«التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل    محافظ مطروح يتفقد أعمال تطوير وتوسعة طريق شاطئ الغرام    تعرف على طقس غسل الأرجل في أسبوع الألم    محللون: شهادات ال30% وزيادة العائد على أذون الخزانة تسحبان السيولة من البورصة بعد استقرار الدولار    ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا    دوافع الولايات المتحدة لإنشاء ميناء غزة المؤقت    الولايات المتحدة تعلن فرض عقوبات جديدة على روسيا    دون راحة.. الأهلي يستعد لمواجهة الجونة    ضربة مزدوجة للزمالك أمام البنك الأهلي في الدوري    تحرير 14 محضرا تموينيا متنوعا في شمال سيناء    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    معرض أبو ظبي.. نورا ناجي: نتعلم التجديد في السرد والتلاعب بالتقنيات من أدب نجيب محفوظ    خالد الجندي: الله أثنى على العمال واشترط العمل لدخول الجنة    «أكثر لاعب أناني».. مدرب ليفربول السابق يهاجم محمد صلاح    مصر للمقاصة تفوز بجائزة أفضل شركة للمقاصة في الوطن العربي    كوريا الجنوبية ترفع حالة التأهب القصوى في السفارات.. هجوم محتمل من جارتها الشمالية    6 مصابين جراء مشاجرة عنيفة على ري أرض زراعية بسوهاج    مواعيد قطارات مطروح وفق جداول التشغيل.. الروسي المكيف    حزب مصر أكتوبر: تأسيس تحالف اتحاد القبائل العربية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    أحمد السقا عن مشهد الرمال بفيلم السرب لفاطمة مصطفى: كنت تحت الأرض 4 ساعات    ارسم حلمك ب«الكارتون».. عروض وورش مجانية للأطفال برعاية «نادي سينما الطفل»    عاجل| الحكومة تزف بشرى سارة للمصريين بشأن أسعار السلع    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    «مايلستون» تنطلق بأول مشروعاتها في السوق المصري باستثمارات 6 مليارات جنيه    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    استشهاد رئيس قسم العظام ب«مجمع الشفاء» جراء التعذيب في سجون الاحتلال    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    ما هو حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام وكيفية القراءة؟    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    كريم بنزيما يغادر إلى ريال مدريد لهذا السبب (تفاصيل)    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهانى الجبالى فو حوارها للصباح: حصار الدستورية اعتداء على سلطة القضاء بتواطؤ من الدولة وصمت من الرئاسة
نشر في الصباح يوم 14 - 01 - 2013


كشفت ل«الصباح» عن تلقيها تهديدات بالتصفية الجسدية
تهانى الجبالى: الرئاسة «توحشت».. والديكتاتورية تتخفى «تحت اللحية»
«المتأسلمون» لا يعترفون بالقانون.. وتاريخ اغتيالات القضاة يفضح «ما تخفيه صدورهم»
الإخوان يوزعون الاتهامات على المعارضين مجانا وإن طلبنا الأدلة اتهمونا بالخيانة والعمالة
الدولة الحديثة فى خطر ولو تقهقر القضاء فعلينا تقبل العزاء فى الحرية
استعداء الرأى العام ضد المحكمة الدستورية عبر شائعات عن رواتب أعضائها «أسلوب رخيص»
تجاهلت الحملة المسعورة على شخصى لكنى لم أحتمل رؤية «الدستورية» تحت حصار الإرهاب الممنهج
انخفاض نسبة المشاركة فى الاستفتاء على الدستور تجعله «مهزوزا»
«الحرية والعدالة» يتحدث عن مؤامرات «صهيو-أمريكية» وإماراتية وإيرانية وقريبا سيكشف عن «مكيدة فضائية»
«مرسى» يكرر أخطاء سابقيه ويلجأ لأهل الثقة ويتجاهل التكنوقراط والاقتصاد يسدد الثمن
الواقع السياسى الراهن «طبق كُشرى» اختلطت مكوناته.. والمواطن تائه لا يعرف الصادق من الكاذب
أكدت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، أن دولة القانون مهددة، والقضاء فى حاجة إلى وقفة لحمايته من محاولات السلطة التنفيذية «المتوحشة» لافتراس كل السلطات، والتهام الوطن بأسره لصالح مشروعات الأخونة والتمكين، وما إلى ذلك من أشياء مبهمة، لا مكان لها إلا فى أدمغة الذين يؤمنون بها.
وقالت الجبالى فى حوار ل«الصباح»: إن كراهية التيارات المتأسلمة للقضاء عموما، وللمحكمة الدستورية على وجه التحديد، لا ترجع إلى حكمها بحل البرلمان، أو الإصرار على أن يؤدى الرئيس محمد مرسى القسم أمامها، لكن هذه الكراهية ذات جذور ضاربة فى أدبيات الجماعة، كما يحفل تاريخها بجرائم دموية لاغتيال القضاة وترهيبهم.
وكشفت عن أنها تلقت تهديدات بالتصفية الجسدية، واقتحم مجهولان منزلها فجرا، لترهيبها ودفعها إلى عدم المضى قدما فى معارضة الإخوان، لكنها رغم شعورها بالخوف لن تتراجع عن دعواها القانونية أمام المحكمة الدستورية، بالطعن على الدستور، لأن الأقدار شاءت أن تمنحها الحق فى إقامة هذه الدعوى من ضمن 90 مليون مصرى، لأنها أُضيرت بالدستور بعد إقصائها عن وظيفتها بالمحكمة.
وأضافت: إن الإخوان يكرهون كل من يخالفهم الرأى، وخلافهم ليس فقط مع المحكمة الدستورية، لكن مع الأزهر أيضا، لأنه يمثل صورة الإسلام السمحة كما عرفته مصر، ولا يتورعون عن اتهام معارضيهم بأقذع الاتهامات، لتشويه سمعتهم مع سبق الإصرار، دون أن يقدموا أدلة تعزز كلامهم، مؤكدة أن تصريحات قياديات الجماعة بمناسبة وبدون مناسبة عن تورط رموز التيار فى مؤامرة لإسقاط الشرعية والإطاحة بالرئيس أصبحت سخيفة لا تدخل عقل طفل صغير، لأن الكلام المرسل ليس قرينة إلا على الخواء.
