التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين بعد تصريح وزيرة الخزانة الأمريكية    أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتحدة (فيديو وصور)    استقالة المتحدثة الناطقة بالعربية في الخارجية الأمريكية احتجاجا على حرب غزة    فرنسا تهدد بعقوبات ضد المستوطنين المذنبين بارتكاب عنف في الضفة الغربية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    حالة الطرق اليوم، النشرة المرورية بشوارع القاهرة والجيزة في أول أيام التوقيت الصيفي    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    سعر الدولار في السوق السوداء والبنوك اليوم    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    166.7 مليار جنيه فاتورة السلع والخدمات في العام المالي الجديد    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    القومي للأجور: جميع شركات القطاع الخاص ملزمة بتطبيق الحد الأدنى    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    أحشاء طفل و5 ملايين جنيه وتجارة أعضاء بشرية.. ماذا حدث داخل إحدى الشقق السكنية بشبرا الخيمة؟    أنغام تبدع في غنائها "أكتبلك تعهد" باحتفالية عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية (فيديو)    عاجل - حزب الله يعلن استهداف قافلة تابعة للعدو قرب موقع رويسات العلم.. وهذه خسائر قوات الاحتلال    احذر هذا التصرف عند ضبط التوقيت الصيفي على هاتفك.. «هيقدم ساعتين»    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 26/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    "مواجهات مصرية".. ملوك اللعبة يسيطرون على نهائي بطولة الجونة للاسكواش رجال وسيدات    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    هل تتغير مواعيد تناول الأدوية مع تطبيق التوقيت الصيفي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقيه الدستورى د.جابر نصار يكتب: «الخلطة السرية» «طوارئ وحظر.. وعبقرية شعب..»
نشر في الوطن يوم 08 - 02 - 2013

مما لا شك فيه أن السيد الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته يحفظون عن ظهر قلب تاريخ جماعتهم منذ تأسست سنة 1928 وحتى الآن، فدروب هذا التاريخ ومسالكه وإحداثياته فى الوطن وطلاسم وشفرات تنظيمها العلنى والسرى يتلونه صباح مساء ويداومون على أوراد السمع والطاعة لأفكار ومبادئ الجماعة، سواء لمؤسسها الإمام حسن البنا أو لمنظِّرها الأكثر تشدداً الشهيد سيد قطب. وما زلت أتذكر حينما كنت فى المدرسة الثانوية ببلدتى «شرباص» محافظة دمياط كيف كانت الحلقات تُنصب وتلتف لدراسة هذا التراث؟ ابتداءً من رسائل الإمام إلى كتب الشهيد، ومن أهمها بالتأكيد كتاب «معالم فى الطريق» نفس الكلام ونفس الإطار تقريباً كان يتداول فى معسكرات الجماعة التربوية وقد ساقنى قدرى ذات يوم إلى أحد هذه المعسكرات، والتى عقدت فى بورفؤاد بالمدينة الجامعية فى 1979 على ما أتذكر، وعلى مدار الأسبوعين لم يكن يتداول فى أروقة المعسكر غير هذه الكتب وهذا التاريخ. إن هذه الصورة الذهنية لفاعليات الجماعة ولأعضائها تؤكد أن الجماعة استبدلت بتاريخ وطن وأمة تاريخ الجماعة. ولعل هذه الإشكالية هى التى تفسِّر عمق أزمة الجماعة حين قفزت من مربع المعارضة إلى مربع الحكم، ومن مربع ادعاء الاضطهاد من السلطة -حتى ولو شاركوا فيها- إلى مربع استخدام آليات السلطة فى قهر خصومهم ومن يختلف معهم. فأعضاء الحزب والجماعة البارزون لم يجدوا غضاضة أبداً فى التسليم بأحقية الداخلية فى الضرب فى المليان واستخدام وسائل القهر، بل إن حكومتها الرشيدة والمنيرة بقنديلها، وبعد أن منّت على المواطن بتحديد ثلاثة أرغفة له فى اليوم والليلة وخمسة لترات من البنزين ذهبت لتشترى للداخلية طائرات تمكّنها من تحقيق ما كلّفت به، وأتت بوزير داخلية وأسرَّت له بسياسة جديدة تقوم على الالتحام والضرب فى المليان وإغراق الشوارع بالغاز والخرطوش، وأخيراً تعرية وسحل المواطنين وتعذيبهم حتى الموت.
