صوت إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لا يتوقف. رائحتها تنتشر فى معظم أرجاء ميدان التحرير من فرط إطلاقها بشارع القصر العينى، سيارات الإسعاف توجد إلى جوار المستشفى الميدانى ب«صينية الميدان» الذى يستقبل المصابين بحالات الإغماء. قوات الدفاع المدنى تسيطر على الحريق الذى اندلع بالمبنى الفرعى للمجمع العلمى بسبب إلقاء قنابل المولوتوف عليه، جميع الطرق المؤدية إلى الميدان مغلقة، الحركة طبيعية بالشوارع المحيطة بالميدان مثل محمد محمود وقصر النيل وطلعت حرب، فيما انحصرت الاشتباكات فى شارع القصر العينى. بوسترات صور شهداء 25 يناير تعود إلى الميدان من جديد أحضرها أقارب وأصدقاء الشهداء ليحيوا ذكراهم وذكرى الثورة. ومع دقات الثانية عشرة ليلاً قام أفراد الشرطة المكلفين بتأمين محطة مترو السادات بغلق أبواب المحطة أمام الجمهور قبل انتهاء المواعيد الرسمية للإغلاق فى تمام الواحدة صباحاً، وهو ما أثار استياء زوار الميدان والمتظاهرين، شباب الألتراس تركوا بصمتهم على معظم جدران المحطة خلال مظاهراتهم أمس الأول انتظاراً للحكم فى مجزرة بورسعيد، وكتبوا عبارات تندد بالتهاون فى حق الشهداء وحملت العبارات كلمات بذيئة جداً. المحلات أيضاً أغلقت أبوابها مبكراً بما فيها المطاعم والكافيهات السياحية تحسباً لوقوع أعمال عنف، ووضع بعضهم أبواباً حديدية وأخرى خشبية على واجهات المحلات الخارجية لحمايتها. إطلاق الغاز المسيل بشكل كثيف عمل على رواج بيع الكمامات الواقية منه. أجواء أحداث شارع محمد محمود والسفارة الأمريكية تلوح فى الأفق وتعود إلى الميدان من جديد. أجبر الغاز المسيل للدموع عدداً من الفنانين على إنهاء احتفالية المولد النبوى الشريف مبكراً مثل سامح الصريطى وأحمد صيام ومنال سلامة وغيرهم. وتمت إزالة المسرح تماماً مع دقات الواحدة صباحاً. وقبل إزالة المسرح صعد إليه عدد من الشباب يرتدون «تى شيرتات» موحدة سوداء اللون مكتوباً عليها بخط أحمر «مصرى وبس»، وأمسك أحدهم بالميكروفون وأخذ يردد «ارفع كل رايات النصر.. إحنا شباب بنحرر مصر»، «علِّى وعلِّى وعلِّى الصوت.. واللى بيهتف مش بيموت»، «علِّى فى سور السجن وعلِّى.. بكرة الثورة تقوم ما تخلى»، «لسه الثورة فى الميدان». فيما ردد خلفه هذه الهتافات مجموعة من الشباب، وقال: لن نترك ميدان التحرير لمن يقفز على السلطة أو يتحدث باسمنا ويظهر فى الفضائيات. وأضاف: يتساءل البعض الآن قائلاً: «اللى رايح شارع القصر العينى رايح ليه؟» هؤلاء الشباب يشعرون بحرقة كبيرة حيث ضاعت حقوق الشهداء. مر عامان دون حكم إدانة لمن قتل إخوتنا من الشهداء. وأجبر الغاز أفراد طاقم البث المباشر لإحدى القنوات الفضائية على الهروب من شارع القصر العينى إلى داخل الميدان بعد أن أصيب بعضهم بإغماءات. الكراسى الخشبية والبلاستيكية لبائعى الشاى والقهوة تستحوذ على نصيب كبير من الميدان. عربات الباعة الجائلين تستقر فى الميدان وتأخذ مواقعها استعداداً لزحام الغد، على أطراف الميدان ناحية شارع طلعت حرب أقام عدد من الشباب أكشاكاً خشبية لبيع السجائر الصينية. الاستعدادات لإحياء الذكرى الثانية للثورة تجرى على قدم وساق، حيث استمرت طوال الليل، فقد نُصبت عشرات الخيام بأماكن متفرقة من الميدان، وقام بعض المتقاعدين العسكريين بتعليق العديد من اللافتات التى تندد بحكم الإخوان وتمجد شهداء رفح من الجنود المصريين؛ حيث طبعوا صوراً كبيرة لهم وعلقوها أمام خيامهم بالقرب من بداية شارع طلعت حرب. خيام النقابات المهنية كانت حاضرة أيضاً بالميدان وكتب على عدد من المطالب. لافتات أخرى عُلقت بأنحاء مختلفة من الميدان مكتوباً عليها «لا لدولة الإخوان.. استفتاء مزور دستور باطل». فى الناحية المقابلة أمام حديقة مجمع التحرير تم تعليق لافتة قماشية طويلة على أشجار النخيل المصفوفة، كتب عليها «الشعب يريد إسقاط النظام» مذيلة بتوقيع حركة الشعب، إلى جوار أشجار النخيل تم إنشاء عمود خشبى على شكل مستطيل ارتفاعه حوالى 10 أمتار مكتوب على جهاته