يبدو أن نضال الصحفيين لن يتوقف في الحصول علي حريتهم المهنية وتحصينها ضد أنظمة الحكم الشمولية التي تسعي دائماً للتخلص منها حتي لا تكون هناك رقابة علي خروقاتها أو خلق رأي عام معارض ضد كل ما هو يتناقض ويهدد المصلحة العامة للبلاد. وفي عهد النظام البائد كان نضال الصحفيين مستمراً ضد محاولات رجال الحزب الوطني في تحصين أنفسهم من خلال وضع مواد قانونية ودستورية تتعارض مع حرية الصحافة وتحصن الذمة المالية لبعض رجال الأعمال في النظام الحاكم وتجيز الحبس للصحفيين في قضايا النشر إلا أن حلم الصحفيين في الحصول علي مزيد من الحريات بعد ثورة 25 يناير قد تبدد علي صخرة حكم جماعة الإخوان التي تحطم المكتسبات التي حصل عليها الصحفيون في عهد مبارك. وجاءت التصريحات من قيادات جماعة الإخوان المسلمين أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي برروا فيها عدم إلغاء الحبس في قضايا النشر لتفجر ثورة جديدة وتبدأ طريق نضال آخر للصحفيين ضد حكم الإخوان الذي لا يختلف كثيراً عن النظام البائد وفقاً للمعطيات الحالية. وأكد صحفيون وكتاب وحقوقيون أن ممارسات جماعة الإخوان ضد حرية الصحافة تؤكد علي استمرار الأنظمة القمعية في حكم البلاد خوفاً من الفشل السياسي خلال الفترة القادمة، ومن ثم تسليط الضوء علي ذلك الفشل من خلال وسائل الإعلام سواء كان ذلك إاتقاداً للدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية أو الحكومة الحالية المحسوبة علي جماعة الإخوان أو حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية في ظل صمت رهيب للصحفيين الإخوان تجاه ما يحدث. وحذر الصحفيون من المساس بالمواد الخاصة بالحريات الصحفية في الدستور الجديد، مهددين باتخاذ إجراءات تصعيدية ضد كل ما يتعارض مع حرية النشر أو ترويع أهل الرأي والفكر. يقول الكاتب الصحفي رجائي الميرغني المتحدث باسم الإاتلاف الوطني لحرية الإعلام أن ممارسات أعضاء التيار الديني خاصة جماعة الإخوان المسلمين بالجمعية التأسيسية للدستور تعد بمثابة ردة وعودة للخلف، وهو ما يهدد حرية الصحافة والإعلام بعد أن ألغت غالبية الدول عقوبة الحبس في قضايا النشر إلا أن مصر ما زالت تتمسك بها عبر جميع أنظمة الحكم المتعاقبة عليها. وأضاف الميرغني أن الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه الاستبدادي التسلطي ألغي بعض المواد الخاصة بالعقوبة في قضايا النشر والتزم بها وذلك في الفترة من 2004 وحتي 2006 إلا أن مشرعي الدستور المحسوبين علي جماعة الإخوان يريدون أن يحتلوا مكانة أكبر من نظام مبارك في الممارسات القمعية تجاه أهل الرأي وليس الصحفيين وحدهم كما يتصور البعض. وأكد الميرغني أن تصريحات المستشار أحمد مكي وزير العدل تؤكد عدم استيعاب فكرة حصانة واستقلال الصحافة لكون الحبس لا يتوقف علي الصحفيين وإنما علي جرائم النشر بما فيها القراء وكتاب المقالات والمصادر الصحفية ومن ثم إرهاب وترويع كل من يعبر عن رأيه ضد النظام الحاكم، قائلاً «وزير العدل كان من أكبر المدافعين عن استقلال القضاء ولابد أن يعرف بأن استقلال الصحافة لايقل عن استقلال القضاء». وأرجع الكاتب الصحفي الممارسات الإخوانية إلي أن أصحاب السلطة دائماً ما يسعون إلي اتخاذ مواقف محافظة تجاه حرية الصحافة، مثل أي نظام تسلطي حكم مصر منذ أيام الملك وحتي الآن والحكم الإخواني يستكمل ذلك رغم شعاراته الرنانة قبل توليه مقاليد الأمور بالديمقراطية والحرية قائلاً «من خارج السلطة يتغير عن توليه السلطة ويحاول تكميم الأفواه وأخذ صلاحيات لإستغلالها ضد خصومه ومعارضيه». كما أكد المرغني علي أن نضال الجماعة الصحفية لن يتوقف تجاه ما حدث لكونها ناضلت قبل ذلك من أجل حرية الصحافة في كل العهود السابقة دون التنازل عن إكتساب حريات أخري وليس الإنتقاص من الحريات القائمة نتيجة تخوف الإخوان من الفشل السياسي وإيصال