تبدو قوية، ترتدي عباءة وطرحة سوداء، طويلة القامة، يوجد بملامحها الإصرار والصبر على الشدائد، مبتسمة رغم ما تمر به من صعاب مع ابنتها "منة"، المصابة بشلل في الضفيرة العصبية وكسر في فقرتين بالظهر منذ جمعة الغضب 2011. غرفة تجمع الابنة ووالدتها داخل مستشفى قصر العيني الفرنساوي، دولاب صغير في مواجهة سرير المصابة كُتب عليه كل ما يوحي بالروح الثورية والنضال والحرية، سريران متجاوران أحدهما لا تفارقه الفتاة والآخر يشهد قلق الأم وسهرها مع ابنتها طوال 7 أشهر عجاف لم يفارقا خلالها المستشفى يوما واحدا، فمضاعفات الإصابة يمكن أن تؤدي إلى ضمور في اليد اليسرى. "أعظم وأحسن أم في الدنيا" هكذا وصفت منة والدتها، أمال عبد العال، لأنها صبرت عليها طوال فترة الإصابة والمرض "أنا بشوف مصابين كتير للأسف أمهاتهم مش جنبهم.. أنا بحمد ربنا على أمي". كانت معها أثناء إصابتها "الشرابية كلها خرجت اليوم ده، وكان لازم ننزل طالما مطالبنا مشروعة"، يقطنون بأحد أحياء غمرة، خرجوا في مسيرة يوم جمعة الغضب، متجهين للتحرير لكن تدافع المارة خوفا من بطش الشرطة، أسقط منة على وجهها، ولم ينته المشهد عند هذا الحد بل دهست بقدم لا تعلم من أين أتت.. أدت إلى كسر بفقرتين في الظهر، والشد والجذب أدى إلى شلل بالضفيرة العصبية وخزل بالطرف الأيسر الأعلى. تتنقل الأم من مكان لآخر بحثا عن مخرج وعلاج لابنتها، ذهبت مرارا وتكرارا إلى وزارة الصحة، ولجأت لحكومة الدكتور عصام شرف، ذهبت لساقية الصاوي عندما علمت بوجود المستشار محمد فؤاد جاد الله، لم تأخذ من كل ذلك، سوى 5000 جنيه مستحقاتها كمصابة في الثورة، لم تعالج على نفقة الدولة، ولم تسافر للخارج رغم أن نسبة العجز من الإصابة تخطت ال50%. أجرت عملية كي تستطيع تحريك يدها اليسرى قليلا، بعد أن قطعت أعصاب تلك اليد، أدت إلى تليف في الظهر لازمت على إثره الفتاة العشرينية الكرسي المتحرك بصفة مستمرة. علامة X كبيرة تكسو كتفها الأيسر يؤلمها بشدة تلك التشوهات التي تملأ جسد ابنتها، "هو أنا بنتي متستاهلش تتعالج برا؟ حتى لو العلاج ده عشان متبقاش مشوههة؟.. برا كانت هتخف بأربع غرز ومكنش ضهرها هيتأثر". ينفطر قلبها على حال ابنتها، فهي البكرية و"أول فرحتها" كانت رفيقتها في المنزل رغم وجود أختين وأخ لها، كانت تقوم بالكثير من مهام المنزل "مكانتش بتدخلني المطبخ، كانت شايلة البيت"، رغم ذلك لم تندم يوما على السماح لها بالنزول طالما تطالب بحقوق مشروعة "وأندم ليه؟ أنا بقول الحمد لله على حالتها لما بشوف المصابين اللي في غيبوبة ومش قادرين يتحركوا ولو رجع بيا الزمن تاني هعمل نفس اللي عملته". كانت هي ولازالت الأم المناضلة التي لا تخشى في الحق لومة لائم، سمحت لابنتها بالنزول مرة أخرى أثناء أحداث محمد محمود، تلقت فيها خرطوشا ولم تزيدها تلك الاحتجاجات والمسيرات إلا ألما ومعاناة، "أنا وهي كنا بنشيل المصابين اللي بييجوا هنا المستشفى، أثناء أحداث محمد محمود"، يتمثل فيها حب الخير والمساعدة والإثار، لم تعبأ بإصابة ابنتها، بل جعلتها ترفع معها المصابين والجرحى للعلاج". تقبل منة يد والدتها وترد الأخيرة القبلة بكل حب واحتواء، تطهو لها الطعام يوميا، تدخل معها دورة المياه، تنتظر شفاء ابنتها بفارغ الصبر، لتعود إلى منزلها وتنوره من جديد "أنا بحب منة جدا، عيد الأم اللي جاي هتكون بتتحرك، ربنا يشفيهالي أنا مش عايزة غير الدعوات".