أكد الكاتب الصحفى يحيى قلاش مقاطعته للتصويت على الدستور فى الاستفتاء، معتبرا أن المشاركة فى ذلك نوع من العبث، قائلا: الدستور مشكوك فى شرعيته من الأساس، وأشار فى حواره مع «الصباح» إلى أن نظام مبارك كان يسمح بهامش ديمقراطى يمارس فيه الإعلام حرية مقبولة، لكن النظام الحالى يقصى الآخر تماما واصفا منهجه فى الحكم ب"الفاشي"، وقال قلاش، معركتنا مع الحريات التى انتقص منها الدستور المطروح للاستفتاء ليست فئوية لكنها قضية تخص الشعب كله، مؤكدا أن الصحفيين والعاملين بالإعلام يواجهون خطة محكمة للوقيعة بين الإعلام والبسطاء، موضحا أن الخطاب السياسى لقيادات حزب «الحرية والعدالة» يربط بين الإعلام والتضليل، فى إطار هجوم ممنهج على الحريات والمشتغلين بالإعلام.. كما كشف حقيقة ما تردد عن إحالة النقيب الحالى ممدوح الولى إلى «التأديبية» بنقابة الصحفيين، مؤكدا أن أغلبية «مجلس النقابة» مكبلة ومحاصرة بالقيود، كما أن النقيب يتعامل فى إطار المطلوب منه فى ملف الإعلام، ويحاول توجيه موقف النقابة إلى ما يريده الحزب الحاكم.. وإلى نص الحوار: * كيف ترى الدستور الجديد؟ لا يساوى التضحيات التى قدمها الشعب المصرى لكى يحصل على حريته أو تتحقق أهداف الثورة فى الشعار «عيش حرية عدالة اجتماعية»، وينتقص من مكاسب الصحفيين حتى التى حصلوا عليها بنضالهم فى العقود الماضية أو فى دستور 71. * هل ستشارك فى الاستفتاء أم تقاطع؟ لن أصوت على ما يسمى «دستور» لأن المشاركة نوع من العبث وإضفاء نوع من الشرعية على شىء غير دستورى، فهى عملية فاسدة من الأصل، ومشكوك فى صحتها وبالتالى نحن نشارك فى لعبة ولذلك أرفض المشاركة. * وكيف ينتقص من مكاسب الصحفيين؟ هذا الدستور يكرس لفكرة استمرار الحبس فى قضايا النشر وتبعية المؤسسات الصحفية القومية للنظام أو الحزب الحاكم، ويسمح بمصادرة وإغلاق الصحف بأحكام قضائية، مخالفة للمواثيق الدولية وكل الدساتير التى صدرت سابقا بما فيها دستور 71 لأنها تعتبر نوعا من العقوبة الجماعية، التى تتجاوز الخطأ الفردى إلى عقاب كل العاملين فى المؤسسة. * وكيف سيكون وضع المؤسسات الصحفية القومية فى ظل هذا الدستور؟ فى هذا الدستور كان هناك إصرار على رفض استقلال المؤسسات القومية عن الجهات التنفيذية لتمارس عملها باستقلالية، وأصروا على عدم وضع استقلال هذه الصحف فى باب الحقوق والحريات وحذفت منه، فنحن كنا نعانى من تبعية الصحافة لمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة الذى يعين من قبل الدولة، وكنا نقترح إنشاء مجلس وطنى للإعلام يكرس فكرة الاستقلال وينظم المهنة ذاتيا، لكن فوجئنا بإعادة إنتاج المجلس الأعلى للصحافة مرة أخرى بمسمى جديد وبقاء مجلس الشورى مسيطرا على الاختيارات، وإقرار الرئيس هذه التعيينات، مما يعد استمرارًا لمسلسل الهيمنة وتبعية إعلام الشعب للحزب الحاكم، وكأنها عملية توريث من حاكم لآخر. * وماذا عن النقابات؟ الدستور ومواده المتعلقة بالكيانات النقابية يسمح بحل الكيان النقابى نفسه وليس مجلس الإدارة فقط، وهذا خطير جدا ولأول مرة يحدث فى دساتير مصر، لأن النقابة هى تجمع لأصحاب مهنة بإرادتهم ليشكلوا كيانا يدافع عن حقوقهم ومطالبهم دون تدخل إلا فى حالة حدوث انحراف تقومه الجمعيات العمومية التى تختارهم، ولكن فكرة حل النقابة نفسها لا يمكن، فلا تأسيس لدولة بالديمقراطية إلا بقاعدتين أساسيتين: استقلال القضاء وحرية الصحافة. * وكيف ترى دور النقابة تجاه الإصدارات التى يعتزم مجلس الشورى إلغاءها؟ النقابة ليست لها علاقة بالإصدارات وإنما لها علاقة بحقوق الصحفيين، بمعنى لو أن هذا سيمس حقوق الصحفيين هنا تتدخل النقابة، ويجب أن تتم معالجة هذا الموضوع فيما يمس اقتصاديات الصحف وإيجاد البدائل دون المساس بحقوق الصحفيين. * وما تعليقك على حذف المادة المتعلقة بكون الصحافة سلطة شعبية؟ السلطات الثلاث معروفة ومحددة فى الدستور واختصاصاتها واضحة ولكن الصحافة سلطة رابعة، كانت موجودة فى دستور 71 كنوع من التقدير الأدبى لدور الصحافة، وأتفق مع الغريانى فى أن تعبير السلطة من الناحية الدستورية والواقعية ربما لا يكون دقيقا، ولكن الصحافة فى الدول الديمقراطية تسمى سلطة السلطات لأنها سلطة الرقابة على السلطات الثلاث، فهى فى مكانة أرفع من السلطات الثلاث، لكن لم تحذف كلمة «سلطة رابعة» من أجل ذلك، بل انطلاقا من الحالة المعادية للصحافة. * ولماذا هذا الصراع الدائر فى نقابة الصحفيين حاليا؟ النقابة تبدو مضطربة فى وقت خطير، وما كان يجب أن تكون هكذا، فنحن لدينا استحقاقات ما بعد الثورة، وهى منظومة التشريعات المشوهة التى ورثناها من حسنى مبارك ولا شىء تغير من تراث الاستبداد وترسانة القوانين المقيدة للحريات، التى مازالت حاكمة حتى الآن، والعدوان على الصحافة والإعلام والانتهاكات التى تحدث ومنع كبار الكتاب من الكتابة تؤدى إلى تصدير هذه الصورة المشوهة للمتلقى البعيد عن النقابة بأن لدينا وضعا غريبا، حيث أغلبية المجلس مكبلة لأن النقيب بمفرده وبعض الأصوات الصامتة المؤيدة له يأخذون موقف النقابة ويضعونه فى ميزان حسابات ليس لها علاقة بالنقابة، بل لها علاقة بالمطلوب منه فى ملف الإعلام لصالح تيار سياسى معين، والنقابة تحولت إلى فناء خلفى لما يريده الإخوان أو حزب الحرية والعدالة. * قلت إن النقيب، معرض للشطب المؤقت والنهائى من عضوية النقابة، لكن الولى أعلن أن إحالته للتأديب تدل على جهل بالقانون وإنها مجرد مهاترات؟ ما قلته كان إجابة عن سؤال ماذا تعنى الإحالة للتأديب؟، والتأديب فى النقابة يمر بمرحلتين: لجنة التحقيق، ثم لجنة التأديب، ولجنة التحقيق تتيقن من وجود اتهام أم لا، وإذا وجدت اتهاما توصى بالتأديب، ويحال العضو إلى لجنة التأديب، وهى لجنة خماسية وصاحبة القرار والعقوبات فى قانون النقابة، تبدأ بلفت النظر مرورا بالغرامة ثم الشطب المؤقت ثم النهائى، أما فكرة إحالته للتأديب فقانون النقابة لا ينظم طرح أو سحب الثقة من النقيب أو من مجلس النقابة، وبالتالى أى مخالفات يرتكبها أى عضو داخل النقابة بمن فيهم عضو مجلس النقابة أو أى زميل حتى النقيب ليس أمامنا طبقا لقانون النقابة ومواثيق الشرف وقانون تنظيم الصحافة إلا المحاسبة النقابية، إلا أننا سنحصن شخصا بسلطة مطلقة لا يحاسب معها بأى وجه حساب. * فى ظل الممارسات التى يعانى منها الإعلام، كيف تقيم الموقف حاليا؟ نحن الآن فى ظل عدوان على القضاء وانتهاك لحرية الصحافة، وكلنا نتابع حالة الهجوم على الإعلاميين والصحفيين وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، والطريقة التى تم بها إدارة المؤسسات القومية واختيار رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة وتشكيل المجلس الأعلى للصحافة ومنع مقالات كتاب كبار من الكتابة، وكيفية إدارة التليفزيون المصرى والضغط على المذيعين والمذيعات باختيار ضيوف واستبعاد آخرين، وإحالة بعضهم للتحقيق، فنحن انتقلنا من مناخ استبدادى أيام مبارك إلى ملامح نظام فاشى، فنظام مبارك كان يسمح بديمقراطية الهامش، لكن الفاشية تقصى الآخر تماما ولا تسمح بأى هامش، وانتقلنا من إهمال القانون إلى الأفعال الخشنة والتحرش بالإعلاميين فى مدينة الإنتاج الإعلامى. * ولماذا هذا العداء الواضح؟ كتلة الأغلبية فى التأسيسية كانت معادية لحرية التعبير وحرية الصحافة، ونحن كنا نتابع الملف داخل اللجنة، وموقف المستشار الغريانى رغم أنه ينتمى لتيار الاستقلال الذى ساندته الصحافة، عندما تم حصار دار القضاء العالى وكان الصحفيون من النشطاء السياسيين يضعون الخيام خارج المبنى للتضامن معهم، وقبض على عدد كبير منهم، والوضع الحالى الذى ورثناه عن نظام مبارك المستبد لا يسمح بمصادرة أو إغلاق الصحف، لكن كانت هناك روح معادية داخل اللجنة التأسيسية لحرية الصحافة والتعبير. * ما هو السبيل لإنقاذ كرامة المهنة فى ظل المأزق الحالى؟ لا سبيل إلا بتماسك الجماعة الصحفية، لأنها ليست معارك فئوية، إنما حرية الشعب المصرى كله فى المعرفة والمشاركة من خلال وسائل الإعلام، ولذلك فالقضية تخص الشعب المصرى وعدوان على حقه فى المعرفة، ولابد أن تعلم كل القوى أن انتهاك حرية الصحافة والعدوان عليها هو انتهاك حقنا المشروع فى بناء دولة ديمقراطية، فهناك هجمة شرسة وحقيقية تستهدف إخراس الإعلام تماما، وتحويله إلى مجموعة نشرات وتعبئة تنحاز إلى اتجاه واحد وصوت واحد وهذا لا يمكن أن يحدث، وليس أمامنا إلا أن نتوحد ويستمر نضالنا، وتاريخ النقابة حافل بالمعارك التى خاضتها للدفاع عن حرية الصحافة وحرية الكلمة، ومن قبل النقابة كان الشعب المصرى هو الذى يحمى الصحافة وحرية الكلمة والمثال على ذلك سنة 1909 عندما صدرت بعض القوانين التى فيها عدوان على حرية الصحافة وهب الشعب المصرى للدفاع عن حرية الكلمة والصحافة. * فى ظل أن قيادات التيار الإسلامى يعتبرون الإعلام الشماعة التى يعلقون عليها الكوارث ومصائب البلاد، لدرجة تدفع البسطاء لتصديقهم.. ما الحل فى تصورك؟ هناك خطة ممنهجة للوقيعة بين الإعلام والبسطاء، لذلك يجب أن ندرك أن الإعلام حق للمواطن نفسه، وهناك نوع من التدليس فى هذا الشأن، ولو تفحصنا الخطاب السياسى لقيادات حزب الحرية والعدالة نجده دائما يتهم الإعلام بالتضليل، وفكرة التطهير تقال لتحديد أهداف سياسية، لكن تطهير الإعلام لن يكون إلا بتحرير الإعلام وليس بشعار التطهير، ولكن فكرة تحويل الإعلام كله إلى نشرات تعبوية تخدّم على فصيل واحد فهذه ليست صحافة أو إعلاما. * فتحى شهاب رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى قال إن 90% من الصحفيين ساهموا فى إفساد الحياة السياسية والترويج للتوريث فى النظام السابق فما رأيك فى ذلك؟ هو قال هذا الكلام كمبرر للتغييرات الصحفية التى قاموا بها، وأنا قلت فى هذا الوقت إن هذا الرجل ليست له علاقة بهذا الملف وهو مكلف فقط بأن يدخل الإعلام المصرى والقومى بيت الطاعة، وبالفعل هذا ما تم فلدينا الآن وزير إعلام إخوان والتليفزيون المصرى والفضائيات والصحف تمت السيطرة عليها بشكل أو آخر خصوصا فى الإعلام القومى المملوك للشعب. * وما رأيك فى تعدد النقابات خاصة أن هناك سعيا لإنشاء نقابة للإعلام الإلكترونى؟ للأسف الدستور الحالى رفض التعددية النقابية، على الرغم من أن التعددية النقابية موجودة فى العالم كله، وبالنسبة للنقابات المهنية على الأخص فى مصر، كانت قد أخذت بفكرة عدم تعدد النقابات المهنية، بحيث تكون نقابة واحدة هى التى تعطى حق مزاولة المهنة، لو هناك تعددية فلا يكون لكل النقابات هذا الحق، ولكن هذا لم يحدث وأصبح لدينا دستور لا ينتقل بنا إلى مستقبل ولا يحافظ على الموجود بل يؤدى إلى تراجعنا، ويهدد الصحفيين بالعدوان عليهم واغتيالهم، وهناك إعلاميون لا يستطيعون الذهاب إلى عملهم، فضلا عن الترويع والتهديدات، وعلى سبيل المثال لا الحصر الزميل خالد داوود وهو عضو فى لجنة الدفاع عن حرية التعبير يتلقى تهديدات بقتله عبر تليفونه، وكذلك بعض المذيعين فى الفضائيات يعيشون حالة ترويع غير مسبوقة، ولكن ما أود تأكيده أنهم لا يعرفون طبيعة الشعب المصرى، ولن يكونوا أقوى من نابليون والاحتلال الإنجليزى وسدنة القصر الملكى، والشعب المصرى قادر على أن يجتاز كل هذه الصعاب، فهل الشعب الذى خرج وضحى لينهى حكما مستبدا ليأتى بحكم فاشى، وبالتالى نحن أمام سيناريو مفتوح، ولو ظل الوضع هكذا سيكون مأساويا، ومن يتوقع أن تكون نتيجته أن الشعب المصرى يرضخ فهو واهم أو غافل.