اليوم 25 يناير.. اليوم بدأت الثورة.. كان الثلاثاء من العام الماضى عندما نزل شباب مخلصون لتراب هذا البلد مطالبين بالتغيير حالمين به لم يكن فى بال أحدهم أن يتحول الأمر الى ثورة فى وجه "تاريخ" وجد كل منا نفسه فيه إما عاجزاً أو وحيداً أو "ماشى جنب الحيط" لكن الوقفة التى بدلت النفوس إلى قوة هادرة تحولت إلى انتفاضة.. و مع أول قطرة دم سالت من جبين شاب كانت الثورة .. وتأججت معالمها مع دماء كل شاب أحتضنته أمه فى أحشائها وكبر فى حضرة أبيه وشاكس أشقائه حتى هذا اليوم الذى نزل فيه الى الشارع ثم الميدان فأصابته الطلقات فوقع ساقطًاً فوق تراب وطنه وارتوى بدمائه الطاهرة فأصبح شهيدا ً فدءا ًله .. ترك الأم والأب والأشقاء والأصدقاء يبكون بالدمع والدم وحرقة القلب والروح فكان طبيعيا أن يخرجوا هم مستكملين راية الابن الذى لم يخذلهم وأصبح بين يدى ربه منصفه ومنصفنا . اليوم 25 قد عاد وهاهو الشهيد يطل علينا .. ينظر الى قسمات وملامح الوطن بعد عام .. يتأمل الميدان الذى حماه واحتمى فيه ينظر الى وجوه العام الماضى ربما يجد فيه بعضاً من رفقائه أصحاب الوجوه البريئة التى نزلت وقت أن كان لايعرف الكثير منها .. وقتها وجد وجوهاً ربما أكثر براءة منه فأدرك أن مصر قد عادت إليه حتى لو كانت على حساب دمه وروحه. الشهيد عاد لينظر الى الميدان بعد مرور عام فيجد الوجوه قد تغيرت حتى تلك التى كان يعرفها قد تبدلت ملامح الكثير منها .. ربما ضاعت براءتها الأولى أو ذابت مع تلك الوجوه الغريبة التى ملأت الميدان تحمل حجارة وناراً وربما سلاحاً .. يطل الشهيد الآن علينا فيجد هؤلاء الذين يحاولون المتاجرة بدمه لأغراض فى نفوسهم وطموحهم حتى لوكان على حساب بلدهم بعد أن ذهب هو فداءاً لها ولهم . هو يراهم الآن وهم يؤججون النار بإسمه وهو من كل هذا براء.. يحاولون هدم كل شئ حتى جيشهم تحت دعاوى بناء الدولة الجديدة التى يتمنونها.. أما الذين يحاولون أن يهدموا هذا البلد من خارجها فهم كثر.. هاهم يحاولون خنقها بالاقتصاد ويمنعون مساعدتها ويفرضون شروطهم ويتدخلون فيما لايعنينهم والحقيقة أنه أصبح يعنيهم بعد ان كرسوا إنقساما بين أبناء الشعب الواحد بين مؤيد ومعارض .. بين ثورى وفلول.. بين وطنى وخائن.. بين حر وممول .. والغريب أن هناك من كنا نعتبره " شقيقاً " وشريكنا فى اللغة والدين والنسب يلعب دورا خسيساً فى هذا الأمر .. وسط كل هذايتطلع شهيدنا ليرى البسطاء وأغلبية هذا الشعب الذى راح فدءاً لهم قبل غيرهم .. وهم لم يخذلوه فهم لازالوا على عهدهم وقت الشدائد يلقون كلمتهم ثم يعودون مرة أخرى الى حضن بيوتهم وخدمة وطنهم فى مكانهم ساعين الى رزقهم رغم صعوبة عيشهم .. هاهم قد خرجوا أحراراً مهرولين الى لجان يدلون فيها بأصواتهم يختارون مايشاؤون دون خوف من سلطان ولاتزوير ولاتسويد.. صافعين وجوه الذين راهنوا على إفشال صوت الشعب حتى يبقون هم على صوتهم العالى وكأنه هو الدستور الجديد الذى يسعون الى بقائه لتصبح أخلاقيات الشارع الجديدة هى السائدة .. لكن مرة أخرى يثبت المصرى وقت الشدائد أنه قادر على النهوض من كبوته قبل أن يعود فى أحوال أخرى الى سلبيته تاركاً الساحة لنفس منهج الصوت العالى .. ! .. لكن الحقيقة الدامغة الآن أنه أصبح لدينا ومنذ أمس الأول برلماناً حراً اختارته الناس بإيديها وأصواتها ومعه تتحمل نتيجة اختيارها . اليوم ينظر الشهيد الى المجلس فلا يجد تلك الوجوه الكالحة التى كانت تقبع فى برلماننا عشرات السنين فأصابته بالعفن والوهن ليتحول من ضمير الأمة الى قامع لها.. هو يرى وجوهاً جديدة ربما يتفق أو يختلف معها لكنها جاءت بإختيار شعبه وبإرادته ويعلم أعضائه أنهم سيلقون نفس مصير سابقيهم لو عادوا الى ماكان عليه .. فالشعب لن يعود الى ثكناته طوال الوقت الآن وبعد عام من حق شهيدنا الذى يطل علينا أن يفخربنفسه وهو يرى كل هؤلاء الذين قبعوا فوق صدره وقبله فوق أنفاس أبيه وأمه بفسادهم وظلمهم وهم هناك داخل الأسوار الحديدية يلعنهم الشعب ويضعهم فى مكانتهم التى يستحقونها خلف الأسوار قبل أن يعبأ بحكم قضاء عليهم.. اليوم يطل الشهيد على ميدان التحرير فيجد وجوهاً قد عاشت معه دقائق من العمر لكنها كانت قرونا من الفخر والعزة بالنفس , لكنه يجد أيضاً هؤلاء الذين يريدون رؤية الدم من جديد وإهداره دون سند من ثورية ولاطلباً من الشعب. اليوم جاء 25 يناير أيها الشهيد الذى صنعته بدمك وروحك.. البعض يحتفل به والبعض الآخر يرونه استكمالاً لثورتك.. أما " الطرف الثالث " فيريده عنفاً وخراباً وحريقاً ودماً.. أما إن حدث ذلك اليوم فهو فى رأيى سيكون إهداراً لدم كل الشهداء الأطهار مثلك لأن وقتها.. وقتها فقط ستكون كل أحلامك قد ضاعت لأن مصر هى التى ستدفع الثمن . وقتها قد تبكى حتى وأنت فى جنة ربك ..لكن ربك وربى سيحمى مصرنا مهما حاولوا النيل منها,لذا أسمح لى أن أقولها لك ..لن تبكى اليوم ياشهيد ..! المزيد من مقالات حسين الزناتى