أمام متاجرهم الخاوية على رصيف مهجور في شارع الحمراء في دمشق الذي كان منطقة تجارية رائجة في وسط العاصمة، جلس ثلاثة رجال أصبحوا دون مأوى بسبب القتال الذي يستعر في المدينة منذ أسبوعين. وقد لجأ سكان مع أسرهم إلى وسط دمشق قادمين من الضواحي الشرقية والجنوبية من العاصمة السورية، وهي الأكثر تضررا من الهجوم المضاد العنيف الذي شنته القوات الموالية للرئيس بشار الأسد على مقاتلي الجيش السوري الحر.
كما شردت الاشتباكات آلاف الأشخاص الذين انتقلوا إلى وسط المدينة -رغم حدوث اشتباكات فيه- بحثا عن أمان نسبي تاركين الضواحي التي ما زال دخان الحرب يتصاعد منها.
شوارع مقفرة ومع حلول المساء تقفر الشوارع من روادها الذين اعتادوا على السهر حتى أوقات متأخرة جدا خصوصا في رمضان، كما تفتح المتاجر أبوابها بين التاسعة صباحا والثالثة عصرا فقط مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشدة.
يقول أحمد -الذي طلب عدم نشر اسمه كاملا شأنه شأن آخرين أجريت معهم مقابلات- 'ليس هناك زبائن، أرسلت الموظفين إلى منازلهم، ليس لدي المال الكافي لدفع رواتبهم، لقد أفلست'.
وقال محمد الذي يعمل في مطعم بشارع 29 أيار على مسافة غير بعيدة من المنطقة القديمة 'من اليوم الأول لرمضان حتى اليوم لم يدخل زبون واحد هذا المطعم، جاء خمسة اليوم، لكن لأنني لم أكن أتوقع أي أحد اضطررت لصرفهم'.
والحال نفسه مع بسام، وهو منتج للعسل فر من منزله في دوما مع أسرته للإقامة مع أقاربه في حي أبو رمانة وسط العاصمة، إذ لا يمكنه الوصول إلى العمل أو توصيل البضائع، وبتأفف قال 'لا توجد حركة تجارية تذكر بأي حال لم أحصل على قرش واحد منذ ثلاثة أشهر'.
وأكد هذا الكلام مروان الذي يعمل في مجال توريد المنتجات الزراعية 'ما من أحد يشتري، وما من أحد يبيع، الليرة السورية ضعيفة، وأسعار كل شيء ارتفعت بشدة'.
وقال الشبان إن المطاعم الوحيدة التي لها حظ أوفر هي التي تبيع الفطائر، إذ إنها تطعم النازحين الموجودين داخل المدارس والحدائق، حيث آوت مدرسة في ضاحية برزة بدمشق 1500 شخص نزحوا عن ديارهم من دوما والقابون وحرستا، وهي جميعا معاقل للمعارضة.
سوق الشعلان للخضر كان كئيبا أيضا على مستوى الباعة والمتسوقين، تقول إحدى المتسوقات إنها استطاعت أن تترك منزلها منذ يومين فقط، أما صاحب أحد المتاجر فقال 'أنا مثلهم تماما لا أحصل على الطعام والخضر إلا إذا دفعت'.
وأضاف 'لم يعد أحد منا قادرا على تحمل هذا الوضع'، ودون أن ينطق باسم الرئيس السوري بشار الأسد أشار إلى صورته وقال 'إما أن يرحل وإما أن يستمر في قتل الناس ما دام باقيا، ليس هناك حل'.
تبدل الموقف وذهاب النظام بات خيارا لبعض من كان يؤيده في البداية، يقول أحمد 'بداية كنت مع النظام بالطبع، لكن الآن لا، لا بد أن يرحل النظام، فليأخذوا معهم ما يشاؤون لكنهم لا بد أن يرحلوا'.
وألقى محمد باللوم على الرئيس السوري قائلا 'هل يمكن لأي أحد أن يقف إلى جواره؟ لا أعتقد. نحن جميعا لاجئون ليست لدينا منازل ولا أموال، رؤساؤنا لا يدفعون لنا الرواتب، لا بد أن ينتهي هذا الوضع'.
وطالب أحد سكان حي الميدان -وهو أول حي في العاصمة استعادته قوات الأسد قبل ثمانية أيام- العالم بأن يقف في وجه الصين وروسيا، وأن يفرض حظر طيران على سوريا، وأقسم أنه لولا وجود أسرته معه لانضم للقتال في صفوف الجيش السوري الحر.
وقالت ساكنة أخرى في الحي واسمها هدى إنها رجعت الاثنين إلى بيتها ووجدته رأسا على عقب، لكن 'لحسن الحظ أخذت ذهبي ومالي معي، غير أن الجيش أخذ ملابس ابني وزجاجات العطر الخاصة بي وأشياء أخرى'.
وتوحي مواقف كثير من سكان دمشق بتبدل مواقفهم من النظام بعد أن صاروا يعانون من صعوبة العيش سواء على مستوى تحصيل الطعام ومتطلبات الحياة أو صعوبة التنقل بسبب الحواجز العسكرية، ومعايشتهم بشكل شخصي لمآسي جيرانهم من سكان الضواحي وريف دمشق المتاخم للعاصمة.