شريف الشوباشى للوادي: فترة تولى محفوظ الرقابة كانت العصر الذهبى للسينما سلماوي : محفوظ اتصل ب عز الدين ذو الفقار للتظلم من قرار الرقابة وقال: أنا مجرد المدير ولست رقيب ربما كانت روايات نجيب محفوظ من أكثر الأعمال عرضة لمقص الرقيب عندما تم تحويلها لاعمال سينمائية وتعرضت عدد من رواياته وسيناريوهاته لأحكام رقابية صارمة ضد, وكتب نجيب للسينما 26 سيناريو وجسدت السينما 22 رواية من رواياته التلاتين, ومن أهم المعارك التي خاضها معركته في فيلم صلاح الدين الأيوبي مع الرقيب محمد ناصف, ورحلته في نشر "اللص والكلاب" على حلقات في جريدة الأهرام بعد رفض الرقابة نشرها, وإذا تحدثنا عن معاركه الرقابية لابد أن تنذكر معركة رواية "القاهرة الجديدة " التي تحولت فيما بعد للفيلم العظيم "القاهرة 30" وأصدرها عام 1946. جلس محفوظ على كرس الرقيب في عام 1959 لمدة خمس سنوات متتالية, فماذا فعل ؟ ويقول شريف الشوباشي الكاتب ورئيس مهرجان القاهرة السينمائى الاسبق، ان الفترة التى تولى فيها الاديب العالمى نجيب محفوظ رئاسة هيئة الرقابة الفنية عام 1959 ، كانت "العصر الذهبى" للسينما المصرية طوال عقد الستينييات، حيث قدمت فى تلك الفترة اجمل الافلام السينمائية المصرية وأضاف، نظرا لان شخصية نجيب محفوظ تتمتع بالعمق وحب الحرية وهو ما انعكس على ادائه كرقيب اديب وليس كأي رقيب نمطى يتسم بالجمود، وهو ما شاهدناه عبر تاريخنا مع الرقباء السينمائيين طوال الفترات الماضية. محمد سلماوي يقول : كان المرحوم عزالدين ذوالفقار قد حدثني ذات مرة عن أن الأستاذ نجيب محفوظ اتصل به وقت أن كان الأستاذ مديرا للرقابة, وقال له: إن الرقابة علي وشك أن تمنع فيلمك الأخير فلماذا لم تتخذ أي إجراء إزاء ذلك؟ فقال له المخرج الراحل: ألست أنت الرقابة؟ فقال له محفوظ: لا, أنا مجرد المدير, وعليك أن تتظلم فورا من هذا القرار حتي نشكل لجنة للنظر في طلبك قبل أن يسري قرار المنع. وقد سألت الأستاذ نجيب عن تلك الواقعة فقال لي: هذا صحيح, فقد كنت قد وضعت نظاما في الرقابة وقت أن توليت إدارتها عام 1959, بأن تشكل لجنة محايدة من المثقفين للنظر في تظلمات أصحاب الأعمال التي ترفضها الرقابة, لكن هذه اللجنة لم تجتمع إلا مرة واحدة في حالة عزالدين ذوالفقار, لأنه لم يتم حظر أي فيلم أو مسرحية طوال وقت ولايتي للرقابة. قلت: وماذا تم في حالة الفيلم المذكور؟ قال: أجازت اللجنة الفيلم وأوصت بحذف مشهد واحد فقط لرقصة رأت أنها خليعة وليست في صلب البناء الدرامي للفيلم, لكن خلاف تلك الواقعة الواحدة لم تحذف الرقابة في عهدي أي مشاهد من أي أعمال درامية. قلت: وماذا عن أعمالك أنت السينمائية في ذلك الوقت؟ قال: لقد اتخذت قرارا بوقف تعاملاتي مع السينما طوال فترة رئاستي للرقابة, كانت هناك بعض التعاقدات السابقة وتلك لم أتدخل فيها, لكني رفضت أي تعاقدات جديدة الي أن تركت الرقابة. قلت: لكن كتاباتك الأدبية تعرضت للمنع أكثر من مرة فقال وهو يلوح بيده: أوه! خد عندك! بعد حرب1967 رفض الأهرام نشر المرايا, وقد أخبرني الأستاذ علي حمدي الجمال مدير التحرير أن الأهرام ليس لديه مانع من أن أنشرها في مكان آخر, لذلك أعطيتها للأستاذ رجاء النقاش الذي كان رئيسا لتحرير مجلة الاذاعة والتليفزيون وقد استأذن وزير الإعلام آنذاك الأستاذ محمد فايق الذي وافق علي النشر, وقد نشرت المرايا في المجلة مصحوبة برسوم بديعة لفنان الاسكندرية الكبير سيف وانلي.أما في عهد الرئيس السادات, فقد اعترض الأهرام علي نشر الحب تحت المطر, لكن رئيس التحرير آنذاك الأستاذ أحمد بهاء الدين قال لي إنه سيسعي لنشرها في مكان آخر, وكان المجلس الأعلي للشباب والرياضة برئاسة الدكتور أحمد كمال أبوالمجد قد أصدر مجلة جديدة عين لها أحمد بهاء الدين مستشارا, فكان أول ما فعله بهاء للمجلة هو أن نشر فيها الحب تحت المطر مسلسلة. لكني لا أنسي أبدا ل الأهرام أنه أصر علي استكمال نشر رواية أولاد حارتنا عام1959 برغم اعتراض بعض الشيوخ عليها, وكان رأي الأستاذ هيكل آنذاك أن الأهرام طالما وافق علي النشر فهو سيكمله حتي النهاية. ويذكر سلماوي عن الرقابة حدثني الأستاذ قائلا: أما حين وقعت علي بيان توفيق الحكيم ضد حالة اللاحرب واللاسلم التي كانت سائدة قبيل حرب1973, فقد منعت أعمالي كلها من التليفزيون وأوقفت حتي كتاباتي الصحفية. ومن المعارك الأكثر شراسة هي معركة محفوظ عندما عرض فيلم الكرنك، ووصل الأمر الي رفع صلاح نصر دعوي قضائيه علي الفيلم يتهمه بتشويه سمعته وكأنهم يتهمونه بالفساد والديكتاتورية ممثلاً في شخصية خالد صفوان في فيلم الكرنك والتي جسدها كمال الشناوي، وسارع نجيب محفوظ بتوكيل المحامي الكبير لبيب معوض في القضية مطالباً إخراجه من الدعوي، متعللاً بأن كتب شخصيات الروايه دون تشخيص ودون ذكر لاسم صلاح نصر، وبعد عدة أسابيع في أروقة المحاكم رفضت دعوي صلاح نصر بعد أن قامت هيئة المحكمة بمشاهدة الفيلم في قاعة مغلقة، ورأت أنه لا يوجد في مشاهد الفيلم ما يشير بشكل حكمي إلي أن شخصية خالد صفوان في الفيلم هي تجسيد لصلاح نصر. إلا أنه وقبل وصول الفيلم إلي قاعات المحاكم كان قد مر، كعادة أفلام نجيب محفوظ، ببعض العثرات في مبني الرقابة، التي تخوفت من إجازة الفيلم لأنه لأول مرة يتم فتح ملف مراكز القوي في تلك الفترة، والانفراد بالسلطة، وتمت إجازته بعد تدخل مباشر من الرئيس السادات، والتخفيف من مشهد اغتصاب رجال خالد صفوان لبطلة الفيلم سعاد حسني . هكذا كان لنجيب محفوظ معارك لا حصر لها مع كرسي الرقابة, فطالما تحرر هو من أفكار المقص الرقابي التي تقطع عنق المبدعين كما كان يقول.