على بعد أيام قليلة ..تحتفل مصر بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير، ثورة الغضب أو ثورة الشباب وكلها مسميات لحدث واحد ثورة فجرها شباب مصر المتقد بالحماس والمفعم بالوطنية ، لقد ضحى شباب مصر بدمائهم وبأرواحهم من أجل قيم نبيلة أمنوا بها، ولولا هؤلاء الشهداء لما نجحت تلك الثورة، ولولا شجاعتهم واستعدادهم للتضحية بأرواحهم لما كانت مصر حرة الأن ولما سقط الرئيس المخلوع حسنى مبارك ولماشهدت مصر انتخاب أول رئيس مدنى اختاره الشعب فى انتخابات حرة نزيهة وإقرار الدستور رغم الاختلافات حوله، فالأجيال القادمة ستذكر بكل فخر تضحيات شباب مصر من أجل الحرية والكرامة . شباب ثورة يناير الذى بهر العالم بحشدهم أكثر الوسائل التكنولوجية تقدما للتعبير عن رأيهم وحدد موعد الثورة عبر موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك" ومن أشهرها كلنا خالد سعيد بالإضافة إلى عدد من الحركات السياسية المعارضة ... إن الخامس والعشرين من يناير يمثل يوما فاصلا فى تاريخ مصر المعاصر يضاف إلى أيامها الخالدة التى شهدت تحولات كبرى أثرت فى مسيرتها نحو الديمقراطية ، وفى هذا اليوم نتذكر الشهداء الذين سقطوا من أجل أن نحيا هذا اليوم المجيد . خرج المصريون إلى الميادين والشوارع الرئيسية فى أغلب المدن المصرية ثائرين على الظلم والقهر والفقر والفساد الذى عانوا منه سنوات طويلة وضرب كل قطاعات الدولة ،إلى جانب استمرار العمل بقانون الطوارىء المعمول به منذ سنوات وبالتالى سطوة رجال الشرطة التى عانى منها المواطن المصرى ، واستمرار الفترة الرئاسية للرئيس السابق منذ عام 1981 وطوال 30 عاما تعرضت فيها مصر للفساد فى قطاعات كثيرة ترتب عليه تدهور اقتصادى واجتماعى للدولة ثم البرلمان المزور لصالح الحزب الوطنى المنحل، فكانت الثورة التونسية التى أطاحت بالرئيس التونسى زين العابدين بن على الفتيل الذى أثر بشكل مباشر فى إطلاق شرارة الغضب الشعبى فى مصر تجاه استمرار نظام مبارك . ولم يتخيل أحد ولا حتى هؤلاء الشباب الذين نظموا ودعوا إلى تلك التظاهرات أن نظام الحكم الذى استمر 30 عاما كان هشا ومهلهلا لهذه الدرجة فسقط خلال 18 يوما فقط مثلت أعظم مشاهد الثورة حيث كان الثوار على قلب رجل واحد مما يؤكد أن التغيير لايحتاج للعنف إذا توحدت إرادة الأمة على هدف التغيير وصممت على النهوض بمهمتها التاريخة ، فمع سقوط أول شهيد للثورة فى مدينة السويس اندلعت الثورة فى كل أنحاء مصر "بسرعة البرق" سقط خلالها أكثر من 850 شهيدا ونحو 12 ألف مصاب منهم أكثر من 1400 شاب مصابين فى عيونهم . عامان على ثورة مصرية حديثة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثورة أذهلت العالم بسلميتها وتحضرها ، ثورة أزاحت ركام عقود طويلة من الظلم والفساد، ثورة أطلقت العنان لأحلام كبيرة فى حياة أكثر عدلا للمواطن . ومن أبرز سمات ثورة 25 يناير أنها كانت ثورة شعبية سعت لتحقيق تحول سياسى عميق فى المجتمع ، وثورة جاذبة أيضا لأن شفافية المطالب الشبابية قد حازت تعاطف قطاعات الشعب المختلفة ، كما اتسمت الثورة بغياب الفروق الاجتماعية والدينية مما أعاد الوحدة الوطنية مرة أخرى بين عنصرى الأمة . ومهما كانت الاختلافات حول ماتم إنجازه من أهداف ثورة يناير، فالأمر المؤكد أن يوم 25 يناير ينبغى أن يظل يوما مجيدا لكل المصريين بكل طوائفهم ويعكس توحد إرادتهم السياسية ووفاقهم الوطنى على ضرورة رحيل النظام السابق تحت ضغوط جموع الشعب المصرى التى خرجت إلى ميدان التحرير وجميع ميادين المدن الكبرى تؤكد سلمية الثورة وتطالب بالكرامة والعدالة والديمقراطية . هذا المشهد هو الذى جعل الجيش المصرى