الأربعة شعارات ثورية مثل «عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية». حلقات السمر والأغانى لفتت الأنظار بشدة ليلاً؛ حيث أنشد فيها المتظاهرون أغانى تنتقد المرشد وحكم الإخوان، قائلين «يللا ارحل يا بديع». الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن استمر طوال الليل؛ حيث قامت الشرطة بإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيلة للدموع لإبعاد المتظاهرين عن محيط الجدار العازل بشارع القصر العينى لتستكمل بناءه مجدداً بعد هدم أجزاء منه، وهو ما أجبر المعتصمين بخيام حديقة المجمع على مغادرتها والجرى نحو منتصف الميدان. فى بداية الشارع وقف عدد من الشباب الذين يرتدون أقنعة سوداء، مطبوعاً عليها علم مصر والنادى الأهلى. ثمن القناع الواحد 7 جنيهات ونصف، يحاولون الدخول مجدداً عند منطقة الاشتباكات، فيما قام بعضهم بإشعال النيران فى بعض الأخشاب والكاوتشوك للتغلب على رائحة الغاز المسيل للدموع. فى بداية الشارع حاول بعض زوار الميدان من الشباب والفتيات والأجانب الدخول عند منطقة الاشتباك للوقوف على آخر الأخبار لكنهم عادوا مسرعين إلى الميدان بسبب كثافة الغاز، فيما استطاع الشباب الذين يرتدون أقنعة واقية الدخول إلى هناك رافعين شعار «لا تراجع ولا استسلام»، وتحدث بعضهم عن شدة الغاز المنبعث من القنابل وقالوا إنها جديدة لم تُستخدم فى فعاليات أخرى من قبل. على جدار الجامعة الأمريكية بناصية شارع القصر العينى قام بعض الشباب برسم جرافيتى لشهداء الثورة ومجزرة بورسعيد وضمت الرسوم الجديدة صورة الحسينى أبوضيف لتجاور صورة الطفل أنس وجابر صلاح الشهير بجيكا. لم يسلم وسط الميدان من الغاز المسيل للدموع، حيث وصل إليه بسهولة ونال من الموجودين به، وهو ما أجبر الزائرين خاصة من العائلات على مغادرة الميدان. بجوار صينية الميدان وقف محمد عبدالفتاح، 55 سنة، أمام لافتات كبيرة معلق بها 3 أرغفة من العيش، مبدياً استياءه من عزم الحكومة على تخصيص 3 أرغفة لكل مواطن يومياً. يلقب الرجل نفسه بأبو الشهداء رغم عدم مقتل أحد أبنائه خلال الثورة. لكنه قال إن كل الشهداء أبناؤه لأن بعضهم كانوا يدافعون عنه خلال أحداث الثورة وماتوا بجانبه. الحلقات النقاشية استمرت طوال الليل، جميعها ينتقد خطط الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية بينما شكك البعض فى صحة الإحصائيات التى ذكرها الرئيس مرسى خلال احتفالية المولد النبوى، وحذروا من انهيار الجنيه أمام الدولار وذكروا أيضاً أن قطاع السياحة من أكثر القطاعات تضرراً منذ حكم الإخوان، حيث لم يشهد أى تطور أو زيادة. صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حاضرة بقوة فى خيام المعتصمين بصينية الميدان. قام بعض المعتصمين بإشعال النار ببعض الأخشاب للحصول على قسط من الدفء يعينهم على برد الليل ويساعدهم على السهر أطول فترة ممكنة، حيث تناقشوا فيما بينهم فى مليونية الثورة يوم الجمعة. وظنوا جميعاً أن الأعداد ستكون بالملايين. وعولوا على تحقيق المطالب التى ينادون بها منذ شهرين خلال تلك المظاهرات. فيما أبدى أحدهم سخريته من طول خطاب الرئيس بقاعة المؤتمرات، وأكد على خلوه من قرارات تهم المتظاهرين، حيث كان بعيداً عن الواقع. فى الجهة الغربية من الميدان تم إنشاء خيمة كبيرة كُتب عليها من الخارج «مركز استعلامات الثورة» و«معرض كتاب الثورة». رغم أنه لا يوجد بها من الداخل أى كتب، لكن بها ورشة يوجد بها عدد من الأشخاص يكتبون شعارات وعبارات منددة بحكم المرشد. بجوار الخيمة قام بعض الشباب بتشغيل أغانى المطرب على الحجار المتعلقة بالثورة من خلال أجهزة عالية الصوت، وبثوا أفلاماً قصيرة عن ثورة يناير على شاشة عرض كبيرة بمنتصف الميدان. مع تأخر ساعات الليل قلّت أعداد المتظاهرين بالميدان، ولم يبق سوى المعتصمين والباعة الجائلين. أخبار متعلقة: "25 يناير الثانية"..تنطلق من القهوة ليلة الاحتفال أمام"الاتحادية":المعتصمون يرفعون لافتات ضد"الإرهاب بالدين وشرقة الثورة"