"إحنا قفلنا الباب دا خلاص"، جملة صادمة، أغلقت آخر أبواب الفرج في وجه امرأة ستينية لجأت إلى فرع الدقي لجمعية رسالة للأعمال الخيرية، على أمل سداد ديونها المتراكمة. "كلامهم عن مساعدة الغلابة طلع فشنك"، تقولها العجوز، مؤكدة أن موظفة الجمعية نهرتها حتى قبل أن تظهر لها الأوراق التي تثبت أنها من معدومي الدخل، ما دفعها للبكاء في طريق عودتها "مكسورة الخاطر". "الست نحمده كمال سالم"، كان لها من اسمها نصيب، تحمد ربها ليل نهار حتى على نعمة "الابتلاء"، أملا في أن تكون بين من قال فيهم الله عز وجل "وبشر الصابرين". تركها زوجها، وتزوج بأخرى، وأخذ ابنهم الأكبر معه، بينما ترك لزوجته الأولى طفلهما الصغير لتربيه، دون دعمها بأي أموال، فقد اكتفى الرجل بإنفاق أمواله على زوجته الحسناء. اعتبرته مات، ورضيت بالعيش وحيدة في إحدى "حارات" حي الدقي، وجدت نفسها مضطرة لإعالة ثلاثة من أقربائها، بينهم شقيقتها التي تخلى عنها زوجها أيضا، بعد إصابتها بمرضي "الكبد والسكري"، وشقيقها غير الشقيق "سالم"، الذي صدمته سيارة جعلته عاجزا قعيدا، إلى جانب إصابته ب"الاكتئاب الذهني" حيث ظل في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية لمدة شهور. وثالثهما "رمضان" خال "الست نحمده" الأبكم، المصاب بشلل نصفي، لا يتحرك بسببه إلى ما هو أبعد من "عتبات الأوضتين" التي تسترهم. سقف خشبي وحوائط أكلتها الرطوبة. تحلم "نحمده" أحلاما بسيطة "نفسي نوضب الأوضتين.. السقف مشقق والأسلاك متعرية لو نزلت عليها مية المطر هتكهربنا، واحنا مفيناش حيل للجري.. صحتنا على قدنا". أحلام بسيطة، لم تجد من يتعاطف معها في الجمعية الخيرية، فرع الدقي، التي قالت الموظفة بها للست نحمده: "مساعداتنا للمرضى فقط"، بالرغم من تأكيد السيدة البسيطة أنها "مديونة لطوب الأرض".