ذلك للرأي العام-علي حد قوله. وقال الميرغني إن الصحفيين من جماعة الإخوان لم يظهروا خلال الفترة الحالية للتحدث عما يحدث علي الساحة، رغم المخاطر التي تحيط بالمهنة ومستقبلها بسبب انشغال ممدوح الولي نقيب الصحفيين بمعاركه الطاحنة مع أعضاء مجلس نقابة الصحفيين دون التفرغ للأولويات الصحفية بل وفرض علي مجلس النقابة أن يكون ممثلاً للصحفيين في لجنة الدستور. وانتقد موقف النقيب قائلاً «ممدوح الولي أصبح رئيس مجلس إدارة الأهرام ونقيب الصحفيين ووكيل المجلس الأعلي للصحافة وأصبح مجمعاً للمناصب وترك أخطر القضايا وهي حرية المهنة»، مشيراً إلي عدم عرض النقيب لمجريات الأمور بالجمعية التأسيسية علي أعضاء المجلس. وتساءل الميرغني «نقيب الصحفيين صرح بعقد لقاء بين لجنة الحريات في الجمعية التأسيسية وبين أعضاء مجلس النقابة فلماذا لم يعقد ذلك منذ شهرين، ولماذا لم يذهبوا إليها؟! مؤكداً علي استمرار النضال من أجل عدم المساس بالضمانات الخاصة بالمهنة ومواجهة المعادين لها. كذلك انتقد الميرغني صمت صلاح عبد المقصود وزير الإعلام الحالي ووكيل النقابة سابقاً تجاه الهجمة الشرسة علي الصحافة نتيجة ارتباطه بجماعة الإخوان في الوقت الذي هاجم فيه عقوبة الحبس وما شابه ذلك خلال عهد الرئيس المخلوع. وقال الكاتب الصحفي يحيي قلاش المرشح السابق لمقعد نقيب الصحفيين إن الصحفيين من جماعة الإخوان لم تعد تسمع لهم صوتاً الآن فيما تتعرض له حرية الصحافة، مستشهداً بصمت محمد عبد القدوس رئيس لجنة الحريات بالنقابة ومحسن راضي وصلاح عبد المقصود وغيرهم من المحسوبين علي جماعة الإخوان المسلمين الذين لا يعلقون علي ما يحدث دون أسباب. واتهم قلاش جماعة الإخوان بتضليل الرأي العام وإحداث الوقيعة بين فئات الشعب والصحفيين عبر تصريحاتهم بشأن عدم إلغاء الحبس في قضايا النشر ومخاطبة الرأي العام علي أن الصحافة هي السب والقذف والخوض في الأعراض والذمة المالية إلي جانب إيهام الرأي العام بأن الصحفيين يطلبون مميزات عن غيرهم من المواطنين وهو ما يخالف الحقيقة والواقع. وأضاف قلاش أن كل التصريحات التي تبرر الإبقاء علي عقوبة الحبس، هي نفسها التي كان يرددها أنصار نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك وأعضاء لجنة السياسات واقتران كلمة الإعلام بالتضليل في كل تصريحات قيادات الإخوان علي مدار الأيام الماضية. وأشار قلاش إلي نضال الصحفيين لإسقاط القانون رقم 93 لسنة 1995 السالب للحريات الصحفية كذلك انتفاضة الصحفيين بمساندة الشعب المصري عام 2006 ضد الهجمة الشرسة علي الصحافة وسعي أحمد عز أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني المنحل إلي وضع المادة 203 التي تحصن الشخصيات العامة من تناول ذمتها المالية في وسائل الإعلام، وتم إجهاض ذلك من خلال جمعية عمومية للصحفيين وسميت وقتها بمادة أحمد عز بل واتخذت 26 صحيفة وقتها قراراً بحجب صدورها تجاه ما يحدث ونجح نضال الصحفيين رغم معارضة بعض قيادات الحزب الوطني لذلك. ووصف قلاش تصريحات الدكتور الأمين العام لجماعة الإخوان بشأن الحبس في قضايا النشر بأنها تعبر عن شخصيته التي تكاد تكون نسخة من أحمد عز ولكن بطريقة أسوأ لكون رجال الحزب الوطني كانوا لا يتحدثون بهذه الطريقة الضحلة والفجة-علي حد قوله. وقال قلاش إن الأنظمة الاستبدادية تسمح ببعض الهوامش لإعطاء مساحة من الديمقراطية فيما يطلق عليه «ديمقراطية الهوامش» أما جماعة الإخوان فتطبق النظام الفاشي الذي لا يسمح بأي هوامش حتي لو كانت تدعم شرعيته من أجل تكميم الأفواه التي قد تعارضها وتكشف سياستها خلال الفترة القادمة ضد الحكومة أو الرئيس أو حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان. وانتقد القيادي النقابي الطريقة التي تمت بها تشكيل المجلس الأعلي للصحافة التي تضمن الولاء الكامل للجماعة بغض النظر عن المهنة أو