تشهد المدن والبلدات اللبنانية هذه الأيام، نزوحا جماعيا من السوريين والفلسطينيين مما مثل عبئا كبيرا على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلا من تداعيات الأزمة السورية وأثر بشكل كبير على الوضع في البلاد، مما أثار العديد من المخاوف عقب موسم سياحي ضعيف من دول الخليج وباقي الدول العربية وانخفاض في الصادرات اللبنانية إلى الدول المجاورة . بالإضافة إلى ما يعانيه لبنان من توترات أمنية في بعض المناطق، وأن تفاقم الوضع أجبر الحكومة على تخصيص جلستها أمس إلى بحث تداعيات النزوح وقدرة البلاد على استيعاب الأعداد المتزايدة في ظل استمرار الأزمة السورية الراهنة. وقد استقبل معبر "المصنع" الحدودي مئات العائلات السورية والفلسطينية على شكل نزوح ضخم لم يعتد لبنان على رؤيته وفاق الآلاف من المواطنين الهاربين بأنفسهم من ويلات الحرب الدائرة هناك وارتفع عدد النازحين إلى لبنان بشكل ملفت لا يسمح للدولة اللبنانية استيعابهم نظرا لتفوق الأعداد عن قدرة لبنان ودفع بالحكومة اللبنانية إلى تقديم طلب عاجل للمنظمة الدولية بحاجة لبنان إلى حوالي 300 مليون دولار على وجه السرعة للوفاء باحتياجاته تجاه النازحين السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا. وتباينت ردود أفعال القوى السياسية في لبنان إزاء عمليات النزوح بين مؤيد لها وآخر متوجسا من استمرارها وأبدت بعض القوى تخوفها من منع استقبال هؤلاء النازحين، وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء: إن ارتفاع عدد النازحين، ومن بينهم أعداد كبيرة من الفلسطينيين، يستدعي مقاربة جديدة ومتقدمة لهذا الملف، تأخذ في الاعتبار ازدياد أعداد النازحين واحتمال طول مدة إقامتهم في لبنان"، مشيرا إلى عقده اجتماعات مع ممثلي كل الدول المانحة لبحث خطة الحكومة لمواجهة هذه المسألة ومدى استعداد المجتمع الدولي لمؤازرة لبنان. ووصف ميقاتي ردود الأفعال بأنها مشجعة، مع تأكيده على تمسك لبنان بواجباته الأخوية والإنسانية، بما يحفظ سيادته وأمنه واقتصاده، وأنه تم الاتفاق على عقد جلسة خاصة لمجلس الوزراء لبحث هذا الأمر ووضع الضوابط واتخاذ الإجراءات التي تحد من المخاطر والأعباء، وتؤدي إلى تحمل الجميع عربيا ودوليا مسئوليتهم إلى جانب الدولة اللبنانية في معالجة هذا الملف، بينما اعتبر وزير الخارجية عدنان منصور نزوح حوالي 160 ألف سوري يشكل هاجسا كبيرا للبنان، ويشكل ضغطا اقتصاديا واجتماعيا وديموغرافيا. ولفت منصور إلى نزوح عائلات فلسطينية إلى لبنان من مخيم اليرموك وعلى الدولة اللبنانية أن تواجه هذه المسألة بجدية مطلقة، وأن تكون على مستوى المسئولية لأنه لا يجوز ترك الباب مفتوحا في الوقت الذي استطاعت دول أخرى أن تضبط حدودها، مشددا على أهمية ضبط الحدود، لأن العائلات السورية المضطرة إلى ترك منازلها تستطيع أن تتجه إلى مدن أخرى سورية أو مدن أكثر أمنا، ودعا إلى وضع حد لهذا النزوح وأن تضبط الحدود أكثر فأكثر. وتوقع عضو كتلة "المستقبل" النائب محمد الحجار تدفق المزيد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين إلى لبنان، وقال "هناك موجات قادمة إلى لبنان جراء القصف والتدمير الذي يمارسه النظام ويستعمل الطيران الحربي الذي لم نره يوما بمواجهة إسرائيل". ورأى أنه علينا أن نفهم نوعية هذه المأساة لأن نزوحهم إلى لبنان جاء قصريا وليس اختياريا، ورفض مسألة إغلاق الحدود أمام النازحين بحجة ضبطها.. موضحا أن لبنان ليس لديه مقدرة ليؤمن ذاتيا الأموال اللازمة لتقديم المعونة لهؤلاء الأخوة لأنها تكلف نحو 300 مليون دولار وعلى الحكومة أن تقوم بواجبها وعلى الهيئات المعنية تقديم العون للبنان ليقوم بدوره في هذا الإطار، مشددا على أن الواجب الوطني يحتم أن نقوم بهذا الدور لأن هذا ما تمليه أواصر الأخوة التي تربط الشعب اللبناني بالسوري والفلسطيني. وأشار رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خلدون الشريف إلى أن أيا من دول الجوار لم تفعل كما فعل لبنان في استقبال النازحين السوريين والفلسطينيين، مع العلم أن عدد النازحين أكبر من قدرة لبنان على التحمل. واعتبر أن اللاجئين الفلسطينيين مأساتهم أكبر من معاناة النازحين السوريين لأن "الأونروا" هي المسئولة الوحيدة عن مساعدتهم وهي تعاني من أزمة مادية حادة، وشدد على أن مسئولية النازحين ليست مسئولية لبنان وحده .. داعيا المجتمع الدولي لتحمل مسئوليته في هذا الموضوع، أملا "توقف حمام الدم في سوريا". وتوقع القيادي في التيار الوطني الحر أنطوان نصر الله أن يكون مصير لبنان بعد استقباله هذا العدد من النازحين السوريين والفلسطينيين سوريا أخرى لأن الدولة اللبنانية بكل أجهزتها عاجزة عن السيطرة على كل هذه الأعداد، لافتا إلى أن التركيبة اللبنانية أضعف من أن تواجه هذه الأعداد. في حين أكد عضو كتلة "الكتائب" النائب إيلي ماروني أن تجربة السلاح الفلسطيني دمرت لبنان ونخشى أن تتحول أزمة مخيم اليرموك إلى أزمة نعيشها في لبنان، داعيا إلى توقيع اتفاقيات سريعة مع الفلسطينيين لمنع الدخول المسلح ومنع الخروج من المخيمات ومراقبة الحدود ومنع تدفق الأسلحة. وشدد عضو كتلة (المستقبل) النائب خضر حبيب على أن موضوع النازحين أخلاقي وإنساني ولا يمكن أن نغلق الحدود بوجههم ولكن يجب تنظيم دخول النازحين وضبط الموضوع ومراقبته، معتبرا أنه يجب ألا نخلط بين الثوار المعارضين والمؤيدين للنظام السوري، لأن اللاجئين إلى لبنان هم من جميع الفئات. وأكد أن الحكومة هي المسئولة عن الوضع ومسئولية الحكومة الحالية هي الاهتمام بموضوع النازحين ولكن هناك أيضا مسئولية دولية على الأممالمتحدة، ورأى أن المسئولية يجب أن تحمل للحكومة وليس للمعارضة، واشتكى حبيب من مشكلة مالية في تيار المستقبل.. مشيرا إلى أن المساعدات للنازحين السوريين هي عبارة عن هبات في الخارج ويتم توزيعها للنازحين السوريين في عكار.