وفيما يلى نص الحوار:
* تتهمين جماعة الإخوان بمعاداة المحكمة الدستورية، فهل ثمة قرائن على هذا الأمر؟
تتبع موقف جماعة الإخوان، وقوى اليمين الدينى المتطرف، من المحكمة الدستورية، والرجوع إلى أدبيات هذه التيارات، ومرجعياتها الفكرية، يكشف حجم كراهية هذه التيارات، للدولة الوطنية الحديثة، ولسيادة القانون، وهذه الكراهية تجعلها تنظر إلى المحكمة الدستورية، بوصفها خصما.
التفكير بأن حكم المحكمة الدستورية التاريخى، بحل البرلمان، قد أشعل الصراع مع جماعة الإخوان، يعد تسطيحا لقضية عميقة، ومحاولات الجماعات المتأسلمة، تصدير هذه الفكرة إلى الرأى العام، بما تحمله الفكرة من «شخصنة متعمدة» للأمور، أمر مخالف للواقع ويجافى الحقيقة جملة وتفصيلا.
إن المحكمة الدستورية العليا، تمثل حجر الزاوية، فى دولة القانون، وهى نواة الدولة الحديثة، بمفهومها المتحضر الذى يتسم بوجود صلاحيات تختص بها كل سلطة، وفى حال انتزعت السلطة التنفيذية، سلطة القضاء، تتقهقر الدولة الحديثة، وتسود الديكتاتورية، التى تجعل الحاكم مطلق السلطات، يتغول حسب هواه، وفى هذا المجتمع، لا حصانة لحرية الإنسان، ولا ضوابط تحول بينه وبين السلطة إن أرادت التنكيل به.
* وما ردك عما يردده بعض أنصار الإخوان بأن القضاء فاسد ولابد من إصلاحه؟
أتحفظ أولا على مفردة فاسد، فالقضاء المصرى ليس فاسدا، وتاريخه يشهد له بأنه طالما انحاز للحقيقة والعدالة، ووقف فى وجه الطغيان، لكن وعلى افتراض أن هناك خللا من أى نوع، فهل وسيلة الإصلاح تتمثل فى الانقضاض على صلاحياته، أم فى دعوته لإصلاح عيوبه؟.. هذا منهج أعوج غريب، ولتقريب الفكرة إلى أذهان الناس، فمن المتعارف عليه، أن للرأى العام المصرى انتقادات على أداء الشرطة، فهل معنى ذلك أن نحل جهاز الشرطة؟
الكارثة باختصار تكمن فى أن الذين جلسوا على كراسى الحكم، لا يريدونها إلا مغالبة، و«بجذع أنف» كل من يناهضهم ويخالفهم الرأى، ولعل مراجعة صراعاتهم مع الأزهر، بما يمثله من قيمة معنوية، وما يعبر عنه من سماحة ووسطية، تكشف لنا عن الصراع الخفى، بين تيار شعاره ومنهجه السمع والطاعة العمياء، فى تنظيمه الداخلى، ويريد بالطبع أن يحكم الوطن بأسره وفق هذا المنهج، الذى يتنافى مع أبسط مبادئ الإنسانية، ويجعل من الإنسان الذى كرمه الله عز وجل، بنعمة العقل، مجرد أداة تنفذ ما يريده القادة.
* بما أن الصدام بين الدستورية والإخوان، لم يبدأ مع حل البرلمان، فمتى بدأ فعليا؟
حل البرلمان، كان القشة التى قصمت ظهر البعير، لكن الصدام بدأ فعليا، مع مشروع قانون إعادة تشكيل المحكمة الدستورية، الذى مررته لجنة المقترحات والشكاوى، بمجلس الشعب خلال ثوان، وتسلل إلى اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، من دون عقبات، وذلك على ما فيه من تجاوز واعتداء على استقلالية المحكمة.
فى هذه الغضون، رأى القضاة أن إعادة تشكيل المحكمة، يستهدف ترسيخ معايير غير منضبطة، وهدم 43 عاما من تراث المحكمة، التى شهد لها العالم بأسره بالنزاهة، ومن ثم ومع موقف القضاة الصلب، سقط مخطط الهيمنة على المحكمة الدستورية، وارتد كيدهم إلى نحرهم.
* الهزيمة لم تدفعهم للانسحاب.. أليس كذلك؟
بالطبع، فالتمكين والرغبة فى السيطرة على كل شىء، لم تكن لتتوقف عند هذه المحاولة، ولما وجد التيار المتأسلم أن القضاة يقفون صفا واحدا، فى وجه محاولات النيل من استقلاليتهم، انطلقت حملات التشكيك المسعورة، وبدأ الهجوم الممنهج لتضليل الرأى العام، وإشاعة الأفكار المغلوطة حول فساد منظومة القضاء.
* كنت دائمًا هدفًا لهذه الحملات.. فهل لديك تفسير؟
- تفسيرى الوحيد أنهم أدركوا أنى «رقم صعب» فى المعادلة، وهم يعرفون يقينًا أن لى مواقفى وآرائى فى الشأن العام، وكنت أكتب فى الصحف وأعبر عن مواقفى فى ظل نظام مبارك، ولم أغب عن الساحة الثقافية والجماعة الوطنية، وطبيعى أن أبقى على عهدى بعد الثورة، وألا أترك الساحة.. وطبيعى أيضًا وبوازع من ضميرى وانتمائى إلى منظومة القضاء المصرى ألا أقف مكتوفة اليدين إزاء الهجمة الشرسة، التى تتعرض لها المحكمة الدستورية.
عندئذٍ ارتأى «المتأسلمون» تجييش الرأى العام ضد المحكمة الدستورية عبر أساليب «رخيصة»، منها الترويج بأن قضاتها يحصلون على رواتب تصل إلى مليون جنيه شهريًا وأن أعضاءها موالون لنظام مبارك، ويريدون هدم الشرعية، لكراهيتهم التيار الإسلامى، وأن أحكامها مسيسة.. واستمر هذا التشويه لمدة ثمانية أشهر، حتى تشكلت لدى البسطاء صورة ذهنية مغلوطة، وبعدها بلغ التوحش ذروته بإصدار الإعلان الدستورى، الذى عصف بكل السلطات، وأخرج لسانه لكل المبادئ التى كافح القضاة على مدى عقود على الحفاظ عليها.
