مئات من الأسر السورية اختارت الحياة مؤقتاً في مدينة «الرحاب»، بعدما جاءت إلى مصر اضطراراً وفراراً من جحيم ما يشبه الحرب، ولا يشبه الحياة .. اختاروا الاستقرار فيها إلى وقت لا يعلمون متى ينتهي، ليسوا سائحين، وليسوا لاجئين، ولن يكونوا من سكان المدينة الدائمين. تبدو عليهم مظاهر الثراء واضحة، ويزيد وضوحها تعليق محمود كامل، طالب جامعي، من سكان المدينة قائلاً: «الرحاب مدينة تتأثر بالثورات، وقبل مدة انتشر الليبيون وقبلهم الصوماليون والآن السوريون، ولكن السوريين ينفقون ببذخ، إذا أردت أن تقيِّم مدى غنى السوريين أطلب الفاتورة من المطعم وانظر كم يدفعون». جاء السوريون إلى المدينة ليرسموا خريطة طبوغرافية مؤقتة، تحمل أختامهم بعدما جاء ومضى من قبلهم الليبيون والسودانيون والصوماليون والعراقيون أيضاً، فأصبح هذا يوم بنى وطن حسام السوري الذي قال ل«الصباح» : «لا نتحدث مع أي شخص، الكثير منا سيعودون للبلد، ونحن لا نعلم من سيحسم الوضع هناك». الوضع في سوريا منقسم لا أحد يحسم الصراع، وهنا أيضاً لا أحد منهم يحسم الجدل حول ثورتهم، بعضهم محسوب على النظام والبعض الآخر مؤيد للثورة، وأقلهم على الحياد، بعد ما مثلت له مشاهد القتل والدماء متاهة قد لا تخرج منها بلادهم .. سوريا في مخيلتهم فريسة يتصارع عليها الجيشان بينما يظل المواطن السوري هو الخاسر. في الصباح النساء السوريات في المدينة يذهبن إلى السوق، وفي المساء يذهب السوريون فرادى أو جماعات إلى المطاعم و المقاهي لتناول الغداء وتدخين الشيشة والتجول في الحدائق. حسام السوري الشاب العشريني، الذي يمتلك والده مصنعاً كبيراً للحلويات بسوريا تعرّض للتدمير فقرر الأب المضار في ماله ألا يُضار في عياله فدفعهم للسفر إلى مصر ليستقروا في شقة بالمدينة مساحتها 80 متراً، وإيجارها 6 آلاف جنيه في الشهر، يشرح لماذا اختاروا الرحاب قائلا: «فضلنا العيش في الرحاب لأنها مدينة راقية مثل التي كنا نعيش بها في سوريا، كما أنها آمنة، وكل ما نحتاج له بداخلها». أسرة حسام المكوّنة من 5 أشخاص تتوقع أن يستمر بقاؤهم في الرحاب فترة قد تطول وهو ما جعلهم يقررون البحث منذ أيام عن شقة أخرى، لأن أسعار العقارات بالمدينة مرتفعة، وقد لا يقدرون على تكلفتها طويلاً. أحمد الدمشقي شقيق السوري الأصغر، طالب الثانوية العامة، يشير إلى أن مدرسته في دمشق دُمرت عقب اختباء أحد قادة الجيش الحر بها، ويبحث عن مدرسة في مصر يستكمل فيها دراسته. في الرحاب معظم الأسر جاءت من حلب وحمص وإدلب، فانتشروا في المدينة بحيث تلتقط آذان سكان المدينة الأصليين وهم يسيرون في الشوارع اللكنات السورية بسهولة. على بعد 20 مترا من منطقة المطاعم، تقع منطقة السوق القديم، التي تنتشر بها المقاهي والمطاعم الأرخص سعراً عن مثيلتها بوسط المدينة، وبالرغم من أنها لا تجذب الكثير من السوريين، الذين يعتبرونها دون المستوى أو بحد وصف شاب سوري «شعبية»، إلا أن بعضهم يجلسون