كان بائع الطماطم الشاب، سعيد محمد عطية، يظن أن التعليم هو ملاذه الوحيد من مستقبل غامض لم يود أن يخابره، لكن أتته الرياح بما لم تشته سفنه، الرجل الذى بلغ الستين منذ أيام قليلة قدّم السبت طوال سنوات عمره، لكن أبى الأحد أن يأتيه ولو ليوم. يتخذ الرجل فى أحد أسواق شبين الكوم مكاناً له، يتكوم فوق عربته التى تقف بدون حمار، وإلى جواره كمية متواضعة من الطماطم، فى انتظار من يشتريها، حالة من الاكتئاب والحزن تبدو واضحة على وجهه، يقول: «من قلة النفس والظروف التعبانة، الواحد بقى شكله كده، الجو تعبان، معدش طعم لحاجة، والناس زهقانة ومش مستريحة، نفسيتنا كلنا مش تمام، لكن محدش بإيده حاجة يعملها، الناس آخر ما بتزهق بتقول أمرى لله، زمان كان الوضع حلو، الناس كانت طيبة وفى روح طيبة من عند ربنا، دلوقتى الناس كئيبة، من اللى هم فيه، مفيش دخل وكل حاجة مولعة، مين يقول الخُضرة تبقى باتنين جنيه، اللى معاه فلوس لفراخ يلاقيها بهرمونات، الخضار مش طبيعى من المية الغريبة اللى بيتسقى بيها». يعود الرجل بذاكرته قبل سنوات طويلة، حين كان أبناؤه أطفالاً، ويتذكر: «ما قولتش دى بنت وده ولد، علمتهم كلهم، وقلت عشان لما أكبر ألاقى اللى يسندنى، ما بخلتش والله، بنتى معاها ليسانس حقوق، وحضرت بعد كده دبلومة، وبنتى التانى اتخرجت من كلية التجارة، وابنى اتخرج من كلية الزراعة، تعبت طول عمرى على العربية دى، عشان خاطر يتعلموا ويبقوا حاجة مهمة، لكن فى الآخر لاقيت البنات اتجوزت اللى معاها أربعة، واللى معاها اتنين، وقعدوا فى البيت، أما الولد فمش لاقى شغل، قاعد راخر فى البيت». ترد سيدة تشترى من الرجل طماطم، وتقول له: أهى البنت بتتجوز وبتبقى على كتف جوزها، لكن الواد يعمل إيه؟ ابنى 25 سنة، ولسة مفيش شغل، الناس تعبانة، الشاب لما يقعد مخه يفكر تفكير مش كويس، ممكن البلد تبقى ظروفها أسوأ بسبب اللى بيدور فى دماغ ولادنا بسبب قلة الشغل. يرد الرجل: «بنت ولا ولد، كلهم اتعلموا بمشقة، وأنا مكنتش بعلم البنات عشان يقعدوا فى البيت، إجوازهم على قد حالهم، راخرين، الحياة تعاون، أدينى بكبر، وهم لا نفعوا نفسهم ولا نفعونى، أنا نفسيتى تعبانة، مفيش معاش اتسند عليه، لو لا قدر الله فى يوم حصلى حاجة وقعدت فى البيت أصرف منين، ولو مت مراتى تعيش إزاى؟». ويتابع الرجل الحزين قائلاً: «طول عمرى ببيع طماطم، ما ورثتش حاجة عن أبويا، ولا أمى، عمرى ما بخلت على ولادى، دروس وكتب وبهدلة، أقل كتاب 150 جنيهاً، وظروف ما يعلم بيها إلا ربنا، إيه فايدة إننا علمنا، كنت فاكر البنات هاتشتغل، لا عمر واحدة فيهم جابت ملحق، ولا عمرهم اتأخروا فى دراسة، يمكن الحسنة الوحيدة إنى بافتخر إن معايا عيال كويسة، بس ده مش بيخلينى أقدر أنسى إن كام كيلو الطماطم باجيبهم شُكك، يا لموا حقهم يا ملموش، بسمع الناس الجداد اللى مسكوا الحكم بيقوا هايطبقوا شرع الله، لما سمعت كدا افتكرت زمان لما كانت الناس بتاخد حقوقها، أيام أولياء الله الصالحين، وبيت المال، محدش كان بيجوع ولا بيتعرى، دلوقتى الناس من يأسها بتاكل بعضها، أمنية حياتى أشتغل فى أى حاجة تخلينى أبقى عارف إنى لما اموت الست بتاعتى هاتلاقى معاش ومش هاتتذل لحد».