شيئٌ ما عظيمٌ جداً يحدث هذه الأيام.........حدثٌ لا تمرُ دلالاته المحتملة علي مراقبٍ باحثٍ متابعٍ للحالة الإجتماعية و الإقتصادية بمصر. في أثناء إنشغال المصريين جميعاً بمناقشات لا تنتهي حول مسودة الدستور النهائية التي قُدمت إلي رئيس الجمهورية المؤقت للدعوة للإستفتاء عليها، كان عمال شركة "الحديد و الصلب" بحلوان يبدأون إعتصامهم داخل مقر الشركة "بالتبين". سيبادر البعض بالإتهام الجاهز دوماً واصفاً مطالب العمال "بالفئوية" و هو الوصف الذي تم صكُه مؤخراً للتحقير من أي مطلبٍ مشروعٍ لتبدأ بعدها مرحلة التشكيك في النوايا تجهيزاً لخشبة المسرح لما هو أخطر و أشد ظُلماً من مجرد وصف "الفئوية". ما هي مطالب عمال "الحديد و الصلب"؟ و هل هي مطالب "فئوية" أم أنها مرتبطةٌ بالإنتاج بالشركة علي وجه التحديد و بالشأن الوطني العام إجمالاً؟ دعونا ندخل في الموضوع مباشرة فنجيب علي تلك التساؤلات من واقع ما يرفعه العمال من شعاراتٍ تعكس مطالبهم. يطالب عمال "الحديد و الصلب" بإصلاح أحوال الشركة المالية المتدهورة ودعم الدولة بتأمين المخازن التي تتعرض للسرقة بسبب تردي الأوضاع الأمنية و بتدخلها لتوفير "فحم الكوك" الذي يستخدم في تشغيل الآلات و يتم توريده للشركة من مصنع "النصر لصناعة الكوك" شبه المعُطل و صرف حقوقهم المادية التي إعتُمدت في الجمعية العمومية الأخيرة للشركة و إقالة رئيس الشركة القابضة البالغ من العمر 75 عاماً و يرأس الشركة منذ أيام المخلوع "مبارك" مُطبقاً سياساته التي أدت إلي التخريب العمدي لشركات القطاع العام لصالح شركاتٍ منافسةٍ من القطاع الخاص التي كان يمتلكها رموز نظامه (كحديد "عز" في حالتنا هذه) أو حتي يتم بيعها ضمن برنامج الخصخصة تطبيقاً لتعليمات صندوق النقد الدولي بأرخص الأثمان لأي لص دولي أثيم. وقد حدث بالفعل أن إنهارت أحوال شركة "الحديد و الصلب" التي أنشأها "ناصر" في أوائل الستينات من القرن الماضي لتكون قاطرةً للتنمية المستدامة من أجل تحقيق إستقلال القرار السياسي. و حتي أكون منصفاً في حُكمي علي مطالب عمال "الحديد و الصلب" ، فقد قمت بالإطلاع علي القوائم المالية للشركة في 30 يونيو 2013 و المعلنة علي موقعها الإلكتروني، فإذا بالأرقام الفادحة الكارثية تصدمني من النظرة الأولي: بلغت إيرادات النشاط 1.5 مليار جنية بينما بلغت تكاليفه 2.4 مليار جنيه أي أن مجرد تشغيل المصانع قد أدي إلي خسائر قدرها 0.9 مليار جنيه في سنة واحدة فإذا ما أضفت إليها الخسائر المُرحلة من السنوات السابقة و البالغة 0.7 مليار جنيه فأنت أمام خسائر مُجمعة تبلغ 1.6 مليار جنيه بينما تبلغ قيمة رأس المال 0.9 مليار جنيه أي أن خسائر الشركة قد تجاوزت رأس المال بنحو 0.7 مليار جنيه. و هنا يحق لنا ان نضع بدلاً من علامة التعجب الواحدة مليار علامة تعجب فهكذا كانت و مازالت الصناعة المصرية تُدار و هكذا كانت و مازالت ردود أفعال عمال مصر المُدركين بحقٍ لمدي إرتباط تحقيق مصالحهم الطبقية بنجاح مصانعهم المرتبط بدوره بقضايا الوطن بشكلٍ عام. يُخطئ من ينعت عمال مصر بما ليس فيهم فينسب لهم أسباب تردي الأوضاع و يطالبهم بالكف عن تحركاتهم الإيجابية الواعية التي تتأكد جديتها و وطنيتها في نقد ممارساتٍ ظالمةٍ بحقهم و تخريبٍ متعمدٍ بحق الصناعة المصرية كالغزل و النسيج و الحديد و الألومنيوم. و أظن أن الصورة تتضح يوماً وراء يوم. نعم، شيئٌ ما عظيمٌ جداً يحدث هذه الأيام يقود طليعته عمال مصر الوطنيون لإقتلاع الفساد الذي أثبتته أرقام "الحديد و الصلب" و عمالها الأحرار قلبُ الصناعة الوطنية ف................."بَصَرُكَ 0لْيَوْمَ "حَدِيدٌ".