ما زال ملف انتهاكات حقوق العمالة المصرية في المملكة العربية السعودية يتضخم يوما بعد يوم، دون أدني بارقة تشير إلي احترام المسئولين السعوديين للإتفاقيات أو المواثيق الدولية التي تتعلق بحماية الحقوق والحريات، في ظل صمت الخارجية المصرية وسفارتنا هناك تجاه مشاكل وقضايا العمالة المصرية. في هذا السياق قامت السلطات السعودية يوم الثلاثاء 17 إبريل 2012 بإلقاء القبض علي المحامي والناشط الحقوقي المصري أحمد الجيزاوي المعروف بدفاعه عن المعتقلين المصريين في السعودية أثناء نزوله مطار جدة الدولي لإجراء عمرة بصحبة زوجته وبعض أصدقائه تحت زعم صدور حكم قضائي غيابي من المحاكم السعودية يقضي بحبسه عاما مع جلده عشرون جلدة، تحت زعم اهانته للذات الملكية، علي خلفية قيامه برفع دعوى قضائية أمام المحاكم المصرية اختصم فيها المسئولون السعوديون وعلي رأسهم الملك عبدالله بن عبد العزيز يتهمهم فيها بممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب في حق عدد كبير من المواطنين المصريين دون أية إجراءات قانونية، إثر حلقة تليفزيونية انتقد فيها الملك عبد الله والسلطات السعودية، على خلفية ملفات تتعلق بتوقيف عشرات المصريين بالمملكة في قضايا مختلفة وطالب بالإفراج عنهم و تعويضهم جراء ما لحقهم من تعذيب و انتهاكات في المعتقلات والسجون السعودية. "الجيزاوي" سبق له الحصول على تأشيرة للسفر من السفارة السعودية في القاهرة وهي لا شك يمكن وصفها بعهد أمان أعطيت له لدخول البلد، بغض النظر عن أسباب قدومه، أما وأنه قادم لأداء العمرة فهذا يعطيه الأمان الكافي الذي لا يحق انتهاكه بهذا الشكل، وكان الأجدر بالدولة السعودية وسلطاتها أن تترفع عن مثل هذا الأسلوب من تصفية الحسابات وهذا ما أكده جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحوق الإنسان، الذي استنكر اعتقال المصريين في سجون المملكة وهو أمر لا يمكن قبوله على كافة المستويات، حيث أنه لا يسيء إلى السعودية وحدها وإنما ينعكس سلبًا على العلاقة بين البلدين الشقيقين، ويعطي إشارة سلبية لأي مسلم من أي دولة من دول العالم ما يجعله يفكر كثيرا قبل أن يُقدم على فريضة الحج أو العمرة في ظل هذه الممارسات غير المسؤولة. وأوضح عيد أن المملكة العربية السعودية لا شك عزيزة في نفس كل مصري لكن مثل هذه الأفعال تخصم كثيرًا من رصيدها لدى المصريين بل وتولد لديهم الكراهية وتتحفظ السلطات السعودية حتى الآن على الجيزاوي بانتظار تقديمه إلى السلطات القضائية التي كانت قد أصدرت بحقه حكما غيابيا، فسمعة السعودية وأهلها وجوار الحرمين الشريفين أكبر بكثير من مثل هذه السقطات، ولا يسعنا إلا أن نهيب بأهلنا في الشقيقة السعودية بأن يتداركوا مثل هذا الموقف وألا يحولوا بين الرجل وزوجته الذين أتيا قاصدين بيت الله الحرام. وإذا كنا نتحدث هنا عن واقعة بعينها (اعتقال الجيزاوي) ، فإن ذلك لا يعني مطلقا السكوت عن باقي المعتقلين المصريين في بلاد الحرمين بل ينبغي على كل مصري بل وكل سعودي أيضا أن يهب لنجدة هؤلاء المظلومين في غربتهم. عبدالله الدمرداش، مهندس اتصالات تم اعتقاله بالمملكة العربية السعودية منذ 4 سنوات ومازال قيد