* أيهما كان أقسى عليك.. الهجوم الشخصى أم محاصرة المحكمة الدستورية؟
- الهجوم على شخص تهانى الجبالى، كان يستهدف شخصنة الأمر، وشغلى بالدفاع عن نفسى، والانصراف عن القضية الأساسية التى قررت أن أكافح من أجلها، وكان يرمى أيضًا إلى تشويه صورة المحكمة الدستورية بأسرها، لذلك فقد تعاملت مع هذا الأمر باعتباره عبثًا لا جدوى منه، ولا طائل من الخوض فيها.. فقد فطنت إلى حقيقة اللعبة واكتشفت أبعاد المؤامرة، فكان موقفى هو التجاهل والازدراء.. لكن محاصرة المحكمة الدستورية وعمليات البلطجة الممنهجة التى مورست لمنع القضاة من تأدية واجباتهم المقدسة لإقرار العدالة، كانت بالنسبة لى أشد إيلامًا وخطورة.
والحقيقة أن شعورى بالمرارة من محاصرة مقر المحكمة الدستورية، وما رافق هذا المشهد العبثى من انهيار لدولة القانون، وترسيخ شريعة الغاب، لم ينف أنى تألمت تحت ضغط الأكاذيب التى روجها رموز تيار الإسلام السياسى بحقى، ومنها تزوير مستندات لتوكيل من سوزان مبارك، حرم الرئيس السابق، تفيد بأنى محاميتها، ونشر هذه المستندات المزيفة على مواقع الإخوان على صفحات الإنترنت، بما يخالف شرع الله الذى يدعون، وبما يتنافى مع أخلاق الخلاف، ويكشف عن فجور فى العداوة.
* وكيف تصرفت إزاء هذا الأمر؟
- تعاملت بصورة قانونية، وتقدمت ببلاغ إلى مباحث الإنترنت، التى تتبعت مصدر الوثيقة المزورة، فتوصلت إلى منزل تقطنه سيدة وابنتها بدار السلام وكادت السيدة تتعرض لعقوبة قانونية قاسية، فسحبت البلاغ وتنازلت، إشفاقًا عليها.
* موقف غريب.. ويتطلب تفسيرًا؟
- حين التقيت بالمتهمة وابنتها فى سراى النيابة، اكتشفت أنهما من طبقة «المعذبين فى أرض مصر».. من الفقراء الذين يستغل «الإخوان المسلمون» حاجاتهم للمال، وتوريطهم فيما تمكن تسميته «بالمهام القذرة».
اكتفيت بأن أعلنت النيابة على الرأى العام، عن أن المستند مزور، وتيقنت بأن جماعة الإخوان، لن تتورع على انتهاج كل الوسائل غير المشروعة فى صراعها المحموم ولهاثها وراء الانقضاض على كل السلطات.
* وما دليلك أن الإخوان كانوا وراء هذا المستند، أليس من الممكن أن تكون تلك السيدة بادرت إلى التزوير من تلقاء نفسها؟
- حضر مع المتهمة إلى سراى النيابة، أربعة من كبار محامى جماعة الإخوان، رغم فقرها الواضح، وأحسب أن هذا الدليل يكفى على أن الجماعة كانت وراء الجريمة.
إنه صراع ليس بين قضاء فاسد وسلطة تطلق لحيتها على سبيل الورع والتقوى كما يزعم الإخوان، لكنه صراع بين دولة القانون ودولة الاستقواء والبطش والإرهاب والترهيب.
* هل شعرت بالخوف على سلامتك الشخصية فى ذروة هذا الصراع؟
- لا أريد أن أدعى بطولة مكذوبة، وبالفعل شعرت فى مواقف متعددة بالخوف على حياتى، وحدث أن تلقيت تهديدات بتصفيتى على هاتفى المحمول، كما اقتحم مجهولان منزلى فى الفجر لترهيبى ودفعى إلى التراجع عن مواقفى، وكثيرًا ما كنت أستعيد فصولًا من تاريخ الإخوان الإرهابى، واغتيالهم للقضاة فى أكثر من مشهد، وكنت أحدث نفسى بأنهم قد يفعلونها معى، لكنى سرعان ما كنت أطرد المخاوف، وأردد بينى وبين نفسى قوله تعالى «وما تدرى نفس ماذا تكسب غدًا وما تدرى نفس بأى أرض تموت».
الشأن الشخصى لم يكن أبرز ما يخيفنى، لكن يوم حصار «الدستورية»، كان يومًا أسود فى تاريخ مصر بأسرها، إنه تغول وتوحش لم يحدث فى أكثر الديكتاتوريات تطرفًا، وسابقة تلطخ سمعة حكم الإخوان بالعار.. هذا التصرف الطائش، كشف الوجه الحقيقى للإخوان، وأنذر بأن الدولة المصرية فى خطر داهم، كما أكد أنهم ماضون فى طريق هدم كل القيم المدنية، واستبدالها بشرائع الكهوف التى خرجوا منها.
* لكن حصار المحكمة أسفر فى النهاية عن تأجيل حكم قضائى كان ينتظر أن يغير وجه الحياة السياسية بمصر؟
- يوم الجلسة كنت والقضاة فى طريقنا للمحكمة، فعرفنا بأن أنصار الرئيس يمارسون الإرهاب، ويحاصرون مقر المحكمة، فلم نرجع إلى بيوتنا، ولجأ بعض الزملاء القضاة، إلى حيلة ترك سياراتهم فى فناء مستشفى القوات المسلحة المتاخم للمحكمة، ومن ثم الدخول من الباب الخلفى، فيما تمكن البعض الآخر من الدخول، لأن وجوههم لم تكن معروفة.
وبالنسبة لى لم أتمكن من الدخول بالطبع، فهم يعرفوننى جيدًا، كما أنى رفضت التسلل من الباب الخلفى تحت أى ذريعة، فهذا الأمر فى تقديرى لا يليق بقيمة القضاء ومكانته المعنوية، وليس قيمة تهانى الجبالى بذاتها.
كان بوسع قضاة المحكمة أن يعقدوا جلستهم فى أى مقر، وأن يصدروا حكمهم بشأن الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور فى أى مقر آخر، لكن هذا إجراء رفضناه جماعيًا، لأننا رأينا أن منع دخول القضاة مقار محكمتهم يمثل إهانة لا يجوز ابتلاعها.. ويمثل تسليمًا من قبل القضاة لسياسة البلطجة، وفرض الأمر الواقع.
المبنى ليس ذا قيمة فى حد ذاته، لكنه يشكل رمزًا مهمًا للعدالة، ويعد صرحًا معنويًا لدولة القانون.. ومن ثم تشبث القضاة بأن يعقدوا جلستهم فى مقر محكمتهم، ويصدروا حكمهم من داخل أروقتها، وتشبث كارهو العدالة من جانبهم بمنع القضاة من تأدية دورهم، الأمر الذى أسفر عن كشف وجههم وحقيقتهم أمام العالم بأسره.
