أعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن رفضه للفلسفة والرؤية التي تعبّر عنها الصياغات التي انتهت إليها الجمعية التأسيسية في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة وباب المقومات الأساسية للدولة، مؤكدًا أن الدستور يؤدى إلى تقييد الحريات العامة والانتقاص من حقوق الإنسان، فضلا عن عدم استيعاب نصوصه لمفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة، والسعي لتأسيس دولة دينية تتبنى في دستورها مذهبًا بعينه يمنح المؤسسة الدينية سلطات ذات طبيعة سياسية، وتقوم الدولة الدينية بالأساس على تقييد الحريات العامة والخاصة، وتبني الجمعية التأسيسية لمواد تسمح بتعدد النظم القانونية التي تؤطر شئون المصريين، وذلك انطلاقًا من اعتبارات دينية وطائفية. وأشار المركز في بيان له اليوم أن هذه خطوة خطيرة في اتجاه "لبننة" البلاد، وتحويلها لدولة طائفية، ويخشى المركز أن تكون مقترحات الجمعية التأسيسية هي الوجه الآخر لما يجري في سيناء، من بروز توجهات انفصالية واضطهاد على أسس دينية. وهو الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، التي انتزعها الشعب في ثورة 25 يناير عبر نضال طويل لعدة عقود وتضحيات عظيمة. وأضاف المركز أن مداولات الجمعية التأسيسية تكشف عن عداء مستحكم لحرية الصحافة والإعلام ، حيث ما زال الدستور المقترح يبيح إنذار ووقف وإلغاء الصحف، الأمر الذي يهدر نضال مرير للصحفيين والمجتمع المدني ضد فرض تلك العقوبات الجائرة الجماعية في عهد الرئيس الذي أطاحت به الثورة ،كما يقيد مشروع الدستور الحق في تداول المعلومات بدعاوى "الأمن القومي"، وهو مصطلح فضفاض طالما استخدمته الدولة وأجهزتها في حرمان المواطنين، وخاصة الصحفيين والباحثين من الحصول على المعلومات أو نشرها. وأوضح المركز أن النص الخاص بحرية التنظيم وتكوين الجمعيات فيكشف عن تبني الجمعية التأسيسية لمفهوم جهاز مباحث أمن الدولة في عهد مبارك "عن تعارض حرية المجتمع المدني مع السيادة الوطنية"، وهي ذات المزاعم التي دأبت الحملات الأمنية الإعلامية قبل الثورة على استخدامها لحصار منظمات المجتمع المدني، وتبرير تضييق الخناق عليها؛ بزعم أنها تعمل لخدمة أهداف خارجية ، المفارقة أن مبارك لم يجرؤ على وضع ذلك القيد في الدستور أو في القانون، ولكن الجمعية التأسيسية، بعد ثورة قامت ضد مبارك ودستوره، قررت تبنيه، إن تلك المادة تتيح لأي حكومة توجيه ضربات استباقية ضد العمل الأهلي والنشاط الحقوقي تحت مظلة الدستور. ولاحظ مركز القاهرة أن المشكلة الأكبر في قوام هذه الجمعية لا تقتصر على عدم تمثيلها مكونات المجتمع المصري بشكل متوازن، ولكن في كونها لا تضم الحد الأدنى من الكفاءات المؤهلة مهنيًا وعلميًا وثقافيا بصرف النظر عن خلفياتها السياسية والدينية لأداء مهمة كتابة مشروع الدستور ، حتى إن الأمر يبدو كما لو أن المعيار الأول الذي اعتمد لدى الذين اختاروا تلك الجمعية أي أغلبية أعضاء مجلس الشعب المنحل ومجلس الشورى هو إقصاء المؤهلين للاضطلاع بهذه المهمة. وأكد المركز أن تمثيل هذه التوجهات في الجمعية التأسيسية بصرف النظر عن الخلفية السياسية أو الدينية هو ما يفسر تبني الجمعية لأفكار ومواد ومنطلقات شاذة لم تعرفها الدساتير المصرية السابقة أو دساتير الدول الأخرى، مثل تصور أن الله يحتاج مادة في الدستور لحمايته ، وكذلك استخدام عبارات ومفاهيم ليس لها توصيف قانوني أو علمي مثل "الشورى" أو "الدولة الشورية"، الأمر الذي يحول الضمانات الدستورية إلى ألعوبة تتقاذفها أهواء المفسرين ومصالحهم الضيقة ، كما يفسر حجم تمثيل هذه التوجهات هذا العداء المتفشي تجاه حقوق المرأة والطفل، وحرية الإعلام وتداول المعلومات، والحق في المواطنة، وحرية المجتمع المدني، والحريات الدينية ، بل لقد بلغ التراجع في ضمانات بعض هذه الحقوق أن جاء بدرجة أشد تقييدًا مما كان عليه الحال في الدستور الذي هبت ضده ثورة 25 يناير.