مستقبلها، كذلك المعايير التي تم بها اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية دون الكفاءة التي لم تعد في الحسبان لدي الإخوان، في الوقت الذي وصف فيه نقابة الصحفيين في عهد ممدوح الولي النقيب الحالي بأنها فناء خلفي لحزب الحرية والعدالة وهو مال م يحدث في عهد نظام مبارك. وأرجع قلاش ممارسات أعضاء لجنة الدستور من الاخوان تجاه حرية الصحافة والإعلام إلي انعدام الكفاءة السياسية واعتقاد الجماعة بأن الإعلام جيش يجب السيطرة عليه واستخدامه في صراعهم السياسي والترويج لأفكارهم وبرامجهم –بأن وروثوا كل مقومات الحزب الوطني المنحل ونظامه البائد ووصف الإعلام بالمضلل في تصريحات قيادات الجماعة بين الحين والآخر. وتساءل قلاش «أين محمد عبد القدوس الذي اقترن اسمه بالحريات مما يحدث واين صلاح عبد المقصود وزير الإعلام من الساحة التي تشهد تعرض المهنة التي ترعاهم للخطر ؟! إنهم الإخوان الصحفيون الذين تحدثوا ضد الحبس في عهد مبارك والآن لا يتحدثون في زمن الإخوان الذي ينتمون إليه» مستكملاً «هل يعقل أن يستخدم الإخوان سلالم نقابة الصحفيين للهتاف ضد نظام مبارك ثم يتخلصوا من النقابة ذاتها عند وصولهم للحكم أنه لشيء مدهش ومحير». وقال قلاش «إن الجماعة الصحفية أصبحت تسعي للحفاظ علي المكتسبات التي أخذتها في عهد مبارك بدلاً من زيادتها في عهد من يتشدقون باسم الديمقراطية والحرية لكن نضال الصحفيين ومعاركهم مستمرة وعلي أتم استعداد للتضحية من أجلها خاصة أن النقابة قدمت شهداء في ثورة 25 يناير ولن يضيع دمهم هدراَ مهما كان الثمن». ويرجع الدكتور عبد المنعم زمزم أستاذ القانون بجامعة القاهرة ممارسات جماعة الإخوان تجاه حرية الرأي إلي الاعتقاد الراسخ لدى الجماعة بأنهم الأوصياء على الدين الإسلامى، والاعتقاد بأنهم الوحيدون الذين يريدون الدين الإسلامى، فى حين أنهم يجتهدون فى فهم هذا الدين وقد يصيبون – كغيرهم – وقد يخطئون، جعلهم يعتقدون بأن ما يقولونه هو الفكر الإسلامى بعينه، وأن ما يقوله غيرهم لا يتفق مع صحيح الدين. ومن هذا المنطلق فهم ينظرون لأى قول معارض، ليس على أنه معارض للسياسات التى يتبعونها، وإنما معارضة للفكر الإسلامى فى حد ذاته، وهذا أمر فى غاية الخطورة. ويضيف زمزم «الدليل على ذلك أنهم طالما عارضوا الحبس الاحتياطى للصحفيين وكافحوا من أجل الحريات النقابية فى ظل نظام مبارك، فلما وصلوا للحكم، كان من الطبيعى والمنطقى والمفترض أن يبادروا هم ومن تلقاء أنفسهم بالاعتراف بالحريات التى طالما عانوا من تقييدها، ولكنهم على العكس لم يتخلوا عن نفس السياسة والفكر والأسلوب الذى كان يتبعه مبارك. وكل ذلك مرده، أن مبارك كان ينظر للمعارضين فى الرأى على أنهم خارجون على القانون. ويستكمل زمزم « أما الإخوان فينظرون للمعارضين على أنهم معارضون للفكر الإسلامى فى حين أن هذا الفكر هو مجرد فهمهم للدين الإسلامى الذى قد يختلف الناس فى فهمه، ولهذا يتخذون من هذا المنطلق أساسًا للمناداة بتقييد الحريات وحبس الصحفيين المعارضين لمجرد الفهم الإخوانى للفكر الإسلامى، والنتيجة فى الحالتين واحدة، وهى بقاء النظام كما هو ليتجسد كل ما حدث بعد الثورة فى مجرد تغيير أشخاص وليس أفكاراً أو سياسات». وقال نجاد البرعي المحامي والناشط الحقوقي إن حرية الصحافة تتعرض لمحنة خطيرة مثل قضايا أخري مهددة علي رأسها حقوق المرأة وحرية الاعتقاد واصفاً المعلومات التي تخرج من أعضاء الجمعية التأسيسية بالشحيحة والناقصة. وأضاف البرعي أن القضية لم تعد الآن قضية حرية الصحافة وحدها وإنما حرية الشعب المصري وحقه في وضع دستور يليق بمصر بعد ثورة 25 يناير وليس جمعية تأسيسية لايعرف عنها الشعب أي شيء أو ماذا يدور داخل الغرف المغلقة. وطالب البرعي بالانتظار لحين خروج المنتج من لجنة الدستور حتي تتضح الرؤية ويكون هناك موقف مناسب تجاه مواد الدستور الجديد.