أعتقد أن العالم بأسره، رأى لأول مرة عملية اعتداء على سلطة القضاء برعاية رسمية وتواطؤ من الدولة، وفى ظل صمت تام من مؤسسة الرئاسة، وكانت هناك محاولات بذلها رئيس المحكمة مع وزير الداخلية لتأمين دخول القضاة مقر المحكمة بلا جدوى ولا استجابة.. كل هذه الممارسات تمثل فضائح تسقط ورقة التوت عن النظام وتكشف عن أنه لا يؤمن إلا بالقوة ولا يريد أن تقام معايير دولة القانون.
* هل كنت تتوقعين أن يصل عداء الإخوان للمحكمة إلى هذه الدرجة؟
- كنت أتوقع وجود محتجين على أبواب المحكمة، كما حدث يوم إصدار حكم حل مجلس الشعب، حيث اتخذ المحتجون مكانًا مقابلًا للمحكمة ولم يعتدوا على القضاة ولا على المقر ومارسوا الاحتجاج سلميًا، لكن فيما يتعلق بيوم الحكم بشأن تأسيسية الدستور كان الأمر مختلفًا، فقد حدثت اعتداءات مادية على المقر، واحتل أربعون شخصًا قاعة المحكمة حتى أصبحت الفوضى تعيث فى المكان، وصار مستحيلا أن يؤدى القضاة واجبهم.
* هل رأى بعض الأعضاء الانعقاد خارج المحكمة وهل حدثت اتصالات بين رئيس المحكمة ورئيس الدولة ؟
- اتفق قضاة المحكمة بالإجماع على احترام دولة القانون، ورأينا أن عدم قدرة أجهزة الشرطة على حماية المحكمة مؤشر على شيئين وهما إما تراخى قبضة دولة الإخوان، أو أن ما يحدث يتم بموافقتهم أو بالأحرى تدبيرهم، وهكذا قررنا ألا نعقد الجلسة فى مقر آخر وألا نوجد حلًا لمشكلة ليست من صنعنا.
فى هذه الغضون، ترددت معلومات عن حدوث اتصالات بين رئيس المحكمة، ورئيس الجمهورية، ولست أعلم مدى دقتها، ولا ما دار فيها إن كانت قد حدثت، وظل الحصار وباءت كل محاولاتنا بالدخول بالفشل.
ومن المفارقات الصادمة والمؤلمة، أن يقول وزير الداخلية السابق: إن القضاة رفضوا دخول المحكمة فى عربات الداخلية المدرعة.. وهذا حقيقى وقد عرضت علينا وزارة الداخلية هذا الخيار، لكنى رفضته رفضًا قاطعًا، لأن هذا التصرف كان معناه بالنسبة لى، أن مصر تحولت إلى دولة تحكمها عصابات الجريمة المنظمة، ولأن مؤسسات الدولة لا يمكن أن تتخفى داخل المدرعات حتى تؤدى واجبها.
* لكن.. ألم يكن إصدار حكم المحكمة حتى فى ظل الإجراءات والظروف الاستثنائية السابقة، سيخدم العدالة أكثر؟
- المشكلة أن الأمر طرح من زاويتين، الأولى أن الصراع يعود إلى خلافات سياسية بالمقام الأول، والثانية تتمثل فى الصراع على خلفية قانونية.. وأن الزاويتين تتشابكان وتتداخلان بشكل حاد.
بالنسبة لأعضاء المحكمة الدستورية، ارتأينا أن نتمسك ببقاء الخلاف فى إطاره القانونى والدستورى انطلاقًا من الإيمان بأن القانون يجب أن يكون فوق الجميع، لكن الذين يكرهون القانون لم يفهموا نبل هذا المقصد، كون تاريخهم كله تاريخ الصراع مع القانون.
* هل حدثت بينك وبين المستشار حسام الغريانى رئيس اللجنة التأسيسية للدستور اتصالات ما لحل المشكلة؟
- لم يحدث اتصال، لكنى توقعت من الرجل الفاضل المستشار الغريانى، رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقًا، أن ينتصر لدولة القانون، ويوقف أعمال الجمعية التأسيسية، لحين صدور حكم القضاء بشأن دستورية اللجنة، وكنت أتوقع منه أن يرفض استكمال صياغة دستور مصر، على جثة العدالة.. لا أجد تفسيرًا يرضينى لموقف المستشار الغريانى، ربما تعرضت تأسيسية الدستور لضغوط سياسية.
نفس الموقف الذى حدث بشأن اللجنة التأسيسية، تكرر مع مجلس الشورى، المطعون على دستوريته، والذى استحوذ على صلاحيات التشريع، فى ظل غياب مجلس النواب، وذلك فى مفارقة عبثية، وترجع عبثيتها إلى أن مجلسًا مطعونًا فى شرعيته، أصبح يتولى التشريع لوطن بأسره.
* يقول الإخوان إن المحكمة الدستورية أصبحت أداة بين يدى «الفلول» لهدم شرعية صناديق الانتخاب.. فما ردك؟
- هذه العبارة أصبحت ممجوجة وسخيفة وبلا تأثير، فكل معارضى الإخوان أصبحوا فى مرمى النيران، وهم فى هذا الصدد لا يجعلون فرقًا بين الفريق أحمد شفيق، وبين حمدين صباحى.
الأزمة تكمن فى عقول ترفض النقاش، وتحسب أن ممارسة السياسة، تكون بالغلبة والمغالبة واللجوء إلى الترهيب والعنف، فالقضاء المصرى ليس ذا ناقة ولا جمل فى صراع المعارضة والإخوان، كونه يحكم بالدلائل والقرائن، بعيدًا عن الهوى، غير أن جماعة الإخوان لا تستوعب هذه الحقيقة، وتصر على تعطيل أدوات الدولة، عبر القوة الغاشمة.
هذا الاعتداء على المشروعية، يسقط عن السلطة الحاكمة شرعيتها، وليس منطقيّا أن يتشدق رموز الإخوان، بعبارات ممطوطة عن الشرعية، فيما هم يهدمون الشرعية.. هذه شيزوفرينيا وهستيريا سياسية، يبدو أنها نجمت عن النهم على التهام السلطة.
