يمشى على مهل، لا يظهر من وجهه إلا عيناه، هو ذلك الملثم الذى يرصد بعينيه كل ما يدور حوله، أثناء ركوبه «الموتوسيكل»، الذى أصبح وسيلة إنقاذ حياة المصابين، وكذلك نقل الملثمين المسلحين إلى مناطق الاشتباكات. لم يكن ظهور «الموتوسيكل» مع بداية أحداث 26 يناير الدامية، فحسب، بل ظهر قبل ذلك بكثير، حيث حرص عدد كبير من أبناء بورسعيد على اقتنائه لتفادى الاختناق المرورى، فضلا عن عدم قدرتهم على ركوب التاكسى. الموتوسيكل يشق طريقه بين السيارات فى شوارع المدينة الباسلة، بيسر، دون عناء، ولا ضرر من اعتلاء الرصيف لسرعة الوصول، لاسيما أن بورسعيد من ضمن البلاد التى ينطبع شارعها بطابع تجارى، يجعل المحلات المنتشرة فى الشوارع تضع أوزارها من أمامها، ما يجعل المرور بالسيارة مستحيلاً، ويجعل للموتوسيكل مكانة مهمة. فى الأحداث غير العادية، تكتسب الأشياء العادية والمعتادة سمات جديدة، هذا ما حدث مع الموتوسيكل، حيث أفسح له الناس المجال، للمرة الأولى، فى محيط سجن بورسعيد العمومى، عقب النطق بالحكم مباشرة، إذ لم تكن سيارات الإسعاف حضرت بعد، لنقل مهاجمى السجن المصابين إلى المستشفيات، فكان هو من أدى دور المسعف، حيث يركبه سائقه ويجلس خلفه شخص يحمل المصاب على قدميه، ليسير قائد «المكنة» بسرعة الصاروخ، ويطلق سرينته العالية ليفسح له الآخرون المجال للمرور. فجأة، يظهر ملثم يركب «المكنة» لا ركوب تنزه وخيلاء، وإنما على كتفيه مدفع آلى، يركب وراء السائق، الذى يجيد السير فى تعرج باحتراف وإتقان شديدين، لكى لا تطوله رصاصات السجن. الموتوسيكل لم يظهر فقط فى محيط سجن بورسعيد، إنما ظهر بكل الشوارع، تارة يحمل ملثمين مدججين بالسلاح يهاجمون أقسام الشرطة، ويفرون ويكرون بسرعة لا تسمح بقنصهم، وتارة أخرى لنقل البعض لمواقع الأحداث، خاصةً أن المواصلات توقفت داخل البلدة، ليكون الموتوسيكل هو بطل ليالى الاشتباكات فى بورسعيد بلا منازع، ويصير راكبوه «عفاريت»، لا تتمكن قوى الأمن من القبض عليهم. أخبار متعلقة: بورسعيد 2013.. حرب بلا عدو جنازة الضحايا.. بدأت ب«هتاف» وانقلبت «الرصاص» مدينة الأشباح: الأهالى التزموا منازلهم.. والشوارع تضيئها النيران