يقف إلى جوار الثوار، ولقد أكد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن القوات المسلحة لعبت دورا تاريخيا فى نجاح الثورة بانحيازها وتأييدها لمطالب الشعب والثوار المشروعة وحمايتها لميادين الثورة ، فقد كان موقف القوات المسلحة عاملا أساسيا فى أن تكون هذه الثورة بيضاء فلم يطلق رصاصة واحدة ضد أى متظاهر . وأضاف الخبراء أن التاريخ سيذكر الدور الوطنى للقوات المسلحة خلال وبعد الثورة ، فقد أوفى بوعده وسلم السلطة لرئيس منتخب ، وهذا يؤكد روح العسكرية العريقة . يرى المراقبون أن الناتج الأكبر والأهم لثورة 25 يناير بعد مرور عامين هم الشباب وقود الثورة والذين بدأت بهم الثورة وبهم ستستمر، جيل استطاع أن يعيد الأمل والثقة فى نفوس المسريين ، جيل على استعداد أن يفعل أى شىء ليعبر عن رأيه ، ولكن هناك لوما يوجه لشباب الثورة اليوم لأنهم انقسموا على أنفسهم وفشلوا فى تكوين إطار تنظيمى يجمع هذا الزخم، فالثورة أفرزت أفضل مافى مصر من عناصر الشباب، وبالرغم من ذلك فإن الأجيال الشابة مازالت لديها الإرادة والتصميم على تحقيق كل أهداف الثورة ولكن الأمر يتطلب بعض الوقت لاكتمال هذه الأهداف . واكتشفت الثورة المصريين أنفسهم الذين قاموا بهذه الثورة السلمية العظيمة التى أبهرت العالم والذين تغيروا بفضلها من النقيض إلى النقيض فقد فجرت الثورة لدى المصريين طاقة إبداع حيث تم كسر حاجز الخوف عنهم بلا رجعة فأصبح يعبر عن أرائه دون تردد وبطريقة صريحة وواضحة ، وأصبح كل مصرى مشغولا ومهتما بحال مصر ، وأصبح يشعر أن صوته يمكن أن يكون مسموعا.. لن يرضخ أو يسكت على حاكم ظالم أو فاسد ولن يقبل بحكومة أو برلمان لايعبر سوى عن مصلحة مصر المصريين ، وأصبح الاستبداد السياسى أصعب فى ظل وجود هذا الجيل الجديد الذى لن يسمح بالعودة للخلف وأصبح تأسيس أحزاب سياسية متاحا للجميع . وثمة دروس كثيرة مستفادة مما جرى خلال العامين الماضيين من عمر الثورة تتمثل فى أن إرادة الشعوب لم يعد من الممكن الالتفاف عليها وأنه حتى لو نجحت محاولات خداعها وتسكيتها بعض الوقت فإنها لايمكن أن تنجح طوال الوقت إلى جانب ضرورة الشفافية فى التعامل بين القائمين على الأمر وشعبهم ، إذ ثبت أن إخفاء الحقائق لم يعد مجديا وأن مايضر من إخفائها أكثر مما ينفع . كما اكتشفت الثورة أبعادا جديدة فى الشخصية المصرية إذ أنه لأول مرة فى تاريخ الانتخابات يقف المصريون طوابير طويلة لساعات من أجل حقهم الانتخابى ، وخرج الناخب المصرى لأول مرة عن صمته الانتخابى وجاء صوته فى صناديق الانتخابات سواء فى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية او الاستفتاء على الدستور ، إذ شعروا أنهم يشاركون فى صنع القرار السياسى ومن حقهم محاسبة ممثليهم وإعادة بناء نظام جديد من خلال التوافق الوطنى السياسى الاجتماعى كخطوة للأمام . ومن أهم الاكتشافات المؤثرة أيضا لثورة 25 يناير قوة الشارع التى تمثل قيدا وربما سقفا لكل من يدير مصر أيا كانت انتماءاته السياسية . ويرى المراقبون أن من أهم إيجابيات الثورة انتخاب أول رئيس مدنى للبلاد فى 30 يونيو الماضى ، فقد أصبح من حق المصريين اختيار رئيسهم من بين أكثر من مرشح ، ثم دستور جديد فى ديسمبر الماضى وبذلك انتهت المرحلة الانتقالية فى البلاد ، وبدأ الاستعداد لإجراء انتخابات مجلس النواب . ومن الإيجابيات أيضا سقوط النظام السابق ومحاكمته فى محاكمة القرن التى تجرى لأول مرة فى تاريخ مصر ، ومحاكمة أيضا رموز النظام السابق وذلك فى رسالة ذات مغزى وتأثير معنوى وتحمل عبرة وتحذيرا للرؤساء القادمين بأنه لا أحد فوق المساءلة القانونية ، كما فتحت الثورة أبواب الحرية