لن نبالغ إذا وصفنا المهندس رشيد محمد رشيد - وزير التجارة والصناعة - بأنه من أكثر وزراء حكومة نظيف ذكاء ودهاء.. بل وأكثرهم علي انتزاع النجاح ربما لأنه رجل لم يعرف الفشل في حياته .. أو لأنه إسكندراني .. يعرف جيدا ما يريد والأهم أنه يعرف كيف يصل إليه. وقد ذهبنا إلي رشيد .. الوزير الإسكندراني وجنبناه ويلات الحديث في أمور السياسة، وحدثناه فقط عن الإسكندرية.. مسقط رأسه والمدينة التي شهدت أجمل أيام شبابه ونجاحاته قبل أن يجلس علي كرسي الوزارة وينشغل بتفاصيل التجارة والصناعة عن إسكندرية وناسها وشوارعها كان هذا الحوار. كيف اختلفت نظرتك للإسكندرية قبل الوزارة عن بعدها؟ - كل اللي أقدر أقوله إن إسكندرية وحشتني.. ما بقضيش فيها وقت كفاية، لكن بابقي حريص لما باجي إني آخد من إسكندرية جرعات تساعدني علي مواصلة حياتي بعيدا عنها، بنزل أتمشي في شوارعها، علي الكورنيش، وبجوار بيتي في منطقة الشلالات، وفي بحري، والأنفوشي، بتمشي في نفس الأماكن اللي كنت بحب أتمشي فيها وأنا صغير. فاكر إيه من إسكندرية؟ - فاكر كل حاجة.. فاكر مدرستي وكليتي والنادي والجامعة وأصحابي والشوارع.. أنا ما سبتش إسكندرية، أنا لسه عايش فيها، وفاكر شكلها في الستينيات والسبعينيات، فاكرها لما كانت شوارعها فاضية وبنستني الصيف عشان يكون فيها حركة، وفاكرها دلوقتي لما بقت مدينة كبيرة وزحمة طول السنة. كلمني عن بيت العيلة؟ - البيت اللي اتولدت فيه في إسكندرية هو نفسه البيت اللي عشت فيه واللي اتجوزت فيه واللي مازلت مقيم فيه لحد دلوقتي.. هي العمارة نفسها بجوار منطقة الشلالات، والدتي لسه ساكنه فيها، وإخواتي ساكنين فيها، هو بيت كل الأسرة، وأنا ما غيرتش سكني في إسكندرية من يوم ما اتولدت لحد دلوقتي. قلت من قبل «لولا والدي ماكنتش بقيت أي حاجة خالص».. كيف أثر فيك والدك رجل الأعمال السكندري الشهير محمد رشيد؟ - والدي كان صديقي، وكانت علاقتي به وثيقة جدا وقريبة جدا، وكنا بصفة مستمرة مع بعض، ولما خلصت دراستي «هندسة الإسكندرية قسم ميكانيكا عام 1978» اشتغلت معاه، واتعلمت منه كل حاجة، اتعلمت منه الحياة والشغل واحترام العمل وتشجيع الشباب، واتعلمت منه حب إسكندرية وحب البلد. هل تدير شقيقتك حُسنة رشيد أعمالك بعد الوزارة؟ - حُسنة تدير أعمال العيلة كلها، مش بس أعمالي. من زوجتك؟ وكيف عرفتها؟ - زوجتي إسكندرانية، بنت اللواء محمود فهمي إللي كان من أبرز الشخصيات إللي أثرت في إسكندرية وفيا أنا بشكل شخصي، عرفتها وإحنا صغيرين، واتجوزنا في سن صغيرة، وعندنا 3 بنات. ما علاقتك ببناتك؟ - بناتي اتجوزوا دلوقتي، لكن طول عمري أب صديق، ووثيق الصلة بهن، وعلاقتي بهن علاقة حب شديدة. ما كانش نفسك يكون عندك ولد يشيل اسمك وتجارتك؟ - لا خالص، بناتي هما كل حياتي، ربنا يبارك فيهن، خلوا حياتي جميلة، وخلوني جد ل 3 أحفاد. كيف تغيرت حياتك قبل الوزارة وبعدها؟ - اتغيرت حياتي بعد الوزارة بشكل كامل، كنت راجل مركز في شغلي، وأعمالي موجودة في إسكندرية وخارج مصر، وكان عندي شغل في لندن وبسافر كل أسبوع من لندن إلي إسكندرية مباشرة، ما كنتش بروح القاهرة إلا عشان أخلص مشاوير وأرجع إسكندرية آخر النهار، وحياتي العامة كانت محدودة جداً، ما كانش ليا نشاط عام، حياتي كلها كانت أسرتي وشغلي والتزاماتي، دي كانت حياتي، وبعد الوزارة بقيت حياة عامة، وأصبح كل وقتي مكرس للعمل العام، وبقي فيه صعوبة ألاقي وقت أقضيه في إسكندرية، وطبعا شغل السياسة مختلف عن العمل الخاص، الخدمة العامة ليها قواعدها ومتاعبها. هل أتت عليك لحظة ندمت فيها علي دخولك الوزارة؟ - لا خالص، لأنها فرصة جاءتني إني أخدم بلدي وأفيد المجتمع، وأتمني أن أؤدي مهمتي علي خير وأرجع تاني لإسكندرية ولأهلي ولبيتي، وأتمني إني لما أخلص المهمة الناس تشوف إني عملت حاجة كويسة. إمتي حسيت إنك تعبت وعايز تسيب كل ده وترجع لوظيفتك الأولي كرجل أعمال؟ - شيء طبيعي إن الإنسان تحت ضغوط العمل المستمر يحس بالإجهاد والتعب، ده طبيعي ولو الواحد ما حسش بكده ما يبقاش بني آدم، لكن في الوقت نفسه أنا عندي مهمة لازم تخلص. لم تجبني.. متي فكرت في الاستقالة؟ - «بتهرب واضح ومتعمد» طبيعي إن الواحد تحت ضغوط كبيرة يحس إنه عايز يرتاح.. أنا مثلا ما كانش عندي فرصة إني أمرض وأقعد في السرير وكنت بضطر أنزل وأنا تعبان وحرارتي مرتفعة ومريض لأنه عندي التزامات لازم أقوم بها. كيف تتعامل مع الحروب التي قد يشنها عليك بعض المتضررين من سياستك؟ - عندما يتخذ الوزير قرارات فمن الطبيعي جدا أنه تكون فيه ناس مش راضية عن القرارات دي لأن القرارات دي ناس بستفيد منها، وناس بتنضر، وأكيد الناس اللي بتنضر بتكون مش راضية، ومن غير الطبيعي إن الواحد يقود منظومة تغيير في وزارة زي الصناعة والتجارة ويتوقع أن الناس كلها تكون راضية عنه، وأنا شايف إنه السعي من الواحد إن الناس كلها ترضي عنه سعي في غير محله، لأني كوزير مسئول عن المستهلك والمصنع والتاجر والمصدِّر والمستورد، وكل واحد منهم له مصالحه المتضاربة مع الطرف الآخر، فلما باخد قرار يحمي المستهلك قد يشعر المنتج إني باجي عليه، ولما باخد قرار يحمي المستورد قد يشعر المصدِّر إني باجي عليه وهكذا، ولو الواحد حاول يرضي كل الناس مش هيشتغل. كان طموحك إيه وأنت في بداية حياتك؟ وهل تخيلت أنك سوف تصبح وزيراً في يوم من الأيام؟ - لا خالص، ولا خطرت في بالي طول حياتي إني ممكن أبقي وزير، لأنه ما كانش عندي أي منصب عام يؤهلني للوزارة، كنت بشتغل مهندس وببني مصانع، وقبل الوزارة بنيت أكثر من 22 مصنعاً، دي كانت بالنسبة لي سعادة كبيرة إن الواحد يبني حاجة أو يطلع منتج وينزل السوق ويلاقي الناس بتشتريه، حتي فوجئت باختياري للوزارة. كيف تم اختيارك للوزارة؟ - كنت وقتها بشتغل في إنجلترا، حتي فوجئت أثناء وجودي في فرنسا باتصال من رئيس الوزراء قاللي إن الريس طلب منه يشكل الوزارة وعايزني معاه في الوزارة، ترددت لمدة يومين وقبلت بالمنصب بعدها. في رأيك، لماذا تم اختيارك وزيراً للتجارة والصناعة؟ - أكيد الاختيارات تتم وفق سياسات معينة، كان الحزب والحكومة وقتها ماشيين في اتجاه نحو الإصلاح الاقتصادي والانفتاح علي العالم وتوسيع التجارة الخارجية وتطوير الصناعة، فكان البحث عن أشخاص تقدر تقوم بالمهمة دي، وكان فيه ترشيحات لعدد معين من الناس، وبالمقارنة فيما بينهم تم الاختيار، مع العلم إنه اختيار أي وزير بيكون نابع من نجاحه في تخصصه قبل الوزارة، ويجب كمان إنه يتمشي مع أهداف المرحلة الجاية. هل يفضل أن يكون الوزير رجل أعمال عشان يكون شبعان؟ - لا مش شرط، أولا خلفية الوزير جزء من شخصيته لكن لا يجب إن خلفيته تكون معاه أو ضده، اللي بيقيم أي وزير مش هو جاي منين لكن هو عمل إيه.. وهل هو قادر أن يؤدي عمل كويس ويؤدي متطلبات وظيفته ولا لأ.. أنا ضد الحكم علي الوزراء بخلفياتهم لأن ده يحسب ضد الوزير.. لكن مقياس الوزير هو عمله. كيف اختلفت علاقتك برجال الأعمال بعد الوزارة؟ - طبعا العلاقة اختلفت، لأني بعد الوزارة أصبحت الشخص اللي عنده السلطة والقدرة إنه يغير مقدرات أمورهم وبالتالي العلاقة بتختلف، لكن فيه فرق إن العلاقة تختلف وإن المعاملة تختلف، وأنا معاملتي مع رجال الأعمال لم تختلف لأني إنسان بسيط. ماذا عن أعدائك ومنافسيك في السوق؟ - بعد الوزارة أصبح كل من ينتج علي أرض مصر أنا بشتغل لحسابه، أصبحت أخدم المنتجين والمستهلكين وأعمل لحسابهم، وأي رجل صناعة أو تاجر لازم أساعده وأوفر له المناخ الجيد، عشان كده أنا لا أضع حواجز بيني وبين من أعمل لحسابهم، وأفتح قنوات حوار بيني وبينهم. إلي أين يصل طموحك؟ - إلي الإسكندرية.. فأقصي طموحي في الوقت الحالي هو أن أؤدي مهمتي علي خير وأعود إلي الإسكندرية.