"الباحث عن الحقيقة" ما هو الا أسم قد يُطلق على أكثر شخصية أثارت جدلاً في القرن العشرين ونشأت حولها المعارك والأزمات .. الدكتور والفليسوف مصطفى محمود الذي تمر علينا اليوم ذكرى وفاته ،الذي آثار حوله الجدل والتساؤلات من خلال أرائه وأفكاره الدينية وتساؤلاته التي انطبعت في ذهن الناس أنه قد وصل إلى الإلحاد والكفر لمجرد بحثه عن الحقيقة ،ربما لكتابته "حوار مع صديقي الملحد" أو لأنه بدأ يبحث عن الدين بطريقته الخاصة فبدأ الدين من أول السطر عكس الناس الذين ولدوا بالمسلمات الموروثة. أراد أن يصل إلى الحقيقة بعد صراع ورحلة طويلة في حياته أخذ يتأمل الكون ويبحث فيها عن اليقين بعد الشك ،الشك الذي لا يعتبره كفراً أو الحاداً إنما وصولاً للقرب من الله والإيمان الحقيقي الموجود في الباطن وليس الظاهر ،وقد قال محمود في هذا الشأن "و لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة و تركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. و لقادتني الفطرة إلى الله .. و لكنني جئت في زمن تعقد فيه كل شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همسا و ارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة و غرور ا و اعتداد ا .. والعقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه واقفا على هرم هائل من المنجزات و إذ يرى نفسه مانحا للحضارة بما فيها من صناعة و كهرباء و صواريخ و طائرات و غواصات و إذ يرى نفسه قد اقتحم البر و البحر و الجو و الماء و ما تحت الماء .. فتصور نفسه القادر على كل شيء و زج نفسه في كل شيء و أقام نفسه حاكما على ما يعلم و ما لا يعلم". وُلِدَ العالم مصطفى محمود في محافظة المنوفية عام 1921، درس الطب وتخرج عام 1953 ،ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام1960م، قام بتأليف 89 كتابًا، يتراوح بين القصة والرواية الصغيرة إلى الكتب العلمية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الفكر الديني والتصوف و مرورا بأدب الرحلات ،وقدم برنامجه التليفزيوني الشهير "العلم والإيمان" الذي عرضه على التليفزيون لمدة 18 عاماً ، تناول فيه العلم على أسس إيمانية يعرض فيه عجائب وغرائب هذا الكون وقدرة الله علي تغيير الأشياء مما جعل الناس يقفون حائرين مسبحين معظمين الله. بدأ حياته متفوقاً في الدراسة، حتى ضربه مدرس اللغة العربية؛ فغضب وانقطع عن الدراسة مدة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة.وفي منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتُهر ب"المشرحجي"، نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما ،ورغم احترافه الطب الإ أنه اختار الكتابة عندما أصدر الرئيس عبد الناصر قراراً بمنع الجمع بين وظيفتين. تعرض لأزمات فكرية كثيرة كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه (الله والإنسان) وطلب عبد الناصر بنفسه تقديمه للمحاكمة بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر!..إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب, بعد ذلك أبلغه الرئيس السادات أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى. كان صديقاً شخصياً للرئيس السادات ولم يحزن على أحد مثلما حزن على مصرعه يقول في ذلك "كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلاً رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم.. وعندما عرض السادات الوزارة عليه رفض قائلاً: "أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة.. فأنا مطلق.. فكيف بي أدير وزارة كاملة..!!؟؟ فرفض مصطفى محمود الوزارة مفضلاً التفرغ للبحث العلمي. اعتزل الكتابة في عام 2003 وأصبح يعيش منعزلاً وحيداً ،وقد قال عنه الشاعر الراحل كامل الشناوي "إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث في الأديان بدء بالديانات السماوية وانتهاء بالأديان الأرضية ولم يجد في النهاية سوى القرآن الكريم". احتل المركز ال 11 كأفضل 20 عقل بشري على مستوي العالم في القرن العشرين طبقاً لإحصائيات دولية ،توفى في 31 اكتوبر عام 2009. من أبرز كتبه :"الإسلام في خندق" ،"رأيت الله" ،"السؤال الحائر" ،"رحلتي من الشك إلى الإيمان" ،"كلمة السر" ،"الشيطان يحكم" ،"عصر القرود".