هذه الإشكالية تبرِّر التصريحات الطبيعية جداً والصادقة جداً لأقطاب الجماعة، التى تقلل من قيمة وقامة مصر الدولة والشعب والحضارة والتاريخ، والتى كانت ذروتها فى ما قاله مرشد الجماعة السابق بأنه «طظ فى مصر» هذه التصريحات التى رأى فيها المصريون غرابة وشذوذاً واعتبروها زلة لسان وهى فى الحقيقة تمثل وعى الجماعة، واستراتيجيتها. فالجماعة فوق الدولة والعشيرة فوق الوطن والأهل والأحباب هم الأولى بالمعروف. والأجدر بلملمة الغنائم والحصول على الوظائف والمناصب.
ولذلك فإن الحقيقة التى تكشف عن وجهها كل يوم سافرة واضحة جلية هى أن حكامنا الجدد لا يعلمون ولم يقرأوا تاريخ مصر ولا المصريين وليس لديهم أى معرفة بجغرافيا مصر. صحيح لديهم معرفة بظاهر ريفها ومدنها يأسرون فقراء هذه الأمة بمنحهم وعطاياهم المشروطة ابتغاء الوصول إلى مقاعد البرلمان حتى يستأثروا بمناطق السلطة الدافئة، فقد ألفوا مغانمها ورغبوا فى منافعها، ولم يعبأوا أبداً بتاريخ شعب وأمة وتعاملوا معه كمكعبات وأرقام يهدّدونه حيناً ويقمعونه حيناً ولكنهم لن يستطيعوا كسره أبداً. وقلنا ذلك ونقوله وأثبتته الأيام.
فقد كان قدر محافظات القناة أن تعرّى الزيف والبهتان، كان قدرها أن تنتصر على سياسة الإنهاك والترهيب والتمييز. إن الموقف البطولى لأهلنا فى محافظات القناة؛ بورسعيد الباسلة والإسماعيلية الجميلة الشامخة، والسويس المجاهدة والصابرة، إنما يؤكد أن هذا الشعب لن يضام ولن ينكسر.
يا أيها الأهل والعشيرة، صغيركم وكبيركم، افتحوا كتب التاريخ لكى تعلموا قدر هذه المحافظات وفضلها على مصر والمصريين. لقد كانت هذه المحافظات الثلاث وأهلنا فيها مجاهدين صابرين مدافعين عن مصر كلها، من يعرف حق هذه المحافظات، بالإضافة إلى سيناء التى طواها النسيان حين يسير فى جنبات شوارعها وأزقتها سوف يدرك بطولات هذا الشعب فى دفاعه عن تراب الوطن واستقلاله ضد دنس الصهاينة، لقد كانت هذه المحافظات هى مسرح عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى لأرض فلسطين سنة 1948 وحتى الآن، فقدوا حياة أحبتهم وفقدوا راحتهم وانتصروا لوطن أدار نظامُه ظهره لهم وفرض عليهم الفقر والحصار والجوع. وحرمَهم من عائد التنمية، حتى عندما تقرر أن تكون بورسعيد منطقة حرة حاربوها وحسدوها وأفسدوها وانتقموا منها. وجعلوا الإسماعيلية محطة راحتهم فوزعوا أراضيها عليهم وحرموا منها أهلها. أما السويس -وما أدراك ما السويس- فقد عذّبوها وأفقروها وحرموها من كل شىء. السويس البطولة والأبطال صاحبة الصدارة الأولى فى الثورة ملهمة الثوار.
إن محافظات القناة هى دُرر التاج التى يجب أن يحتفى بها المصريون. هى الأمان لنا، هم شعب البطولات التى يتحاكاها أهلها صباح مساء يتوارثونها كابراً بعد كابر. هل يعلم الأهل والعشيرة والجماعة صغيرها وكبيرها أن أهلنا فى النضال خاضوا حروب المصريين كلها حتى ولم يكونوا مجندين، فهم دائماً فى الخطوط الأولى، حدث ذلك فى العدوان الثلاثى فى 1956 وما أدراك ما العدوان الثلاثى -يا كبير- وقتها وقف الشعب كله وراء أهل القناة، يشاركون ويجاهدون، وكانت بطولات الفدائيين تُروى فى المقاهى والبيوت، كانت بيوت السويس وأهل السويس وبورسعيد والإسماعيلية منصات للفداء والتضحية. كان صغيرهم كبيراً وكبيرهم بطلاً جاء العدوان، وذهب العدوان، وبقى أهل القناة صامدين مجاهدين. يتأهبون للمعركة القادمة وقد كانت عندما تناحر السياسيون واختلفوا ومُنيت البلاد بهزيمة 1967 كان أهل القناة فى الخطوط الأمامية دفعوا الثمن من حياتهم واستقرارهم شُرّدوا فى كل بقاع مصر، هاجروا من بيوتهم، وتفرّقوا فى البلاد كلها بين العباد. فكانوا أهل فضل وعفاف ومدنية ورقى. ما زلت أذكرهم فى قريتى، كانوا مثالاً للخُلق الكريم والصبر والاحتمال كانوا فى حلهم وترحالهم محل احترام وحب الجميع.