عليها متسامرين حتى الصباح. في منتصف السوق القديم تنتشر المكاتب العقارية بجانب المقاهي والمتاجر ومحلات الخضروات، التي يتردد عليها السوريون، وفي داخل مكتب «مدينتي» للعقارات، جلس سيد عبد الرازق، موظف بالمكتب، يتحدث ل «الصباح» عن انتشار السوريين في مدينة الرحاب، قائلاً: «نسبة توافد السوريين تضاعفت منذ شهر رمضان الماضي، والمكتب يستقبل 7 سوريين من بين 10 يدخلونه يومياً، وهم جاءوا بكثافة أثّرت على ديموغرافية المدينة». وعن طبيعة مستويات السوريين في الرحاب يضيف عبد الرازق: «معظمهم يتعاملون بالدولار، وغالبيتهم من التجار ورجال الأعمال وأصحاب المصانع والشركات وأصحاب دور النشر والكتاب»، لافتاً إلى أن بعض الأسر غير الميسورة الحال جاءت وكانت أسعار الشقق مرتفعة بالنسبة لهم فلم يستأجروا في الرحاب ورحلوا. على بعد خطوات من محل العقارات، افتتح بعض الشباب السوري قبل 5 أيام مطعم «حواضر الشام» للمأكولات السورية، الذي يعمل به طاقم كامل من السوريين، كما أن «الشيف» نفسه جاء من سوريا، وبداخل المطعم الذي يرتاده الزبائن السوريون، وتم تصميمه على الطراز الشامي، جلس فادي صاحب المطعم يروي ل «الصباح» فكرة المطعم وحياة السوريين في مدينة الرحاب، قائلاً: «حاولنا إقامة فكرة جديدة في مصر ففتحنا المطعم لنقدم المأكولات السورية الشهيرة، ومعظم زبائننا من السوريين»، مشيراً إلى أن مدينة الرحاب تجذب السوريين لهدوئها وأمنها ومناسبتها لوضعهم المادي. أما سمير أبو بلال، رجل أعمال وصاحب إحدى الشركات في مصر، الذي جلس في المطعم منتظراً تناول الطعام، فقد أعرب عن سعادته لقرار الرئاسة المصرية بتسهيل التحاق السوريين بالمدارس في مصر، الأمر الذي سيجعله يعجِّل بقدوم أسرته لاستكمال حياتهم بمصر حتى يسقط النظام. ويرى أبو بلال، من مدينة حمص، الذي يعيش في شقة قانون جديد ب2500 جنيه في الشهر، أن الأمان في مصر ليس منحصراً في مدينة الرحاب فقط، مشيراً إلى أن السوريين لم يروا الأمان بالخارج، لافتا إلى أن تركيا والأردن ولبنان لا أمان فيها على حياة السوريين. في منتصف مدينة الرحاب، تقع مدرسة «طلائع المستقبل للغات» التي تستقبل الطلاب السوريين من أهل المدينة للدراسة بها، وقال دكتور فهد الأبريحي، سوري الجنسية، أن وزير التعليم قدّم معاونة للسوريين الذين ليس لديهم أوراق تثبت انتسابهم إلى أي صف، حيث وافقت مصر على استمرارهم في التعليم المصري بشكل طبيعي، مشيراً إلى أن وزارة التعليم المصري أصدرت كتاباً للسوريين وقام بالاتفاق مع مديري مدارس طلائع المستقبل المستمرة في استقبال طلاب سوريين. ويشتكي السوريون، من غلاء أسعار العقارات ويشعرون بالاستغلال من جانب المكاتب العقارية والمصريين لظروفهم، ما علّق عليه أدهم السوري قائلاً: «المصريون يشعرونك بأنك نقود تسير على الأرض، وأن كل سوري جاء ومعه الملايين، لهذا يستغلوننا، ولكن ما الجديد أهل بلدنا يستغلوننا فماذا عن الغريب؟».