* أين وصلت قضيتك بالطعن على الدستور أمام المحكمة الدستورية؟
- شاءت الأقدار أن يكون عزل سبعة قضاة من أعضاء المحكمة الدستورية، أولى الثمار المرة لدستور منتصف الليل، وكنت من ضمن هؤلاء المعزولين، وحتى يتخلص النظام من حرج عزل القضاة، نقلهم إلى مواقع أخرى، ولم يتمكن من اتخاذ نفس الإجراء معى، لأنى التحقت بالمحكمة الدستورية، بعد عملى بالمحاماة، لا القضاء، ومن ثم ليس بوسع النظام أن يصدر قرارًا بإعادتى إلى المحاماة، وهى على كل الأحوال مهنة أكن لها الحب والاحترام.
على هذا الأساس، أصبحت صاحبة مصلحة مؤكدة فى الطعن أمام المحكمة الدستورية، لأنى تعرضت للضرر، وبما أنى عضوة بالمحكمة، فإنها وحدها المختصة بنظر قضيتى، من خلال دائرة شئون الأعضاء.
هذا الوضع منحنى وحدى، من بين 90 مليون مصرى، الحق الأصيل فى الطعن على الدستور، ففعلت ما يمليه علىّ ضميرى المهنى، وواجبى كقاضية مصرية، وتقدمت بدعوى أحسب أنها ستكون من أهم الدعاوى فى تاريخ القضاء المصرى.
* إذن.. الطعن يرجع لحالة فردية؟
الطعن ليس يختص بحالتى الفردية فقط، لكن فى الآليات التى أدت
إلى خروج الدستور إلى حيز التنفيذ.
نص المادة «60» من الإعلان الدستورى السابق، نص على أن الأعضاء المنتخبين من مجلسى الشعب والشورى، ينتخبون لجنة من مائة عضو لوضع مشروع الدستور، ومن ثم حين ينتهون من الصياغة، يطرحون المسودة للنقاش المجتمعى لمدة أسبوعين، ثم تطرح الوثيقة للاستفتاء، وتصبح نافذة حالما يوافق الشعب عليها.
* ألم يوافق الشعب على الدستور؟
- تعبير الشعب فى المدلول الدستور، ليس تعبيرًا مطلقًا بلا ضوابط أو حدود، فالشعب يعنى الكتلة من الناخبين ذات الحق فى إبداء الرأى، فى الانتخابات والاستفتاءات العامة.. والمتعارف عليه أن كتلة الناخبين فى مصر تبلغ نحو 52 مليونًا، ولما كانت الدساتير عنوان التوافق الوطنى، ومنحة الشعب لنفسه، فلابد من أن يحظى بأكبر درجة ممكنة من الإجماع الوطنى.
بعض الدول لا تسمح للدساتير أن تخرج إلى النور، إلا بإجماع ثلثى الناخبين، وبعضها كما فى حالة الدستور المصرى، حددت نسبة 50٪ زائد واحد، ولو راجعنا نسبة الذين صوتوا على الدستور، من إجمالى الكتلة التصويتية، سنجد أن الإجمالى فى حدود 16 مليونًا، منهم نحو 10 ملايين قالوا «نعم».
* لكن الإعلان الدستورى ووفق المادة «60» ذاتها، لا يشترط مشاركة الناخبين بنسبة محددة فى الاستفتاء؟
- هناك بعض الآراء تقول بهذه الحجة، لكنى أعتقد أن انخفاض نسبة المشاركة فى الاستفتاء، تجعله مهزوزًا، بالإضافة إلى المسار المنحرف الذى اتخذته وثيقة الدستور، حتى تم تمريره.
أولًا، إن اللجنة التأسيسية مطعون فى شرعيتها، فقد تأسست بمقتضى قرار لمجلس شعب باطل، وأصدرت المحكمة الدستورية قرارًا بحله.. ثانيًا، إن الدستور الذى تم سلقه سريعًا، أدى إلى انقسام الأمة، وأسفر هذا الانقسام عن إراقة الدماء، ثالثًا، مما لا شك فيه، أن عملية الاستفتاء ذاتها، شهدت تجاوزات فجة تنسف كل مبادئ النزاهة والشفافية.
* وماذا فى حال رفض الطعن.. هل ستلجأين إلى تدويل القضية؟
- كلا، على الإطلاق، وسأنحاز إلى حكم المحكمة، حتى لو لم يأت فى صالحى، احترامًا للقضاء المصرى، وإقراراً لمبدأ إن الحكم هو عين الحقيقة، الذى أؤمن به على مدى عمر طويل أفنيته فى خدمة دولة القانون.
البعض يردد أنى سألجأ إلى التدويل، وهذا ممكن فعليّا، لكنى لن أفعل، وفى الواقع إن القضية قد تم تدويلها من دون إرادتى، فمصر أمام العالم دولة عليها التزامات، بحكم أنها وقعت على العهد الدولى بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة، ومن ثم أنظار العالم تتابع إجراءات استقلالية القضاء فيها، فالأمر ليس فى حاجة إلى إجراءات تصعيدية، وهناك أكثر من منظمة دولية، بعثت رسائل إلى الرئيس خلال الشهرين الماضيين، احتجاجًا على ما يحدث من انتهاك لدولة القانون.
* وماذا عن القضاة الآخرين الذين تم استبعادهم؟
- اتخذت موقفى بالطعن على الدستور دون التشاور مع الزملاء، احترامًا لحق كل قاض فى اتخاذ القرار الذى يتسق مع قناعاته، ويتفق مع أولوياته، ولم أشأ ربط نفسى بالآخرين، فموقفى لى، وتبعاته تعود علىّ وحدى، وسيشرفنى ويسعدنى أن ينضم لى الزملاء، ولن أغضب فى حال قرروا أن يساندونى معنويّا فقط.
* إجرائيّا.. هل مازلت قاضيًا بالمحكمة الدستورية أم خرجت منها؟
- إجرائيّا.. مازلت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، فالإجراءات يجب أن تشمل قرارًا إداريّا، وهذا لم يصدر حتى الآن، وأنا فى الحقيقة أشعر بحجم المأزق الذى يشعرون به، فهم من ناحية يريدون التخلص منى، لكنهم لا يعرفون ماذا يكتبون؟.. إنهم فى مأزق، ومؤسسة الرئاسة أصبح «شكلها وحش جدا»، لأنها تصدر القرار، ثم تتراجع عنه، وبالتالى فالمأزق ضاغط وشديد الصعوبة.
*بعيدًا عن الشق القضائى والقانونى، كيف ترين المشهد المصرى الراهن؟
المشهد السياسى فى مصر، فيه خلط رهيب، والتناحرات الراهنة ليست فى معظمها على مصلحة الوطن، بقدر كونها لمصالح ذاتية، والإنسان البسيط مشتت بين عشرات الاتجاهات والآراء والأفكار، وتحت وطأة وضع اقتصادى يزاد سوءًا كل لحظة.
