذا القانون - اعتمدت على نظرية العود لارتكاب نفس المخالفة من ذات الشخص خلال فترة زمنية محددة ، وبذلك يحقق نوع من التوازن في أمرين ، أولهما .. يأتي في سياق ما انصرفت إليه القيادة السياسية والقوى الاجتماعية من منح فرصه للمخالفين - بالذات فئة الشباب - لإعادة النظر والإمعان في طبائع الأمور وحقائق الأوضاع ، أما الأمر الثاني .. فينصب على إثبات إصرار البعض على عدم احترام القانون ، والعودة خلال فترة زمنية قصيرة حددت بعام لمخالفة ذات الإجراءات والضوابط التنظيمية المواكبة لأحكام للدستور والنظام العام ، ومن ثم تنطبق عليهم العقوبة الأشد تحقيقاً للردع الخاص .ووفق ما سبق .. يأتي التعديل المقترح بتخفيف العقوبات الواردة في المادة التاسعة عشرة بإلغاء الحبس ، وتعديل الحد الأدنى والأقصى للغرامة ، بحيث لا تقل عن ثلاثين ألف جنية ولا تجاوز مائتي ألف جنية ، بما يسمح للقاضي بقدر وافر من المرونة في إصدار حكم يتناسب مع حجم المخالفة المرتكبة ، وفى نفس السياق أتت المادة العشرون بتعديل مقترح قياسا على المادة السابقة بإلغاء الحبس ، وتخفيض الحد الأدنى للغرامة إلى عشرين ألف جنية ، فإذا ما ارتكبت ذات المخالفات المعاقب عليها بالغرامة من نفس الشخص خلال مدة لا تجاوز العام من انقضاء عقوبته ، تطبق الأحكام المقترحة الواردة في المادة التاسعة عشرة مكرراً بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين ، والمنصوص عليها في المادة العشرون مكرراً بالحبس مدة لا تزيد عن سنة .