وهل لأحد أن ينكر دور هذه المحافظات الصابرة والمجاهدة فى حرب الاستنزاف وما أدراك أيضاً -يا سيدى- ما حرب الاستنزاف، أشرف وأشرس الحروب التى خاضها المصريون كان أهل القناة -بحسب الجغرافيا وشيم البطولة- فرساناً بالليل والنهار فى مقاومة الاحتلال ومناوءته، وذلك بالتنسيق مع القوات المسلحة، سجلوا أجمل وأروع البطولات المسطورة بحروف من نور فى تاريخ المصريين. ولا يقلل منها أبداً أنها لم تكن مسطورة فى تاريخ الأهل والعشيرة والقبيلة والجماعة. كانت تضحيات أهل القناة جميعهم تأخذ بيد المصريين نحو النصر الذى تحقق فى حرب السادس من أكتوبر درة الانتصارات والبطولات المصرية. إن هذا الجزء العزيز من الشعب المصرى هو جزء أبى يعتز بكرامته، ووطنيته، يصبر على الضيم والإهمال، ولكنه فى كل الأحوال والأوقات يعتز بمصريته ووطنيته يثور على الظلم ولا يقبل الذل، فُرِض عليه التهميش والتجويع والإفقار بسياسات مقصودة وممنهجة ومخططة، قصدتها سلطة توريد إخضاع الشعب، كل الشعب باستبدادها وتكبرها.
كانت مدن القناة وشعبها من أهم مكونات الثورة المصرية، أطلقت شرارتها وبين جنباتها دوى أول هتاف يسقط يسقط النظام، وعلى تراب السويس سقط أول شهيد. كان الهتاف يقصد سقوط كل النظام بأصله وفصله وحوائطه، وديكوراته، بحكمه ومعارضته كان شعب القناة موحياً للأمة كلها وللمصريين جميعهم بضرورة تغيير العتبة بنظام جديد ديمقراطى لا يهمِّش أحداً ولا يستبد بأحد ولا يتنكر بمكون مهم من مكونات الدولة والشعب والثورة. وهو للأسف ما لم يحدث، فالذى تغيّر أن وجوهاً هى التى تغيرت، خرج البعض من السلطة إلى ظلمات السجن والحبس، وإن بدا أنه سجن وحبس مظهرى، والعكس خرج البعض من ظلمات السجون إلى فسحات السلطة ورحابها يدّعون أنهم الأحق بالثورة والسلطة والجاه. ورضيت الثورة والثوار وأملت خيراً، فحليف الأمس وإن قفز على الثورة فهو ينتسب إليها، ولكن للأسف كانت أوراق الانتساب إليها مشكوكاً فيها، فقد كانت كلها بطبيعة الحال حيلة ومدخلاً للقفز والخطف والاحتواء لسلطة وشعب ما زال ثائراً.
ظلت حناجر أهل القناة تهتف -يسقط يسقط النظام- كل نظام لا يحقق أهداف الثورة، وغايتها فى العيش الكريم، والحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية أحلام، طالما طافت إليها أفئدة وأرواح المصريين خروجاً من القهر والاستبداد وسياسات الفقر والتجويع والترويع.
سوق إليهم البعض، أن الثورة قد انتهت وأن المسموح لهم فقط هو الاحتفال الكرنفالى، فقد أصبح لديهم دستور، صحيح أنه مشبوه تم تمريره فى ظل إعلانات دستورية منعدمة ظالمة وقاهرة ووسط انقسام شعبى حاد، لكن ليس مهماً، ولديهم رئيس منتخب، صحيح أنه يمارس السلطة بصورة غير مرضيه لا يتقيّد فيها بأى قيد حتى تلك التى يصدرها، فقد ألفه الشعب مصدراً لقرارات مخالفة للقانون والدستور وأحكام القضاء، مرة تفوت ويأكلها ويأكلها الشعب طوعاً ومرات أخرى وقف لها الشعب بالمرصاد، فتراجع عنها وكأن شيئاً لم يكن!!
