أثناء زيارة القلعة ستجبرك عيناك لا محالة على التوجه بالنظر إلى مسجد كبير ذي مئذنة عالية يقابل القلعة، هذا المسجد هو مسجد السلطان حسن أو مدرسة السلطان حسن، ويقع تحديدا فى ميدان صلاح الدين فى حى القلعة فى القاهرة، بنى المسجد فى عصر الدولة المملوكية، أحد أزهى عصور مصر فى العصور الوسطى، وبدأ بناؤه فى عهد السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون. ويعتبر المسجد تحفة معمارية رائعة المنظر والتكوين، ويعرف بأنه من أعظم الجوامع فى مصر بل وعلى مستوى العالم كله، وتجمع مبانيه بين قوة البناء وعظمته ودقة الزخارف البديعة مدحه المقريزى ومؤرخين آخرين، و بترودى لافييه، و جومار، والرسام لينوار وغيرهم الكثير، ووصف بأنه لا مثيل له فى الشرق كله، ومما قيل عنه هو ما ذكره المستشرق العلامه جاستون فييت قائلا : "إنه أبدع آثار القاهرة وأكثرها تجانس وتماسك ووحدة، وأجدرها أن يكون مع الاثار الرائعة التى بنتها حضارة مصر الفرعونية" وانه أهم وأعظم من قصر الحمراء فى غرناطة."
بدأ بنا جامع السلطان حسن فى مارس سنة 1357 فى مكان كان اسمه سوق الخيل على أرض سراية الأمير يلبغا اليحياوى نائب السلطنة المملوكية فى الشام فى عصور السلاطين سيف الدين شعبان وسيف الدين حاجى، واستمر البناء لمدة ثلاث سنوات بدون توقف، توفي خلالها السلطان الناصر حسن قبل إنتهاء البناء فأكمله الأمير بشير أغا. فى عصر الدوله المملوكيه كان المهندسين يلقبوا ب"شاد العمائر" و كانوا يشرفون على العمائر السلطانية مثل السرايات والبيوت والأسوار وغيرها حسبما يرى السلطان، وعادة ما كان شاد العمائر أمير من الطبقة الثالثه يقع تحت إمرته عشر فرسان أو أكثر، ومن أصحاب هذه الدرجة كان يخرج الولاة الصغار ورؤساء الموظفين.
المهندس العبقرى شاد العمائر الذى بنى المسجد لم يكن معروفا، كالمعتاد في التاريخ المصري، إلى أن اكتشفه العلامة المصرى حسن عبد الوهاب سنة 1944، عندما وجد نص فى طراز المدرسة الحنفية مكتوب فيه إسمه، وهو "محمد بن بليك المحسنى"، لم يعرف عنه شئ سوى أنه كان ينتمى لأسرة قديمة كانت تعيش في عصر السلطان قلاوون، وقال عنه المؤرخين أنه ساند السلطان حسن فى محنته مع الأمير يلبغا.
يقول العلامة حسن عبد الوهاب فى كتابه " تاريخ المساجد الاثرية فى القاهرة " أنه في يوم 14 نوفمبر 1944 وعند مراجعتي كتابات المسجد لنشرهامع أستاذى الجليل مسيو فييت ضمن مجموعة الكتابات التاريخية الجارى نشرها، وجدت فى المدرسة الحنفية اسم المهندس مكتوب فى طرازها الجصى ونصه: "اللهم يا دائم لا يفنى من نعمه لا تحصى، ادم العز والتمكين والنصر والفتح المبين ببقاء من أيدت به الاسلام والمسلمين وأحييت... حسن ابن مولانا السلطان ال.......، عنه على ما وليته وخلده فى ذريته كتبة تحمد دولته، وشاد عمارته محمد بن بليك المحسنى." محمد بن بليك المحسنى كان أمير كبير ولد فى مصر وكانت له مكانة وظيفية كبيرة فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون وعين والى للمنوفية ثم عين والى القاهرة سنة 1330 وعين وزير سنة 1353 وفى سنة 1354 أشرف على ترميم سد تهدم وتسبب فى فيضان فى الفيوم. فى فترة حكم السلطان حسن الثانية ترقى لأمير ألف وهي أعلى درجات الإمارة ووقف فى صف السلطان حسن فى آخر معاركه ضد يلبغا العمارى، وعندنا عين مشرف على بناء الجامع كانت لديه خبرة فى البناء و الهندسة المعمارية وفى الأمور المالية.