كان جالساً فى واحدة من ممتلكات الأسرة الحاكمة فى لندن، يستعد لأن يبدأ مقابلته الصحفية مع جريدة «فايننشيال تايمز»، فى المعتاد ستكون المقابلة إجرائية، مزيد من الكلام الدبلوماسى ومزيد من الامتناع عن الاستفاضة فى الإجابات، وكثير من المراوغة، هو مؤهل لذلك ويحب ذلك، كانت تلك طريقته طوال فترة رئاسته لمجلس الوزراء القطرى فى فترة سابقة. كان اليوم هو 22 أبريل الماضى وكانت محررة «فايننشيال تايمز» محظوظة حينما تهور الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى رئيس الوزراء القطرى السابق واعترف بالمسئولية القطرية عن بيع لحم أطفال سوريا لصالح الغرب، فى إشارة إلى سماح الولاياتالمتحدة للسعودية وقطر بدعم المتمردين، وتدفق الأسلحة والأموال للمتمردين، ولكن مع عدم وجود استراتيجية واضحة أو اتجاه جامع تم تقويض المشروع بأكمله نتيجة المشاحنات والمنافسات بين الدولتين الخليجيتين. ثم أجاب نصاً فى هذا الحوار الكاشف: «سأقول لكم شيئاً واحداً، وربما أقوله لأول مرة، عندما بدأنا فى التورط بسوريا (بحلول 2012) كان لدينا الضوء الأخضر بأن بإمكان قطر قيادة الأمر هناك وذلك لأن السعودية لم تكن تريد القيادة فى ذلك الوقت. بعد ذلك، حصل تغير فى السياسة السعودية لم يتم إعلامنا به وهو أنهم أرادونا فى المقعد الخلفى من القيادة، لذا انتهى الأمر كتنافس بيننا وبين السعودية وهو ما لم يكن صحياً أبداً». فى التصريح السابق لرئيس الوزراء القطرى اعتراف صريح بجريمة السعودية وقطر فى حق سوريا وأهلها، لذا حينما تتكلم عن حلب ومذابح حلب تذكر أن الدم السائل فى سوريا لم يكن وليد الأمس أو قبله أو أى يوم من أيام الأسبوع الماضى فقط، سوريا تنزف طوال السنوات الخمس بسبب أموال السعودية وقطر فى دعم الإرهابيين والمتطرفين ومحاولة تجميل وجه جماعات الإرهاب وتقديمها للعالم فى ثوب جماعات المعارضة المعتدلة. إذا أردت أن تتكلم عن سوريا والنار التى تحرقها لا تركز مع بشار فقط، لا تنسَ المملكة والإمارة وصديقهما الموجود فى أنقرة، ولا تصدق أوهام الإخوان الكاذبين بخصوص عظمة قطر وتركيا فى تقديم المساعدات للشعب السورى لأن حمد وأردوغان مسئولان عما يحدث للشعب السورى، الأول يدعم الإرهاب بالمال والجزيرة، والثانى يفتح حدوده كممرات لتوافد الإرهابيين والمقاتلين من كل بلدان العالم إلى سوريا. تصريحات ساخنة تسمعها من وزير الخارجية السعودى عادل الجبير يحذر فيها بشار ويدين القتل فى سوريا، نعم يستحق بشار الكثير من التحذيرات فهو مسئول بشكل أو بآخر عمّا وصلت إليه أرض بلاده، ولكننا لم نسمع من عادل الجبير تصريحات على القدر نفسه من السخونة وتحذيرات نهائية من بلاده ضد جماعات النصرة وداعش المتطرفة التى تذبح أهالى سوريا على الهواء مباشرة، نفس الأمر مع النظام القطرى الذى يخصص قناته (الجزيرة) لشيطنة بشار الأسد تماماً، بينما يفتح شاشات المحطة نفسها لتجميل وجه الإرهابيين واستضافة قاداتهم مثل محمد الجولانى زعيم جبهة النصرة الإرهابية وتقديمهم فى ثوب المعارضة المعتدلة. الأمر نفسه ينطبق على النظام التركى الذى يصمت عن الإرهاب وقتل السوريين ولكنه يتذكر فجأة أن سوريا فى خطر حينما يريد تدمير خصمه بشار والتهديد بدخول الأراضى السورية. هؤلاء لا يجب أن تسمع حديثهم عن الدم السورى لأنه يملأ أيديهم، لأنهم كانوا أول من فتحوا الباب لنشاهد هذا المسلسل المرعب فى أرض الشام، والحق يقال إن محاولات الإخوان تشويه موقف مصر فى الملف السورى هى محاولات كاذبة لأن موقف مصر من القضية السورية هو أنضج موقف سياسى يمكن الحديث عنه فى دول المنطقة، مصر موقفها واقعى وواضح لا تريد المزيد من الدماء السورية، لم تشجع يوماً على العنف والقتال فى أرض سوريا وفى الوقت نفسه هى أحرص الناس على وحدة الأراضى السورية، فلا تزايدوا على الموقف المصرى.