لم يكن يتردد على آذان المصريين، رغم أنه حد شرعي في دين الأغلبية. يهتف القاضي بصوت عالٍ في عرينه ليحكم على المتهمين.. قتل مع سبق الإصرار والترصد، وشروع في قتل، وسرقة تحت تهديد السلاح، لكن يغيب دائمًا الاتهام بالحِرابة، وبالتالي تغيب عقوبتها. لكن "للضرورة أحكام"، فتظهر نداءات من مشايخ السلفية بتطبيق حد الحِرابة على المتظاهرين، مع تجاهل بقية الحدود الشرعية التي غابت عن مجتمعنا المصري؛ كحدود القتل والزنا والسرقة والردة وغيرها. يبرر بعضهم ذلك بتدرج التطبيق، لكن من المعروف لدى شيوخ الأزهر أن الشرع مستقر، ولا يحتاج التدرج في تطبيقه. أُطلقت دعوات تطبيق حد الحرابة بالتزامن مع زيادة أعمال الشغب التي اتسمت بها فعاليات التظاهرات الأخيرة، التي قادتها مجموعة "بلاك بلوك"، ما دفع الإسلاميين إلى المطالبة بتطبيق الحد عليهم، مكتفين بترديد الآية 33 من سورة آل عمران: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الَأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوا مِنَ الَأرْضِ"، دون أن يفسروا ما إذا كان يجب تطبيقها على المتظاهرين من "بلاك بلوك" أم لا. وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن حد الحرابة أمر نظري ليس له حظ في التطيبق العملي، ضمن السبع حدود الشرعية غير المطبقة في المجتمع المصري؛ وهي الزنا والقتل والسرقة والبغي والردة وتعاطي المسكرات، مشيرًا إلى أن حد الحرابة الآن مقرر دراسي من مكونات فقه الحدود بأقسام وكليات الشريعة الإسلامية، ومؤكدًا أنه يتمنى تطبيقه مع باقي الحدود غير المطبقة. وتساءل كريمة: "هل يوجد حد الحرابة في التشريع الجنائي في المجتمع؟"، موضحًا أن المتظاهرين الذين يخرجون للتنديد بالوضع السياسي في كافة المناطق والميادين لا يجوز أن تطبق عليهم الحرابة، بل حد البغي، وهو الاقتتال بين فئتين من المسلمين. وحول ماهية الحد وكيفية تطبيقه، أوضح الشيخ الأزهري أن الحرابة هي قطع الطريق على وجه يتعذر معه الاستغاثة، أو الاستيلاء على المال كَرْهًا، لافتا إلى أن هناك أربع حالات رتب عليها القرآن أربعة جزاءات؛ الأولى هي قطع الطريق دون أخذ المال مع القتل، وعقوبتها القتل، والثانية هي قطع الطريق والقتل وأخذ المال، وعقوبتها القتل والصلب، أي أن يُعَلَّق المقام عليه الحد في مكان عام ليراه الناس، من باب "فاعتبروا يا أولي الأبصار"، والثالثة أخذ المال دون قتل وقطع الطريق، وعقوبتها قطع اليد والرجل من خلاف، أما الرابعة فهي إخافة الطريق وتعطيله دون قتل أو أخذ مال، وعقوبتها النفي خارج البلدة إلى مسافة القصر، التي تصل إلى 85 كيلو مترا من بلدته، مشيرًا أن ذلك يكون اجتهاد القاضي. وأعرب كريمة عن تعجبه من مطالبة عدد من السلفيين والإخوان والجماعات الإسلامية بتطبيق حد من حدود الشريعة السبعة المعطلين، وهو الحرابة، لمواجهة المتظاهرين المعارضين للحكم، لافتًا إلى أن المطالبين بتطبيق حد الحرابة ليس لهم خبرة بالتشريع الإسلامي، وأن القول بالتدرج في تطبيق الشريعة خاطئ لأن الشرع مستقر.