"إن شاء الله هتندم ندم عمرك"، تعليق مقتضب، تحول إلى دراما مأساوية في غضون سبعة أشهر.. كتبته إحدى صديقات ضحية اشتباكات قصر الاتحادية "محمد حسين قرني"، الشهير ب"كريستي"، تعليقا على ما كتبه محمد عبر حسابه الخاص على "فيس بوك" بعد إعلان فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، ""إلى الجحيم أيها الشفيق.. وألف مبروك يا مرسي ويارب تبقي أد المسؤولية، لأن في انتظارك معارضة شرسة لن تسكت على أى خطأ وستعارضك بكل شراسة.. لكن في الحق". لم يكن يدرك محمد حينها، أن الرجل الذي تمنى أن يكون "أد المسؤولية" سيكون مسؤولا بعد نحو سبعة أشهر عن قتله على أبواب قصره الرئاسي. رد محمد على تعليق صديقته التي حذرته من أنه "سيندم ندم عمره" بضحكة لا مبالاة، دون أن يدرى أنها كانت نبوءة مبكرة، إن جاز التعبير. أسرة محمد أغلقت حسابه على "فيس بوك"، ورفضت تنظيم جنازة شعبية له في ميدان التحرير، مثلما حدث مع "جيكا"، لكن قبلها، تمكن أصدقاء محمد من نشر تهنئته للرئيس مرسي بفوزه، وتعليق صديقته، ربما ليتأملوا فيما بعد سخرية الأقدار، ودراميتها. المشهد الأخير في حياة "محمد كريستي"، يرويه صديقه عمرو لطفي، "كنا جايين من مسيرة مسجد رابعة العدوية في اتجاه قصر الاتحادية، وحين بدأ الضرب، كنا فى الصفوف الأولى، في مواجهة 6 مدرعات تطلق الخرطوش على المتظاهرين، وجاءنى اتصال هاتفي يحذرني من أن الرئيس داخل قصره، وأن من سيتم القبض عليه أمام القصر سيحاكم عسكريا". ويتابع عمرو "لاحظنا خروج ضابط ملثم من إحدى المدرعات مصوبا سلاحه علينا، ظننا أنها طلقات خرطوش، لكن سقوط محمد "كريستي" إلى جواري، مصابا بعيار ناري في رقبته وآخر في صدره، أكد أنها رصاصات حية، دون مقدمات". "دم محمد في رقبة الضابط اللّى شايل سلاح ورصاص حي، ووزير الداخلية اللّى سمح بإطلاق النار على المتظاهرين، ورئيس الوزراء اللّى وعد الضباط قبلها بيوم واحد، بالسماح لهم بحمل السلاح الآلي، ومن قبلهم الرئيس المحرض" على حد وصف عمرو لطفي، صديق "كريستي". متر واحد، فصل بين "كريستي"، وصديقه رامي مصطفى، قبل أن تصيبه طلقات الرصاص الحي. وعن لحظة سقوطه.. يقول رامي: "نزلت استخبى لما الضرب بدأ، ومديت أيدي أساعد محمد يقوم، لقيت عنيه قلبت بسرعة، فعرفت إنه بيموت خلاص". ويتابع: "لقينا في جيوبه، ورقة مكتوب فيها رقم بطاقة الرقم القومي والتليفون، وبخط إيده كاتب: لو جرالى حاجه كلموا الرقم دا". "كريستي" الذي لم يتجاوز عمره 23 عاما، كان طالبا بالفرقة الرابعة في كلية التجارة جامعة القاهرة، يقول عنه رامي: "محمد مش بلطجى.. وحقه هيرجع والثورة هتكمل والحقيقة باينة ومش محتاجه حد يدور عليها". انتقد رامي موقف أسرة صديقه الراحل، ورفضهم تشييع جثمانه في جنازة شعبية، حسب وصيته، وإصرارهم على دفنه بسرعة في مقابر الأسرة بمنطقة الصف بحلوان، لكنه تعهد في المقابل بحشد أصدقاء "كريستي" وأعضاء صفحة "إخوان كاذبون" التي كان يديرها "كريستي" على "فيس بوك"، ليصلوا عليه صلاة الغائب بمسجد النور، قبل التوجه في مسيرة إلى قصر الاتحادية للمطالبة بالقصاص ممن قتله. "معرفش محمد شخصيا، لكن لما دخلت صفحته بعد رحيله، وجعتني قولى آخر جملة كتبها امبارح: يا رب خدنى بقي"، يقولها محمد سليم، "أدمن" صفحة "محمد كريستي.. لن ننساك"، مشيرا إلى ما تداوله نشطاء "فيس بوك" من كلمات كتبها "كريستي" بتاريخ 29 ديسمبر 2011، "الدبابات هتكتر.. والكترة غلّابة، والقلب لو مؤمن.. ولا ألف دبابة". آخر اتصال هاتفي ل"كريستي"، كان من نصيب صديقه أحمد طارق: لم أكن في موقع الاشتباكات، لكن "كريستي" قال لي إن الرصاص من كل اتجاه، فنصحته: خللي بالك من نفسك، حتى جاءني اتصال آخر: محمد استشهد.. وجثمانه في مستشفى هليوبلس". ومن أمام مشرحة زينهم، يبدي "محمد حسنين" أدمن صفحة "اتحاد الصفحات الثورية" استغرابه من موقف أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذي تمكن من إقناع أسرة "كريستي" بأن أصدقاءه هم سبب استشهاده، ورفض تنظيم جنازة شعبية له من أمام مسجد عمر مكرم، بادعاء أن الصلاة عليه في مسجد السيدة نفيسة "أنفع له لما لها من بركات" حسب قوله. وتابع حسنين: حين حاولت آية يوسف، إحدى صديقات "كريستي" إقناع أسرته بتنفيذ وصيته، صرخ في وجهها ذلك الرجل بقوله "ملكيش دعوة.. إحنا عارفين مصلحة الشهيد". وبمجرد خروج الجثمان إلى المقابر، تبعه أصدقاؤه بسياراتهم هاتفين "يسقط يسقط حكم العسكر".