الإعتقال القسري، الفارق الوحيد كما تقول اسراء كمال، زوجته، أنه وجد جميع المصريين يناصرونه ويقفون إلي جانبه ولكن لا أحد يقف إلي جانب زوجها في ظروف إعتقاله في المملكة العربية السعودية. بدأت القصة يوم الثلاثاء في الثالث من يونيو عام 2008 وبعد 6 أشهر فقط من زواجه وتقول اسراء أنها سافرت إليه عروساً وإقامتهم كانت في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية، لكنها فوجئت بقوات الأمن السعودية تقتحم بيتها ومعهم زوجها فسألتهم عمّ يبحثون؟ فأخبرتها مفتشة المباحث ألا تقلق، مجرد سيديهات، ومنشورات ضد أمن المملكة فأخذو زوجي،لكنه قبل أن يذهب نظر إلى نظرة قاسية شعرت فيها بمعانٍ كثيرة وشفقة منه علىّ وماذا سأفعل بعده وأنا الصغيرة بدون محرم ولا أعرف أحد في هذه البلد. بدأ حوار الإرهاب والتحقيق معي والتهديدات عبر الهواتف زادت حدتها بشدة بعدها بيومين حتي جائني أحدهم وقال لي أتريدين أن تزوري زوجكِ؟ فقلت بالطبع فقال لى تعالى حتي وجدت نفسي كأني في صحراء والسجن أمامي والكلاب والذئاب تعوى من حولي، ونزلت معهم تحت الأرض حيث الزنازين الانفرادية، ورأيت إرهاب نفسي بشع في تلك الليلة ثم بعد طول انتظار وجدت رجل يرتدي مدني ثوب وغترة، دخل على وفتح البوابة برقم سري وبدأ معي في التحقيق مرة أخرى وسألني عن موقف زوجي مما يحدث في الدول العربية كفلسطين والعراق وما إذا كان يجمع لهم تبرعات بدون إذن الملك أم لا وهل هو متعاطف مع ما يحدث هناك؟ وفي نهاية التحقيق سألني هل تريدين أن تنزلى مصر أم تبقين بالمملكة؟ فقلت له إذا كان الأمر سيطول فأنا الآن بلا محرم ولن أستطيع العيش بمفردي في بلد غريب، أما إن كان لن يطول فسابقى وأنتظره بالسعودية، فرد علىّ بأنه يعتقد أن الأمر سيطول إذن فتطلبين أن تسافري فقلت بعد إذن زوجي طبعاً قال لي سيتصل زوجكِ خلال أيام ويعطيك الإذن وبعد ساعات من التحقيق فتح لى الباب برقم سري ايضاً لأخرج وأمضي فقلت لهم وأين زوجي؟ وبعد ثلاثة أشهر تم الضغط على السعودية والامارة ليعطوني جواز سفري فأخذته وسافرت إلي مصر حتي جائتنا أخبار أنهم منعوا عني جواز السفر طوال الشهور الماضية لأني كنت أكبر وسيلة للضغط عليه ومن يومها لم يتصل علىّ إلا مرتين فقط ومعتقل منذ 3 سنوات و9 أشهر وأخر مكالمة اتصل على فيها كانت منذ سنتين ونصف في عيد الأضحى حتى الآن لم ترد علينا السلطات السعودية بأي تهمة ولا نوع القضية ولا تم عرضه على أي جهة قانونية للمحاكمة، وممنوعين حتي من تكليف محامي للدفاع عنه لأنه لا توجد قضية ويحولون بيننا وبين أخباره، حتي سلكنا كل السبل من سفارة إلى خارجية إلى مجلس وزراء ومجلس عسكري لكن دونما جدوى. "خايفين على العلاقات الديبلوماسية ما بينا وبين السعودية على الرغم من أن هناك أكثر من 50 معتقل مصري بالسعودية بنفس حالة زوجي ولم تثبت عليهم أي تهمة" بتلك الكلمات اختتمت اسراء كمال حديثها للوادي، بعد أن انقطعت بها كل السبل إلا من الله عزوجل فآخر مكالمة كان مايزال بالمباحث العامة في سجن الدمام السياسي. المآساة الثانية تتمثل في نجلاء يحيى محمد وفا سيدة مصرية محبوسة منذ 3 سنوات فى السجون السعودية لمجرد أن الأميرة مضاوي