كما لا توجد أغلبية تستطيع أن تزعم بأنها كاسحة، وكل المنتمين لتيار الإسلام السياسى، لا يزيدون على الكتلة التصويتية التى منحت الرئيس محمد مرسى أصواتها فى الجولة الأولى، على أقصى التقديرات.. والأكثرية الإخوانية المزعومة واهية ووهمية لأنها أكثرية الحشد، أو بالأحرى القدرة على الحشد، بوسائل نعرفها جميعًا، فيما التيار الليبرالى، يبدو كمن يجلس فى أبراج عاجية، ولا يستطيع التواصل مع الشارع.
ومن تفاصيل المشهد أيضًا، أن هناك محاولات مستميتة للانقضاض على مدنية الدولة، والإطاحة بكل السلطات، وتأسيس فاشستية تتنكر تحت اللحية والجلباب، بهدف دغدغة مشاعر القطاع الأكبر من الشعب المصرى، المؤمن بالفطرة.. هذا أشبه بطبق «كشرى»، اختلطت فيه كل المكونات، وأصبح الفصل بينها مستحيلًا.
* يبدو أنك متشائمة.. أليس كذلك؟
- لا أتعامل مع السياسة بالتفاؤل أو التشاؤم، لكنى أميل دائمًا إلى قراءة المشهد والحكم عليه بأعلى درجة ممكنة من الموضوعية، ربما لأنى قاضية فى الأساس.
فى تقديرى أن الرئيس يرتكب خطيئة كبرى، تتمثل فى عدم الاستعانة بأهل الكفاءة والخبرة من التكنوقراط، لإدارة شئون مصر، فى هذه المرحلة الصعبة، لكن الواضح أن الرغبة فى «تمكين» الجماعة من مصر، لن تسمح بذلك، وهكذا يصدر الرئيس القرار فيكتشف أنه غير مدروس، أو خاطئ، أو تندلع مظاهرات، ومن ثم تراق دماء، ثم يتراجع، وهكذا دواليك.
لكن.. رغم هذا الواقع المحزن، لابد أن ننظر إلى نصف الكوب المملوء، فبعد ثورة حركت مياهًا كانت راكدة لمدة عقود طويلة، من الطبيعى أن تطرأ حالة من السيولة، تنتهى بأن تحدد مصر مسارها، وتقديرى أن حضارة علمت العالم قبل آلاف السنين، مفهوم الدولة الحديثة، لا يمكن أن تختطف.
* يردد مسئولو حزب الحرية والعدالة، تلميحًا وتصريحًا، أن معظم مؤسسات الدولة تناصب الرئيس العداء.. فكيف ترين الأمر؟
- هذا وهم لا أساس له من الصحة، ولا توجد فى مصر، مؤسسة تعمل ضد الرئيس، لأن كل المؤسسات، جزء من آليات الحكم، وتقديرى أن «حقن» دماغ الشعب بنظريات المؤامرة، لا يستهدف إلا تمرير أخونة الدولة، وإكمال عملية سيطرة «الإخوان المسلمون» عليها.
لو كانت مؤسسة الرئاسة، أو دهاقنة حزب الحرب والعدالة، أو حتى قيادات مكتب الإرشاد، لديهم أدلة دامغة على وجود مؤامرة على الرئيس، فأين هى؟.. كل ما نسمعه مجرد عبارات غير متناسقة، لا يجمع بينها رابط، عن مؤامرات صهيوأمريكية أحيانًا، وإماراتية فى أحيان أخرى، وإيرانية مرات، والظاهر أننا سنسمع قريبًا عن مؤامرات فضائية.. وحين نتساءل عن الدليل، ونقول لهم هاتوا
برهانكم إن كنتم صادقين، يتهموننا بالخيانة والعمالة والعمل على هدم الدولة.
ثمة كلمة باطل أخرى، وهى أن النظام البائد، يتخذ تابعين من رجال الإعلام والقضاء وغيرهم من كبار موظفى الدولة، لإفشال الرئيس، هذا على الرغم من أن النظام الحالى مخلص كل الإخلاص فى اتباع منهج وآليات ووسائل النظام البائد، والأكثر من ذلك، أنه يستعين بأعضاء وقياديين سابقين بالحزب الوطنى المنحل، فى مناصب حساسة ومهمة.
كل ما فى الأمر، أن النظام الحالى يريد تجييش كل السلطات لصالحه، ويبتغى أن يهدم مؤسسات الدولة، ويعيد تشكيلها بحيث تصبح طوع بنانه، ولأن هذه عملية صعبة، بعد ثورة كانت الحرية على رأس شعاراتها، فقد كان لزامًا أن يجد النظام ذريعة ومبررًا، لأن يعصف بكل السلطات، ويسحق كل معارضيه، عبر تخوينهم.
المشكلة أن القوى المتأسلمة، كانت لوقت طويل خارج الشرعية، تعمل تحت الأرض، وتسكن فى السراديب والكهوف، ولما أصبحت على مقاعد الحكم، تعرضت لما يمكن وصفه بصدمة كهربائية، أفقدتها صوابها، إلى درجة أنها غير قادرة على تصديق الوضع الجديد.
الوضع غير المألوف، بالإضافة إلى عدم امتلاك الكوادر الكفؤة، القادرة على التعامل مع الأزمات الراهنة، ونضوب الخيال والعجز عن إدارة دولة بحجم مصر، وعدم القدرة على التوصل إلى حلول مبتكرة، ووسائل غير تقليدية، لمعالجة مشكلات ملحة.. كلها عوامل أصابت التيار المتأسلم بالتوتر، فأخذ يمارس عمليات التبرير النفسي، والتخلص من الشعور بالفشل، عبر التشدق بنظريات المؤامرة، وما إلى ذلك من حجج واهية.
*هل لديك أى دليل على صحة ما تقولين؟
الدلائل بالنسبة لى واضحة، فمثلًا وفيما يتعلق بتردى الأوضاع الاقتصادية، والفشل الذريع فى إدارة ملفات الاقتصاد المفتوحة، والانهيار المستمر لقيمة الجنيه، يردد أنصار الرئيس، ورجال حزب الحرية والعدالة، بمناسبة ودون مناسبة، أن المعارضة هى السبب، ويكررون أن الصحافة «الفاجرة» وراء تأجيج الوضع، ويوزعون الاتهامات يمينًا وشمالًا، بغير حساب على هذا وذاك، فهل المعارضة هى التى تحكم؟.. وهل الصحافة المصرية، رغم ما تتمتع به حاليًا، من جرأة ووقوف إلى جانب الحرية، فى شراسة الصحافة البريطانية مثلا؟.. هذه شماعات لتحميل الفشل عليها، من جهة، وأيضًا للاعتماد عليها لالتهام كل مؤسسات الدولة.
