أكراد العراق يحققون 'حلمهم' دون إطلاق رصاصة واحدة! تغنى الشعراء بها على مدى أجيال.. وظل مقاتلون تحصنوا في جبالها يتدربون لعقود من أجل السيطرة عليها. ولكن عندما استولت القوات الكردية اخيرا على مدينة كركوك تحقق حلم الآباء خلال ساعات دون إطلاق رصاصة واحدة. وانهارت سيطرة بغداد على شمال العراق أمام هجوم يشنه متشددون مسلحون سنة مما أتاح للأكراد السيطرة على المدينة التاريخية التي يعتبرونها كالقدس بالنسبة لهم وأصبحوا فجأة أقرب من أي وقت مضى إلى هدفهم الأبدي وهو إقامة دولة مستقلة خاصة بهم. وبعد أن سيطر مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على الموصل أكبر مدينة في شمال العراق وتحركوا العاصمة بغداد لم يضيع المقاتلون الأكراد وقتا في الحشد. وسيطر المقاتلون الأكراد بشكل كامل على كركوك وبعض الأراضي المحيطة بها. وفي المجمل زاد الأكراد مساحة الأراضي التي يسيطرون عليها بنحو 40 في المئة دون اللجوء لخوض معركة واحدة. وتشمل الأراضي الجديدة حقول نفطية يعتبرها الأكراد حقا لهم وأساسا لرخاء أي دولة مستقلة لهم في المستقبل. واستولى الأكراد على القواعد التي هجرها الجيش العراقي في كركوك وحملوا كل شيء من الأسلحة إلى أجهزة التكييف والمركبات المدرعة والحشايا (المراتب) في حماسة أعادت إلى الاذهان المشاهد التي أعقبت سقوط صدام حسين في 2003. وفي الوقت الراهن لايزال المسؤولون الأكراد يدرسون خياراتهم بالنسبة للخطوات المقبلة لكنهم أوضحوا بأن التسوية التي أبقت على العراق كدولة واحدة تمزقت. ويسعى الأكراد البالغ عددهم 30 مليونا والمشتتون بين العراق وإيران وسوريا وتركيا لقيام دولة لهم منذ أن حرمهم القائمون على ترسيم خريطة الشرق الأوسط الحديث من ذلك القرن العشرين. وأتاح هذا تحويل العاصمة الإقليمية أربيل إلى مدينة مزدهرة حتى في الوقت الذي ظلت فيه بغداد ساحة حرب تتناثر فيها القمامة والأسلاك الشائكة والجدران الخرسانية. ومنذ سقوط صدام، يشغل الأكراد منصبي رئيس البلاد ووزير الخارجية ولعبت الأحزاب السياسية الكردية دور صانعي الملوك في بغداد إذ ساعدوا في اضفاء مظهر الشمولية على الحكومة التي يقودها الشيعة. وبنى الأكراد دفاعاتهم بإقامة حزام أمني يمتد لأكثر من ألف كيلومتر من الحدود الإيرانية وحتى سوريا ويدور حول الموصل وهي مدينة تعدادها نحو مليوني نسمة ولا يبدو أن لدى الأكراد النية للمحاربة من أجلها. وقال مسؤول أميركي سابق إن الأكراد "ليسوا مهتمين بالموصل.. سيواصلون التوسع لما بعد الخط الأخضر وستكون كثيرا من هذه الأراضي مرتبطة بالنفط". وفي الأيام التي أعقبت سقوط الموصل لمح البعض في بغداد إلى أن البشمركة قد تهب لمساعدة الحكومة العراقية وتستعيد السيطرة على المدينة التي تبعد ساعة بالسيارة عن أربيل نيابة عن بغداد. ويقول الأكراد إنهم لم يتلقوا طلبا رسميا بالمساعدة من بغداد. لكن حتى لو طلبت بغداد ذلك فانها لا تملك ما تقدمه للأكراد مقابل هذه الخدمة بعد أن حصل الأكراد بالفعل على غنائم مثل كركوك. وتقول إيما سكاي وهي مستشارة سياسية سابقة للجيش الأميركي في العراق إن بعض القادة السياسيين الأكراد ربما كانوا ينتظرون طوال الوقت انهيار النظام الحاكم في بغداد فكانوا يساعدون رئيس الوزراء نوري المالكي مع المراهنة على أن العراق سينهار من حوله. وقالت "بالنسبة للأكراد يرى بعض الزعماء أن الاستقلال الكردي سيتحقق مع انهيار العراق وان المالكي هو الشخص الذي سيدمر العراق على الأرجح. الاستقلال أصبح وشيكا بالنسبة لهم". لكن هذا الأمر ينطوي على خطر أن يجد الأكراد أنفسهم في حالة حرب مع الدولة الإسلامية في العراق والشام وينساقوا إلى العنف الذي تجنبوه حتى الآن وعلى مدى أكثر من عقد. ويعيش الكثير من العرب السنة في المناطق المتنازع عليها وبينها كركوك. وقد يقبل البعض حكم الأكراد إذا أرسى السلام لكن البعض قد يسعى للحصول على دعم الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي لم يحصلوا عليه من الجيش العراقي. وتقول سكاي "الخطر بالطبع هو أن تقدم الدولة الإسلامية في العراق والشام نفسها على أنها المدافع عن السنة في (المناطق المتنازع عليها) وتبدأ معركة مع الأكراد قد تكون بداية لحرب بين العرب والأكراد".