ولكن المصريون -وفى القلب منهم أهل القناة- وجدوا أن ثورتهم لا تُثمر، لا فى حجورهم أو حتى بالقرب منها، وإنما كانت كما يقول المثل الشعبى «زى القرع دايماً تمد لبره»، فقد غمرت الجماعة والأهل والعشيرة بفيوض كرمها واحتجبت بفعل فاعل من أن تصل إلى عموم الشعب البائس الذى تلفت يميناً ويساراً فلم يجد لثورته أثر. فهبّ الشعب راجعاً إلى ميادينه يئن، ويحاول استعادة ثورته ودخل على خطوط التماس بهذه الميادين حكم الألتراس فحدث ما حدث والذى هو فى المقام الأول مسئولية السلطة التى ترى انتشار البلطجية فى شوارع المصريين عامل رعب وتفزيع يمكن أن يحقق أهدافه فى وقت من الأوقات، وحسبما تواترت عليه الروايات وقع شعوب محافظات القناة فريسة سهلة لجيوش البلطجية التى اتضح أنها صناعة برعت فى الإلمام بفنونها الأنظمة المستبدة، لكى تؤدِّب بها شعوبها حسب الأحوال وقتما شاءت، وما النظام السورى عنا ببعيد.
أعمل البلطجية فى أهل بورسعيد والسويس تحديداً ذبحاً وتقتيلاً والدولة غائبة؟ ضربوا عليهم النيران الحية وهم يشيعون قتلاهم بغير مبرر، لم يحترموا حرمة الموتى، أهانوا الأجساد حية وميتة. لعن الله الاستبداد فى كل عصر وأوان.
لم تنجح أجهزة الأمن فى شىء، لا فى وقف العنف، ولا فى القبض على البلطجية أو فى إشاعة الأمن والأمان بين الناس. وبدلاً من حسابهم عن تقصيرهم فى ذلك. ومن قبل تقصيرهم فى عدم القبض على البلطجية الذين هم معرفون بالاسم والرسم والسمعة، وكل منهم له رقم معلوم لدى أجهزة الأمن التى لو استطاعت أن تجمعهم بين عشية وضحاها لفعلت، ولكن للبلطجة أصول وفنون واستخدامات لعل المصريين تأكدوا من ذلك منذ قيام الثورة وحتى الآن.
يخطئ من يظن أن كل هذه الكروت المفضوحة يمكن أن تنال من عزيمة شعب ثائر لن يبرح ميادينه حتى تتحقق أهداف ثورته مهما ساوم وكابر ولف ودار السياسيون، فكل ذلك حيل لن تفيد ولن تنفع.
فى ذكرى الثورة خرج المصريون -بعد خطاب روّعهم وخوّفهم- من العودة إلى ميادينهم يهتفون بذات الهتافات، ويطالبون بذات المطالب التى علت بها حناجرهم أيام الثورة الأولى، خرجت القاهرة ودمياط والشرقية والغربية والإسكندرية ومحافظات القناة ومحافظات ومدن أخرى كثيرة، حدث عنف هنا أو هناك بصورة أو بأخرى، وكانت ميادين القاهرة مثالاً لذلك. وماتت زهور من شباب هذه الأمة واحتجب الرئيس يوماً ويومين، واكتفى بتغريدة حسناء ساقها لشعبه عبر «تويتر»، فقد أصبحت موضة. ولما توحش الشعب رئيسه ناداه فخرج عليه مساء يوم الأحد 27/1/2013، وعشية الذكرى الملهمة ليوم دامى من أيام الثورة المصرية وهو يوم 28 يناير، واتخذ الرئيس قراراته لا لكى يصحح الأمر فى مصر كلها ويطرح حلاً سياسياً يفك كرب الوطن والأمة، وإنما يعاقب محافظات القناة. محافظات القناة فقط تُفرض عليها الطوارئ ويحظر فيها التجول، والسلطة معذورة، فلا يوجد فى الوطن سجن يمكن أن يُسجن فيه أهل القناة، فليسجنوا فى بيوتهم ولتقطع أرزاقهم وتغلق محلاتهم. عقاب جماعى يعنى.. مافيش مانع.. كله فى حبك يا مصر يهون وإيه يعنى.. زمان هُجّروا من مساكنهم وخرجوا من مدنهم وتفرقوا بين الوديان وفى الصحراء والبادية.. فليس هناك مشكلة إذا ما تجرّعوا سم الطوارئ وقهر الحظر لا سيما أن جاء هذا وذاك بعد ثورة سالت فيها دماء، وذهب فيها شهداء عند ربهم أحياء يرزقون. هذا ما أرادته السلطة؟