نحن إزاء نظام يقول إنه يمتلك تسجيلات على معارضيه تكشف عن عمالتهم، ويعترف جهرًا بجريمة التنصت من دون أن يرتعش له جفن، أو تسرى فى وجهه حمرة الخجل، وحين نطالبه بتقديم التسجيلات المزعومة إلى جهات التحقيق، يتهمنا بالخيانة ولا نرى من تسجيلاته شيئًا، وهذا أمر مثير للسخرية والاشمئزاز فى آن واحد.
*يتردد أن الرئيس يضمر لك الكراهية، منذ بداية عهده، وحين أصررت على أن يقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية.. فهل هذا صحيح؟
لا أعرف حقيقة شعوره تجاهى، وإن كان هذا أمر لا يعنينى كثيرًا، فقد كنت أدافع عن قاعدة دستورية، ومبدأ قانونى، فليس ممكنًا ولا مقبولًا، أن يقسم الرئيس فى ميدان التحرير، هذا رغم ما للميدان من قيمة معنوية، لكن هذه القيمة المعنوية، لا تسبغ عليه صفة قانونية.
وحقيقة الأمر، أنى لم أتخذ وحدى هذا الموقف، فقد أصر كل أعضاء المحكمة الدستورية عليه، لكنى كنت «فى الصورة» أكثر، ربما لأنى على علاقات وثيقة بوسائل الإعلام، وأرى أن من واجبى أن أجيب أيضًا على استفسارات الرأى العام، فيما يتعلق بشئون الوطن، بشرط ألا تكون لتصريحاتى صلة بعمل القضاء، ولا تؤثر على أحكامه.
*وهل ثمة تفسير لعلاقتك المضطربة «دائمًا» مع رموز التيار الدينى عمومًا؟
أعتقد أننى أسبب لهم صداعًا حادًا، وأجسد لهم هزيمتهم الفكرية والثقافية، لأنى أكشف للرأى العام تهافت منطقهم، وأحاول فى كل مناسبة أن أبعث الوعى لدى الناس، بقيمة مصر المتحضرة الراقية، وأعادى مفاهيمهم المتخلفة والرجعية حول المرأة.
إنهم يتمنون تكميم فمى، وسأقول لهم: نجوم السماء أقرب لكم، فأنا حاصلة على شهادات عليا فى الشريعة والقانون، ولا أتحدث من غير علم، مثلما يفعلون.
سيكرهون تهانى الجبالى، وسيحاربونها بكل قوتهم، لأن الظلام يكره النور، لكنه أبدًا لا يهزمه.
*لماذا ننكر على الرئيس حقه فى اختيار مسئولين متعاطفين معه لإدارة شئون البلاد؟
هذا معناه ببساطة عودة الوساطة، وهيمنة أهل الثقة على مقاليد الأمور، وحرمان أهل الكفاءة والخبرة من تأدية دورهم الوطنى، وكذلك حرمان الوطن من الاستفادة بهم.
الرئيس ليس الوطن، ولا يجب اختزال الوطن فى شخصه، ونحن فى مرحلة يفترض فيها أننا نتحول إلى الديمقراطية، ولا يمكن أن نستعيد الآليات التى سبقت الثورة بعدها.
مصر لا يمكن أن تنهض بالاعتماد على فصيل واحد، ولا يمكن أن تتقدم، فى حال استأثر بها حزب أحادى أو جماعة أيًا ما تكون مرجعيتها، والبقاء يجب أن يكون للأكثر قدرة ورغبة فى العطاء والعمل، ليس بالأكثر تحيزًا للرئيس أو لجماعته.
*لكن مما لاشك فيه أن هناك مؤسسات تتصادم مع الرئاسة، وتبدو هذه التصادمات بشكل علنى أو من وراء ستار؟
الصدام أمر طبيعى طالما أن الرئيس لا يريد الاكتفاء بسلطاته الدستورية، ويتخيل أنه «سوبر رئيس» ويريد أن يمسك كل الخيوط بين يديه، ويحرك كل مؤسسات الدولة، كما لو كانت عرائس خشبية.
إن الدفاع عن دولة القانون، الذى أبذل فيه ما أستطيع من جهد، إلى جوار الكثيرين من القضاة الشرفاء، سيقى الدولة المصرية من شر هذه الفتن، وسيجعل لكل سلطة اختصاصات لا تتداخل مع اختصاصات السلطات الأخرى.. على الرئيس أن يتفهم أنه رئيس دولة لها قيم قانونية راسخة، وأن يعى أن الشعب ليس ساذجًا، وأن الثورة قضت على السلبية للأبد.
*هل تدرسين الترشح لانتخابات مجلس النواب المقبلة؟
لا أرى نفسى خارج حدود القضاء، فالعدالة هى القيمة الأسمى التى عشت طوال عمرى أخوض المعارك من أجلها، وفى حال خرجت من القضاء، لن أتنازل عن دورى الثقافى الوطنى، وسأواصل التوعية ودق نواقيس الخطر، لتحذير الشعب المصرى، ممن يريدون بمصر السوء.
أعتقد أنى لست فى حاجة لعضوية البرلمان حتى أمارس دورى، فى معارضة ما أراه باطلًا، وكيفما يرتضى ضميرى، ولا أريد الانتماء إلى أى تيار سياسى، لأنى نظرًا لطبيعة عملى بالقضاء، تعودت على أن أكون مستقلة.
*لماذا تبدو المعارضة المصرية المدنية ضعيفة غير قادرة على كشف الإخوان للرأى العام؟
الإخوان يخاطبون الشعور الدينى، ولهم منابر المساجد، وهذا سلاح لا تمتلكه المعارضة، ويستغلون تفشى الأمية بنسب كبيرة، فيطلقون فتاوى التحليل والتحريم، وكذلك هناك مشكلات تتعلق بالمدنيين أنفسهم، فالنخبة التى تطالب بالديمقراطية، لا تريد إفساح الطريق للشباب، وتصر على التشبث بمناصبها الحزبية حتى الرمق الأخير.
