وقبل انتخابات الرئاسة، وضع الحريفة دماء الشهداء فى زجاجات، ووقفوا على نواصى البلاد ومنابرها يتاجرون ويبكون على دم لم يكن لهم ولا منهم ولا لأجلهم عادة، يدفع الطيبون الثمن، وعادة لا مكان للطيبين فى المساحات القذرة، ففى صباح 25 يناير، خرج الحالمون الطيبون، وقاتلوا واستبسلوا على قدر وجيعتهم وعلى قدر أحلامهم، وعندما شاء الله أن تنتصر فئة قليلة على فئة كبيرة، خرج نهازو الفرص من مقاعد الفرجة لينزلوا إلى الميدان الفسيح، بجيشهم وعتادهم ليقطفوا ثمرة لم يزرعوها، ولم يرطبوا أرضها بقطرة دماء ولا حتى قطرة عرق. منذ ذلك اليوم، كان الطيبون ينزفون الدم والهتاف والأرواح، فيما الحاصدون الشاطرون بمناجلهم، يفوزون بكل ثمرة وكل سنبلة تنبتها أرض الثورة، ولا يجنى الطيبون سوى الأصوات المبحوحة، وذكريات عن أصدقاء ماتوا أو سحلوا، أو غابوا واختفوا فى ظروف غامضة. زرع الطيبون الثورة، وحينما حان أول اختبار لقطاف الثمار، لعب نهازو الفرص لعبتهم، فى 18 مارس وانتصروا على الطيبين الذين لم يكن فى معادلتهم يوما أن الشارع له رجال يجيدون فك شفراته والعزف على أوتار روحه وبطنه، وفى معركة ثانية شهيرة سميت «المبادئ فوق الدستورية» أراد رجل أن يخطف الصفقة من فم «الحريفة» ويسلمها إلى الطيبين، لكن الحريفة نجحوا ببراعة فى استغلال الميدان الطيب برجاله الطيبين لمصلحتهم لتذهب «المبادئ» وصاحبها إلى بحر النسيان. وقبل انتخابات مجلس الشعب، كان الحريفة يريدون أن يكونوا وحدهم فى الملعب، هم الفريق الأول والفريق الثانى والجمهور إذا أمكن، فاستغلوا طيبة الميدان تحت شعار «غلق الباب أمام الفلول» فكان لهم ما أرادوا، وانتهى الأمر إلى التكويش على البرلمان بقوائمه ومقاعده الفردية. وقبل انتخابات الرئاسة، وضع الحريفة دماء الشهداء فى زجاجات، ووقفوا على نواصى البلاد ومنابرها يتاجرون ويبكون على دم لم يكن لهم ولا منهم ولا لأجلهم، وكالعادة استغلوا رومانسية سكان الميدان لاستصدار ما يسمى قانون العزل، مستندين إلى أغلبية كاسحة فى برلمان يأتمر بأمرهم و«ينخ» هلعاً من جلجلة أصواتهم تحت القبة. وعلى الرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات أحالت قانون العزل إلى المحكمة الدستورية، وعلى الرغم من أن الحريفة ارتضوا أن يبدأوا المباراة فى مواجهة من تتهمهم بالقتل، جاء الصندوق بالمواجهة بينهم وخصمهم القديم الذى لم يمت، فقرروا أن يعيدوا إحياء الميدان الطيب ليثور ضد «الفلول». كان السكان الأصليون لميدان التحرير منذ السبت، يريدون إحياء الثورة من جديد، بعد أن رأوا بأعينهم وليدها المشوه المريض المخيف، غير أن الحريفة حولوا وجهة الميدان ورايته إلى معركتهم الخاصة، وجعلوه أداة للوصول إلى حلم السلطة الذى تأخر طويلاً. إنها الساحة القذرة، الغاية فيها تبرر الوسيلة، والدماء فيها وقود لجحيم الساسة ومشروعاتهم السرية، ولغاتهم التى تتبدل بين شاشة التليفزيون، والمؤتمرات فى المناطق الشعبية، إنها الساحة القذرة التى يصر سكان ميدان التحرير على عدم رؤية أوحالها، ويندفعون بحماس ليقدموا أرواحهم فداء للوطن، فإذا بشهدائهم يتحولون إلى جثامين، يصفّها الطامعون فوق بعضها، ليقف فوقها الخليفة الحاكم، وحين يرتقى، لن يدفع ثمن سلطانه سوى الحالمين الأحرار ساكنى الميادين.