لا أحب نظرية المؤامرة ولم أكن يوماً من دراويشها أو مجاذيب محيطها الدائرة فيه أخبار وحواديت عن مجالس شر تخطط لهدم كيان ما أو دولة ما، كنت أعتقد دوماً أن الشر موجود وما على خصمه سوى أن يتحصن بأطواق النجاة متمثلة فى الاستعداد الدائم للمواجهة بالعلم والكفاءة والجبهة الداخلية القوية. اليوم طرأت بعض من التغيرات على الخطة، بعضنا ليس من دراويش نظرية المؤامرة فعلاً، ولكن حان الوقت أن يلتفت قليلاً إلى المنطق، والمنطق يدعوك لقراءة المشهد الحالى والمشهد الحالى متخم بأدلة وأحداث تشير إلى وجود تصور دولى ما هدفه تركيع مصر وحصارها اقتصادياً أو على حصرها فى ذلك المربع الذى لم تخرج منه سوريا والعراق وليبيا واليمن. إن كنت لا تحب لفظة المؤامرة فلا تستخدمها، ولكن مصر فعلاً تتعرض لضغوط تبغى وقف محاولاتها للخروج من نفق الانهيار الذى يحتبس دول المنطقة. قارن فقط وسريعاً الموقف الدولى من حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء وحادث سقوط الطائرة المصرية فى البحر الأبيض المتوسط، فى الحادثة الأولى لم تمر الثوانى إلا وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية الخبر مع الإشارة إلى أن الحادث إرهابى وبسبب تقصير أمنى فى شرم الشيخ بل وتبرعت دول كبرى مثل بريطانيا وخرج رئيس وزرائها ليؤكد إدانة مصر ويدعو لإغلاق المطارات ومنع السياح من السفر، هكذا دون تحقيق أو دراسة أو انتظار لأى مؤشرات أولية أو حتى صدور همهمة تقول إن عطلاً من الطائرة أو ربما خطأ من الطيار هو السبب. على العكس تماماً فى حالة الطائرة المصرية التى سقطت فى البحر المتوسط بعد خروجها من مطار شارل ديجول، لم نسمع للعالم صوتاً لم تتكلم بريطانيا عن تأمين مطارات فرنسا ولم تتكلم وسائل الإعلام الدولية عن مسئولية فرنسا، ولم يتحدث أحد عن عمل إرهابى والكل يقول ننتظر التحقيقات، ثم بدا الوجه الأكثر قبحاً للمؤامرة يتشكل حينما بدأت الجزيرة ومعها جماعة الإخوان فى إصدار بيانات أو نشرات كلها تدفع فى اتجاه تحميل شركة مصر للطيران المسئولية، بل وتمادى الإعلام الأمريكى ممثلاً فى شبكة cnn فى توجيه اتهام جديد بأن الطيار المصرى انتحر بالطائرة، لتتجلى أمامنا جميعاً حالة فجر دولى هدفها النيل من مصر وتشويه صورة مطاراتها وشركتها الوطنية وكأن الجزء الثانى من حصار مصر ومنع السياحة عنها يتم تنفيذه الآن. المنطق يدفعك إلى منطقة أخرى من التفكير، منطقة تسأل فيها: لماذا تقع تلك الكوارث الكبرى فى محيط تعكير صفو العلاقات المصرية بدول صديقة وداعمة للقاهرة؟ لماذا سقطت الطائرة الروسية فى اللحظة التى كانت مصر وروسيا على توافق تام توقع اتفاقيات استثمارية وصفقات أسلحة؟ ولماذا ظهرت جثة «ريجينى» الشاب الإيطالى القتيل فى اليوم ذاته الذى كان الوفد الإيطالى يزور القاهرة لتوقيع خريطة مشروعات استثمارية جديدة، بينما شركة إينى الإيطالية تعلن عن أكبر اكتشافاتها من الغاز فى المياه الإقليمية المصرية؟ ولماذا سقطت الطائرة المصرية بعد أن خرجت من مطار شارل ديجول فى نفس التوقيت الذى تتحرك فيها الميسترال إلى شواطئ الإسكندرية وبعد تعدد اتفاقيات التعاون بين مصر وفرنسا؟!! تلك هى المعطيات، الحقائق الموجودة على أرض الواقع دون تلاعب أو تضخيم وكلها تصب فى اتجاه واحد لن أقول لك مؤامرة، ولكن سأقول لك تحرك دولى لا يريد لمصر أن تكون هى الدولة الناجية من مصير تلك المنطقة العربية المضطربة، هذا الوطن فى حالة حرب تستدعى تكاتفاً وتصالحاً لجبهته الداخلية، تستدعى جهداً لسد كافة الثغرات التى تتسرب منها روائح الإخوان وشماتتهم وخيانتهم وهؤلاء الذين يحملون لقب النشطاء وهم غير قادرين على التفرقة بين الخصومة السياسية والخصومة مع الوطن ذاته.