فماذا أراد الشعب.. شعب عبقرى بكل المقاييس أكد تميُّزه وخفة ظله، استقبل أهلنا فى السويس وبورسعيد والإسماعيلية هذه القرارات بترحاب شديد وبسخرية أشد، فظهرت النكات، وكانت مصدراً للتندُّر وللاحتفال وأصبحت «ساعة الحظر ماتتعوضش» وأصبحت ساعات الحظر احتفالات وكرنفالات شعبية وشكراً للسيد الرئيس أن أوجد للشعب وسيلة بسيطة وغير مكلفة للخروج من أجواء الحزن التى سيطرت على المصريين بعد الأحداث الدامية فى القاهرة وبورسعيد والسويس وغيرها.
لقد كانت أخبار الحظر والطوارئ والالتزام بها احتراماً لهيبة سلطة لم يعد لها أى وجود، وتحدياً لسلطة فقدت فاعليتها حين هددت شعباً لا يُهدَّد وأفزعته وقلبه قلب أسد يزأر، فالذى فزع والذى تراجع هو السلطة، فلم تمر غير أيام لا تكتمل بها أصابع اليد الواحدة حتى سقط الحظر وأصبحت الطوارئ بلا فاعلية.
يا سادة إن السلطة لا تمارَس بالقوة وإنما بالهيبة، فإذا سقطت هيبة السلطة فلن تسعفها قوة مهما استجمعت من أدوات القهر والتسلُّط، ومهما اكتنزت من قنابل غاز أو خرطوش أو طائرات شرطية أو حتى طلقات رصاص حية.
إن السبيل الوحيدة للخروج من المأزق الذى وضعت فيه السلطة نفسها ووضعت فيه الشعب أيضاً يكون بالسعى نحو تحقيق أهداف الثورة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وهذا كله لن يكون إلا بخطوات حقيقية تسعى نحو الحل دون مراوغة أو تأجيل، وذلك أن استحقاقات هذه الثورة أمر واجب ولا بد من الوفاء به، والمراوغة فيه هلاك للجميع وذهاب بمصر الدولة والشعب إلى جحيم الفوضى والفشل الاقتصادى والسياسى، يومئذ لن تنفع السلطة الوليدة وجه أمريكا المبتسم أو قوة الجماعة الموهومة. ذلك أن التاريخ علّمنا أنه لا يمكن لجماعة أن تعلو على شعب أو تحتكره. ولا يمكن أبداً أن يُسعف سلطة غطاء أجنبى.
إن علماء الأصول فى الشريعة الإسلامية يقولون إن العلم بالشىء فرع عن تصوُّره، ومن لا يعلم أصول الشىء لا يعلم فروعه. على السلطة أن تدرك أن ثورة الشعب حقيقة وأن أهدافها لا بد أن تتحقق، وأن الشعب هو الحارس لأهداف ثورته. سَئِم الاستبداد ولن يقبل من أحد أن يحتكر السلطة أو أن يهدده أو يقهره، فقد فقدت كلمة الطوارئ معناها، وكذلك لم يعد الحظر حظراً.
أهالينا فى القناة خالص تحياتى فقد كنتم دائماً فى الريادة والصدارة دائماً.
استحدثتم فى السياسة مفاهيم جديدة علمتمونا أن فى الطوارئ راحة وسيادة وإثباتاً لإرادة شعب وكسراً لسلطة غاشمة مستبدة. وأثبتم فى الحظر حياة، فاستقيموا يا أولى الألباب، وتوبوا إلى الله وإن تبتم.. فإن التاريخ لن يرحم.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل..
د. جابر جاد نصار
أستاذ بكلية الحقوق - ووكيل كلية الحقوق - جامعة القاهرة
والمحامى بالنقض والإدارية العليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.