يجب أن نتحلى بالمسئولية، ونتخلص من حبنا للذات والأنا، ونقف فى ظهر الشباب الذين صنعوا الثورة، لا أمامهم، فنمدهم بعمق تجاربنا وخبراتنا، ثم نسير وراءهم.
*وماذا عن نقاط ضعف الإخوان؟
لا يجيدون قراءة التاريخ ولا السياسة ولا الاقتصاد، مثلما لا يجيدون قراءة الدين.
التاريخ عندهم توقف عند مرحلة انهيار الخلافة، ولا يرون مجد الأمة إلا فى استعادتها، ويريدون أن يفتحوا العالم، لكنهم لم يفتحوا كتابًا كما يقول نزار قباني.. إذا حدثتهم عن سوق عربية مشتركة، أو تكامل استراتيجى مثلًا، أو تعاون إسلامى فى مجال تبادل الخبرات العلمية، قلما يهتمون بالحديث، والاقتصاد بالنسبة لهم تجارة فقط، وتحديدًا عمليات السمسرة، لذلك يندر أن نرى بين رجال أعمالهم أصحاب مصانع كبرى، أو مؤسسات تنتج وتدفع عجلة التنمية.
ومن مشكلاتهم أيضًا، أنهم إقصائيون، يتبعون منهج جورج بوش الابن «من ليس معى فهو ضدى»، لذلك ما إن وصلوا إلى السلطة، أرادوا التنكيل بكل معارضيهم، وتنكروا للمناضلين الذين طالما دافعوا عنهم وطالبوا بمنحهم حقوقهم وعدم محاكمتهم عسكريًا.
هكذا يخسرون الكل بأسرع ما يتخيلون ويتآكلون ذاتيًا، ويفقدون رصيدهم عند حلفاء الأمس، وكذا فى الشارع بين العامة والبسطاء.
*تحدثت عن التاريخ والسياسة والاقتصاد فماذا عن الدين؟
الإسلام دين التنوع والقبول بالآخر، وتكمن عبقريته فى أنه لا يطلب من المؤمنين أن يصبحوا دمى تنفذ السمع والطاعة بلا تفكير، فالدعوة منذ بدايتها خاطبت العقل، ولجأت إلى اللغة العربية المحكمة البليغة، فى محكم التنزيل، لتوضيح الحجج، ثم أمرت الناس بالتفكير والاجتهاد، وجعلت للمجتهد أجران إن أصاب، وأجر إن أخطأ، وهكذا دخل الإسلام إلى قلوب الناس، بعد عقولهم، لكن تنظيم الإخوان يرفض أن يستعمل أعضاؤه عقولهم، ويرفع شعار: لا تجادل، وباطل القائد خير من صواب الرعية.. وما هذا من الإسلام فى شىء.
دستور الانقسام الإخوانى
يردد الإخوان المسلمون أنهم يرغبون فى توافق وطنى حتى تبدأ عمليات التنمية، ومساعى انتشال مصر من أزمة اقتصادية طاحنة، لكن السؤال: كيف يتحقق التوافق فى ظل دستور مرروه ضد الشرعية، ومن وراء ظهر الشرعية، ولا يحظى بأدنى درجة من درجات التوافق؟
طبيعى أنهم سيسارعون إلى ترديد عبارات جوفاء، يحفظونها عن ظهر قلب، وحفظناها عن ظهر قلب: إن الليبراليين يرفضون الديمقراطية فى حال لم تكن على هواهم، وطبيعى أنهم سيتهمون كل ذى رأى مخالف، بكل التهم وعلى رأسها الخيانة.. لكن هذا كله لا ينفى حقيقة أن الدستور ليس من أسباب التوافق الوطنى، ولا يلغى حقائق دامغة منها أن الاستفتاء لم يتم فى ظل إشراف قضائى كامل، وهناك قدر لا بأس به من الطعون والبلاغات عليه.
إن دستورًا يرفضه القضاة والصحفيون والمحامون وأساتذة الجامعات لا يصلح قاعدة لتأسيس توافق مجتمعى، نحن أحوج ما نكون له الآن.
جماعة الظلام لن تأسر النور
لا يوجد ما لا يطمئنا على أن الثورة اختطفت، أو خرجت عن مسارها، ورغم تشبث الشباب بأحلامهم فى التغيير، يبدو الطريق صعبًا لأن الذين حكموا باسم الثورة، لا يريدون الالتفات إلى مطالبها.
إن الوضع فى مصر، أشبه ما يكون بقنبلة على وشك الانفجار، فالإحباط يسيطر على الجميع، والفقراء ازدادوا فقرًا، وازدادوا عددًا أيضًا، والبطالة فى تصاعد، والنار تحت الرماد.
الفرصة لم تفت بعد، وربما يتمكن الرئيس من تصحيح خطايا الأشهر الماضية، لو عقد النية على أن يعمل لصالح تأسيس الدولة وفق مبادئ وقيم الدولة الحديثة، التى تتسم بالفصل بين السلطات، بدلًا من هذا الإصرار على أن يعمل لصالح الجماعة.. ليس سهلًا وليس ممكنًا أن تنجح جماعة عمرها 80 سنة من العمل تحت الأرض، فى الاستحواذ على حضارة أنارت العالم قبل 7000 سنة.
الفوضى حينما تحكم
هناك فوضى وتداخل كبير فى السلطات، فوزير الخارجية فى حكومة الدكتور هشام قنديل أشبه ما يكون بمسئولى المراسيم، أما القائم الحقيقى بأعمال الخارجية، فهو مساعد رئيس الجمهورية، وهناك محافظون بلا صلاحيات، لأن نوابهم «الإخوان» يؤدون المهمة عنهم، وهم مجرد «تابلوه» حتى يقال لنا: نحن لا نريد الأخونة.
هذا التداخل فى السلطات امتد إلى القضاء أيضًا، لكن المعركة مازالت مستمرة، وتقديرى أن القضاء سيبقى الرقم الأصعب فيها، ولو سقط القضاء لا قدر الله، فعندئذ فقط سنترحم على الدولة المدنية الحديثة، التى ننشدها لمصر، ونرجو أن تقوم على أساس المواطنة والعدالة والمساواة.
القضاء المصرى له تاريخ مشرف، والمحكمة الدستورية على وجه التحديد واحدة من أفضل المحاكم الدستورية وأكثرها استقلالية بحسب تصنيف مؤسسات دولية مستقلة.. فهل تدخل الفلول فى هذا التصنيف أيضا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.