أمام أبناء الشعب بعد أن كانت موصدة فى وجوههم ، وأتاحت الفرصة للقوى السياسية المصرية أن تتنافس على الساحة الوطنية بشرف بعيدا عن التزور والتلاعب بمقدرات الوطن . ومن الإيجابيات كذلك انتهاء عصر دولة الرعب وتكميم الأفواه والتزوير الفاضح فى الانتخابات وسقوط جهاز أمن الدولة وخروج عشرات الألاف من المظاليم الذين وضعوا فى السجون سنوات طويلة ظلما وعدوانا بالإضافة إلى بدء علاقة جديدة لم تتبلور ملامحها بعد بين المواطنين ووزارة الداخلية التى تقوم بتطوير نفسها لتحقيق الأمن والتى اختلفت نوعا ما طرق تعاملها مع المصريين . ولقد مضى عامان على الثورة واجهت خلالهما العديد من السلبيات تمثلت كما يرى الخبراء السياسيون فى كثرة الدعوات إلى المليونيات والمظاهرات التى أثرت سلبا على الاقتصاد والأمن والسياحة وحدوث مصادمات بين الجيش والمتظاهرين الذين اندست بينهم عناصر مخربة والفهم الخاطىء للحرية التى تجيز لهم التعدى على حرية الأخرين ، والانفلات الأمنى وانتشار ظاهرة البلطجة وإتلاف وحرق ذاكرة مصر التى تضم أندر الكتب المصرية والموسوعات التاريخية القيمة والفوضى الإعلامية . ومن السلبيات أيضا غياب التوافق الوطنى واستمرار التحريض ضد القوات المسلحة دون مراعاة اعتبارات الأمن القومى ، وماأدى إلى التشكيك فى الجيش الذى هو من الشعب وحمى الثورة والتزم بالإعلان الدستورى وأنجز مهمته . وفى الوقت الذى كانت تتطلع فيه مصر لحالة من الاستقرار بعد عامين من الثورة عاشت أجواء أزمة سياسية معقدة خلقت حالة من الانقسام والاستقطاب فى المجتمع والشارع المصرى عقب صدور الإعلان الدستورى الأخير فى ديسمبر الماضى والقرارات اللاحقة له والذى رفضته بعض القوى السياسية وأيده البعض الأخر خاصة تيار الإسلام السياسى وازداد الموقف اشتعالا عقب انتهاء الجمعية التأسيسة من المسودة النهائية للدستور. ويرى المراقبون أنه مابين الإيجابيات والسلبيات قد لاتكون الثورة حققت كل أهدافها وربما وجدت نفسها فى متاهة مرحلة انتقالية صعبة ذات اختلافات فى الرؤى ولكنها هى فى مرحلة تفاعل مستمر لتحقيق باقى الأهداف من خلال الحفاظ على إجماعها الوطنى والتمسك بأهدافها وفى مقدمتها القصاص من قتلة الثوار وإعادة محاكمتهم ، والتحقيق فى كل التجاوزات التى تعرض لها الثوار منذ 25 يناير 2011 أن مصر وهى تتطلع إلى مستقبل جديد فى بداية العام الثالث للثورة تحلم بمزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية . وأضافوا أن مصر تحتاج أول ماتحتاج إلى صنع المعادلة الصعبة بين المشاعر الملتهبة بروح الثورة وبين صوت العقل الذى يزن الأمور بميزان دقيق ، ونبذ كل صور العنف والتخريب ، والحفاظ على الدولة المصرية لأن الدولة هى الجامع والحارس وبدونها تكون الفوضى . وأوضح العديد من المحللين أن ثورة 25 يناير مثل كل الثورات العظيمة فى التاريخ لم تكن أبدا هدفا فى حد ذاتها وإلا لكانت مجرد انتفاضة أو عمل فوضوى ، وإنما كان لها هدفها الذى زأر به الملايين فى كل ميادين ميدان التحرير فى مصر وهو إسقاط النظام الاستبدادى الفاسد ليحل محله النظام الديمقراطي الحقيقي . ومهما كانت شدة الأزمة السياسية والاقتصادية التى تعيشها مصر فلن تثنى الشعب المصرى عن المضى قدما فى طريق ثورة 25 يناير المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية مهما كانت القوى التى تعترض مسار الثورة وتضع العراقيل أمام تحقيق أهدافها ، وأن وحدة القوى المشاركة فى الثورة كانت أقوى أسلحة ،تصارها على نظام الفساد ولابد من استرجاع هذه الوحدة بكل الوسائل ومهما كانت التضحيات لأن هذه التضحيات تصغر أمام المصالح العليا للوطن وثورته المجيدة .