ابنة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز بن سعود، غضبت عليها لأسباب تجارية فيما بينهما في مؤسسة هنايا الحديثة للمقاولات والمناسبات رغم الشراكة القديمة فيما بينهما. نجلاء أم لطفلين صغيرين ووالدتها مصابة بورم سرطانى فى المخ وكل أمانيها أن تراها قبل أن يأتى أجلها. ويذكر خالد الشربيني، صيدلي مصري، ناشط سياسي، أنه فى رمضان الماضى حدثت مشكله فى مطار جدة اعتُقل على أثرها 3 مصريين ومازالوا معتقلين حتى الأن بعد أن اعتصم على الطائره ومعه 14 معتمر فقاموا بتحرير محضر ضد السلطات السعودية لاعتقال المعتمرين المصريين وحبسهم فى المطار لمدة 4 أيام. ويشير الي رفعه قضية على وزارة الخارجية المصرية والسفير والقنصل المصرى هناك، لكنها حفظت كغيرها ولم يحكم فيها حتى الأن وكان رد السلطات السعودية رفضهم لتأشيرته ومنعه من دخول المملكة ، علي حد قوله. وذكر رزق الطرهوني، والد محمد رزق ، شيخ أزهري مصري معتقل منذ 6 سنوات بالسعودية، اعتقال سياسي دون أن يعرف عنه ذويه إذا ما كان حيا أم ميتا ، وطالب أعضاء مجلس الشعب الذين ذاقوا آلام الإعتقال ومرارة الظلم في عهد الرئيس السابق أن يكون من ضمن أولوياتهم خلال الجلسات المقبلة الضغط علي السلطات السعودية للإفراج عن المعتقلين المصريين في سجون المملكة. معتقل سياسي مصري يدعي أحمد السعيد، بسجن الدمام السياسي منذ 3 سنوات ، بلا محاكمة وله أربعة أطفال يُتموا ووالدهم على قيد الحياة. محمد فتحي، مصري معتقل سياسي بالسعودية منذ عام 2003 ، لأكثر من 9 سنوات بلا محاكمة، اعتقل وعمره 17 سنة، ايهاب قدح، محاسب 28 عام فقد وظيفته بكارفور الاسكندرية بسبب آل سعود عام 2009 وحتي الآن مطلوب تسليمه للسلطات السعودية. كما اعتقل يوسف عشماوي (24) سنة في الرابع والعشرين من أغسطس لعام 2008، مهندس كمبيوتر، معتقل بسجن أبها السياسي دون محاكمة منذ ثلاث سنوت و9 شهور، يروي أبوه أن الشركة التي كان يعمل بها كلفته بأحد المهام في إحدي الجهات الأمنية بالسعودية ولكنهم أخذوه إلي السجن دون ابلاغ أهله أو حكومة بلاده وسفارتها وكأنه لا يحمل جنسية مصرية، فضلا عن عدم احترام قيمة ومكانة مصر وبالتالي فليفعلوا في أبنائنا ما يشاءون. وتسائل عشماوي يوسف لماذا يسجنون ابني ،وأخر ما توصل إليه من قبل الخارجية المصرية أن السلطات الأمنية السعودية اتهمت يوسف بالدخول علي موقع محظور وحينما نظم ذويه وأصدقائه وقفة احتجاجية أمام السفارة السعودية بالقاهرة فوجئوا بإحتجازه انفراديا لمدة ستة أشهر اضافية نتيجة الموقف المخزي للسفارة المصرية حسبما يقول والده الذي اختتم حديثه قائلا "إذا لم تحفظ الدولة كرامة أبنائها فلن تجد دولة أخري تحافظ لها علي مواطنيها وعلي كرامة رعاياها بالخارج". خالد محمد موسى ، معتقل مصري، بسجن أبها السياسي بالمملكة العربية السعودية منذ 8 سنوات بلا محاكمة وله من الأبناء خمسة، ترك ابنته الصغيرة عمرها لا يتعدي الشهرين، ويتسائل محمد موسي ،شقيقه عن ذنب أخيه الذي لم يكن أحد يصدق أن تفعل السعودية ذلك بأن تأخذ مواطنين أبرياء وتضعهم في سجونها بدون ذنب فكيف يمكن أن نحمي أبنائنا في الخارج وما الذي غيرته ثورة 25 يناير في ملف المصريين الذين تغربوا للخارج بحثا عن الرزق؟ مصطفي أحمد البرادعي تم اعتقاله منذ سنتين ونصف وعمره 21 عاما بسجن أبها السياسي أيضا بدون محاكمة أو قضية كما تحكي والدته رغم أنه العائل الوحيد للأسرة بعد وفاة والده بعد أن رفض اكمال تعليمه حتي يعف أمه عن النزول إلي العمل، وكان يعمل فني كمبيوتر بالمملكة العربية السعودية، لكنه بعد سفره بأربعة شهور انقطعت أخباره لمدة 6 أشهر، فاتصلت بأحد أصدقائه فأخفي عليها في البداية ثم أخبرهم بعد ذلك بنبأ القبض عليه وحبسه انفراديا تحت الارض دون تهمة محددة، لدرجة أنني لم أصدقه بعد 6 أشهر غياب فسألته انت مصطفي؟ انت عايش يا ابني؟ انت لسه علي وش الدنيا؟ انت بخير ؟ وسألته عن سبب سجنه؟ فأقسم لي أنه لا يعرف شيئا عن ذلك ووعدني إنه يتصل بي كل شهر دون أن يخوض معي في تفاصيل حياته حتي لا يتم تعذيبه من قبل الأمن السعودي . واستطردت أن مصطفي كان يعمل من التاسعه صباحا حتي منتصف الليل وكان لا يفكر في أي شئ أخر حتي وقع في يد من لا يرحم ثم لم تتمالك دموعها من البكاء وهي تقول "أنا بناشد أي حد في سلطته يرجع لي ابني الأغلي عندي من كل كنوز الدنيا، وأن يأخذوني بدلا منه لو عايزين يملأوا سجونهم، أنا مش عايز الدنيا دي بس ابني يخرج لحياته وشبابه يعيش زيه زي أي شاب، أنا أم عايزه ابنها وعلي استعداد أن أكل عيش حاف بس يرجعوا لي ضنايا، هو كان مسافر علشان يتكفل بي وأخواته، أنا مش عايزة حاجة، ومن حرقة قلبي باقول حسبنا الله ونعم الوكيل". وفي ذات السياق ، أدان البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان ما فعلته السلطات الأمنية السعودية تجاه المعتقلين في سجون المملكة بدون تحقيقات، ووصفت هذا المسلك بانه مخالفة قانونية وخرقا دستورية واضحا لكل الأعراف والمواثيق الدولية وخاصة لمواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،خاصة المادة (14) المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة، والحق في الدفاع، والمادة (19) الخاصة بحرية الرأي والتعبير والمادة (13) المتعلقة بالحق في التنقل، وكذلك تعد مخالفة لمجموعة القواعد المتعلقة بعمل المحامين والصادرة عن الأممالمتحدة. واستنكر البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان اهمال الدولة المصرية لملف انتهاكات حقوق المصريين في المملكة العربية السعودية الذي يجب التعامل الحكومي الحازم معه من قبل المسئولين المصريين، وعدم التهاون في السعي بكل السبل القانونية والسياسية لحماية حقوقهم جميعا والعمل علي إعادتهم سالمين إلي أوطانهم، كما يؤكد البرنامج العربي كذلك علي ضرورة قيام منظمات المجتمع المدني المصري بفتح ملف انتهاكات حقوق المصريين في المملكة والسعي القانوني نحو تمكينهم من استرداد حقوقهم المسلوبة وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار جراء قيام المسئولين في المملكة لحقوقهم المكفولة لهم بموجب المواثيق الدولية. ويهيب البرنامج بالحكومة المصرية سرعة اتخاذ قرارات حاسمة سياسيا وقانونيا لضمان احترام حقوق المصريين وحفاظا علي كرامتهم، مؤكدا عن عزمه مقاضاة الحكومة السعودية حفاظا علي حقوق المصريين.