لم يجد رجب سوى شقة مكونة من غرفتين، بالطابق الأرضى بمنطقة عشوائية، لتضمه مع أولاده وزوجته. جدران المنزل تشققت بفعل الرطوبة، وتساقطت «المحارة» فظهر أسفلها «الطوب الأحمر»، الآخذ فى التآكل بدوره، ورائحة «الكمكمة» الناتجة عن سوء التهوية وغياب الشمس تهاجم الأنوف بمجرد الولوج للصالة الممتلئة ب«الكراكيب»، التى حصل عليها الرجل ذو ال47 عاماً من «فاعلى الخير». ملابس ملقاة على «فوتيه» تستخدمه الزوجة ك«دولاب»، بعدما انكسرت إحدى أرجله، بينما صوت المياه المتسربة من الصنبور «اللى جلدته مفوتة» قد يصيبك بالعصبية. «الحنفية ب15 جنيه ومش هنقدر نغيرها دلوقتى» حسب رجب محمد، الذى اعتاد أن يردد كلمة «الحمد لله»، وهى الكلمة المسيطرة على الأحاديث بين أفراد العائلة، المكونة من 4 أفراد، فنصيبهم فى الدنيا الابتلاء، ولا أحد يلتفت للمعاناة، فالكل، حسب رجب، يعانى، الفقير قد لا يجد قوت يومه، والغنى «ممكن يكون تعبان ومش بيعرف ياكل حبة فول»، يتطلع إلى العالم الآخر باشتياق، لا ملاذ له سوى الموت، «لكن ولادى هيعملوا إيه فى الدنيا من بعدى»، صبره ينبع من صوت شيخ الجامع الذى يعمل به أمين عهدة، والذى دائماً ما يُسمعه كلمات مفادها أن «الفقير بيخش الجنة قبل الغنى ب500 سنة». 97 جنيهاً.. هو الراتب الذى يحصل عليه رجب من الحكومة، نظير عمله بمسجد العلم والإيمان. فى اليوم الأخير من كل شهر تواجهه المعضلة الرئيسية، سؤال يلح على ذهنه «هنعمل إيه؟ دبرنى يا وزير»، يقولها لزوجته التى تعمل فى «مسح السلالم»، فالراتب الذى يحصل عليه لا يمكن أن يعيش به «بنى آدم بطوله». يبدأ رجب توزيع المال، (30 جنيه عيش، 40 جنيه بطاطس وزيت، 20 جنيه فول)، ويتبقى مبلغ زهيد من مرتبه، يوزعه على أطفاله، يقول: «أدى لكل عيل مصروف 2 جنيه فى الشهر»، إيجار المنزل يتلقاه رجب من إحدى لجان الزكاة فى المنطقة، «بدفع من الإحسان إيجار شقتى، بس المشكلة إن الحيطة مشققة وممكن تقع على العيال، والحشرات عايشة معانا بسبب الرطوبة»، مصاريف المدرسة التى يتعلم بها أولاده توفرها زوجته «أم محمد» من عملها كخادمة، تقول: «أنا بمسح سلالم العمارات الكبيرة عشان أوفر مصاريف المدرسة للبنتين، وساعات أهل الخير بتجيبلهم شوية كشاكيل وأقلام». علامات الشحوب وسوء التغذية تراها فى وجوه أطفال رجب، وجه الرجل النحيل وجسده النحيف، يخبرك بنوع الطعام، ففى محاولة من العائلة لتوفير الطعام طيلة الشهر، قرروا اختصار الوجبات الثلاث إلى وجبتين فقط، «اللحمة» شىء لم يذقه أطفاله منذ زمن بعيد، فارتفاع أسعارها منعهم من توفيرها «للعيال».. يرى رجب أن اللحوم رفاهية «الفول زى اللحمة، المهم حاجة تشبع العيال». تحاول «أم محمد» أن توفر «الزفر» مرة واحدة فى الشهر لأطفالها، «بروح لبتاع الفراخ وباخد الهياكل وبسلقها وبعمل عليها ملوخية كل شهر مرة»، لكن ارتفاع أسعار «عظام الفراخ» منعها من ذلك، «الكيلو بقى ب8 جنيه، والملوخية ب6 جنيه، يعنى أكلة واحدة بتتكلف كتير، ومش هنقدر نعملها غير كل شهرين». «مفيش حد فى مصر بيبات من غير عشا».. مثل قديم يُبرهن رجب على عدم صحته، فأوقات كثيرة لا يستطيع توفير «كسرة خبز» لأولاده، وحياؤه يمنعه من الاستجداء «كفايه الزكاة اللى بناخدها، مش هقدر أستلف من حد تانى، وشى بقى أسود مع الناس اللى خدت منها فلوس ومرجعتهاش»، صحته العليلة تمنعه أيضاً من العمل فى مهنة أخرى، «أنا كنت شغال فران وباخد 40 جنيه، صحتى دلوقتى مبقتش زى الأول، صدرى تعبنى من جو الفرن السخن، ومن ساعتها مش بقدر أشتغل». ما يهم رجب فى الحياة أن يدخل بيته متأخراً بعد نوم أطفاله، فرغم عمله الذى ينتهى بعد أذان العشاء، تطأ قدماه منزله بعد منتصف الليل، يقول بأسى: «مش بقدر أستحمل صوتهم وهمه بيقولوا عايزين ناكل، وأنا مش ببقى عارف أوفر لهم حاجة»، ولا يفسر رجب الظلم الواقع عليه من المجتمع إلا ب«مشيئة ربنا»، وينحصر أمله فى الحصول على بطاقة تموينية من الحكومة «عشان ألاقى فيها رز وشاى وسكر وزيت، نفسى الحكومة تشيل من عليه شوية». أخبار متعلقة "مرسى بيه.. يا مرسى بيه.. كيلو اللحمة ب 100 جنيه" تقرير ل "الغرفة التجارية" يحذر: استمتعوا بالسيئ لأن "الأسوأ قادم".. واللحوم بين 80 و 100 جنيه قبل "رمضان" أصحاب الحظائر: المبيعات انخفضت 5%.. والثورة جاءت علينا بالخراب.. والاحتجاجات الأخيرة عقدتها مستوردو الدواجن والأسماك: انتظروا 100% ارتفاعاً فى الأسعار خلال الأيام المقبلة بسبب انهيار الجنيه مستوردون يتهمون رجال أعمال «إخوان» بالتلاعب فى السوق والأسعار «فاطمة»: نعيش بنصف كمية اللحم المعتادة.. وعمرى ما هاشترى من عربية الإخوان «رجب» عامل مسجد براتب 97 جنيهاً.. «الفول» وجبته اليومية و«الزفر» عظام الفراخ.. وحلمه «بطاقة تموين»