تعطيش وتقليم عشوائى لأشجار الكافور والسرو والصنوبوريات فى غابة السادات تقطيع جائز لأشجار غابة الأقصر.. وتخزين الأشجار فى مخازن المحافظ قبل أذان الفجر وفى ظلام الليل، فى يوم مثلج بعض الشىء من أيام يناير الماضى، تجمع عدد من العمال، بأمر من محافظ الأقصر، معهم معدات قطع أشجار ومناشير ومقاطير ولوادر وعشرات المعدات التى جُهزت مسبقًا، وبدأوا فى مجزرة قطع الأشجار حتى بزوغ شمس خفيفة السطوع، فى غابة الأقصر. استمر العاملون فى العمل، مجموعة تقطع الأشجار من سيقانها، وأخرى تقطع فروعها، وثالثة تجمع القطع الشجرية فى مجموعات، كل مجموعة تكون متناسقة فى الشكل والحجم، وآخرون يحملون تلك القطع المجمعة والتى تأخذ أشكالًا قريبة من بعضها البعض، فى سيارات لنقلها إلى أحد المخازن الخاصة بمحافظ الأقصر. لم تصل بعد إلى مرحلة النضج بعد، فهى فى سن الزهور، لكن على الرغم من ذلك شرع المسئولون بالمخالفة لآراء خبراء وزارة الزراعة والبساتين فى تقطيع الأشجار وصلت إلى أكثر من ألف شجرة؛ لتفقد قيمتها الاقتصادية، وفى الوقت نفسه تسبب أزمة مناخية وأزمة صرف صحى فى الأقصر. عشرات الغابات الشجرية فى مصر، فى رمقها الأخير، فالإهمال والفساد والسرقة، ثلاثى خطير يهدد تلك الغابات الشجرية الموزعة على معظم المحافظات المصرية، التى تساعد على التخلص من مياه الصرف الصحى فى المحافظات، وضبط حالة التغيرات المناخية، والعمل كمصدات رياح فى بعض المحافظات، ما يهدد بقاء الغابات الشجرية فى مصر، واستيراد كميات كبيرة من الأخشاب التى نستورد بالفعل كميات ليست بالقليلة منها. يقول الدكتور أحمد عبدالدايم، كبير الباحثين فى معهد بحوث البساتين بوزارة الزراعة، والملقب بأبو الشجر فى مصر، إنه بأمر محافظ الأقصر وموافقة رئيس الوزراء، تعرضت غابة الأقصر للتقطيع العشوائى، رغم أنها تتبع الإدارة المركزية للتشجير التابعة لوزارة الزراعة، ولم تصل إلى مرحلة النضج بحجة توسعة أحواض محطة الصرف الصحى بالأقصر.
قصة التقطيع الجائز قبل ثلاثة أشهر تقريبًا، كان قسم بحوث الغابات بمعهد بحوث البساتين فى زيارة للغابة، للوقوف على حالة الغابة والمساعدة فى تقنين إدارتها، وكان من المفترض أن تقوم اللجنة بزيارة ثانية لتكملة الأعمال التى بدأها، لكن لقلة الإمكانيات المادية كما قال رئيس الإدارة المركزية للتشجير بوزارة الزراعة تعذر استكمال المأمورية والتقرير لدى الإدارة المركزية للتشجير ومعهد بحوث البساتين، واستغلت المحافظة ذلك وأجهرت عليها بالتقطيع.
تدمير 70فى المائة من الأشجار يضيف أبوالشجر: معنى القطع قبل النضج إهدار كبير للكتلة الخشبية سواء القائمة «خشب غير مكتمل النمو» يعنى تصافيه فى التقطيع والنشر، أكثر من 60 - 70 فى المائة من الناتج لا يصلح للصناعة، وإنما يستخدم للحريق وتجفيف باقى الأخشاب يكون غير مناسب حيث تظهر التشققات والتى تسبب عيوب فى المنتج النهائى، موضحًا أن مياه الصرف الصحى التى لم تستخدم نتيجة لقطع مساحة من الغابة ستذهب إلى المجارى المائية المكشوفة سواء مراوى أو مصارف بما يسبب تلوث بيئة الأقصر، وهى من المحافظات السياحية والتى يزورها السياح، ومن المفترض قبل القطع يكون هناك مساحة مزروعة فعلًا وبالمساحة التى تستوعب هذه الكمية من ماء الصرف الصحى، وفى الغالب أضعاف مساحة المقطوع وهى محسوبة بدقة. هذه الغابة الشجرية التى تبلغ مساحتها أكثر من 1500 فدان، ومزروعة بأشجار الكايا والكافور والأكاسيا والتوت والجاتروفا، واحدة من عشرات الغابات التى تعانى بسبب تولى المسئولين بالمحافظات وشركة مياه الشرب والصرف الصحى، التى لا تملك كوادر الفنية لزراعة وإدارة الغابات، هو ما يثير تساؤل.. كيف تفتى تلك الجهات فى قطع وزراعة الغابات؟.
24 غابة شجرية فى المحافظات حسب جهاز شئون البيئة، فإن هناك ما يقرب من 24 غابة شجرية، موزعة على محافظات مختلفة، وأبرزها غابة الأقصر وسرابيوم بالإسماعيلية وأسوان والسادات بالمنوفية وغيرهم، بإجمالى مساحة 11 ألفًا و195 فدانًا، جميع هذه الغابات الشجرية أنشئت باستخدام مياه الصرف الصحى المعالج، بينما تهدف الحكومة إلى عمل 8 غابات 6 منها فى محافظات الصعيد، وغابتين فى محافظات ساحلية، وهى مطروح والبحر الأحمر، على مساحة تصل إلى 17 ألف فدان. لكن ماذا عن إدارة الغابات؟، فغابة الأقصر ليست الغابة الوحيدة التى تتعرض لعمليات تدمير وقطع جائر، ونقل الأخشاب بعد تقطيعها إلى أحد المخازن الخاصة، التى لا تخضع لأى رقابة –حسب باحثون-، هناك أيضًا غابة السادات التى تعرض لعمليات تدمير على مدار الفترة الماضية، تسببت فى انهيارها، والسبب وراء ذلك بلطجة الحكم المحلى. يوضح باحثون غابات شجرية بمعهد بحوث البساتين وإدارة التشجير بوزارة الزراعة، أن سعر المتر المكعب من شجر الكايا المنزرع فى غابات الصعيد ومنها غابة الأقصر يبلغ ألفين دولار، وهو ما يجعلها مطمعًا للعديد من المسئولين بالمحافظات، خاصة فى ظل النزاع القائم بين وزارات الزراعة والبيئة وشركة مياه الصرف الصحى التابعة لوزارة الإسكان، الذى يتسبب فى فقدان أخشاب مطلوبة عالميًا وبأسعار خيالية تتراوح من ألفين إلى 4 آلاف دولار أمريكى للمتر المكعب، بتقطيع الأشجار فى قمة معدل النمو السنوى.
تقليم عشوائى غابة السادات تعانى أزمة من نوع آخر، فهى فى رمقها الأخير أيضًا، وحسب عاملين بها فإنها تعرضت لدمار كامل، لعدم وجود أى اهتمام بالرى والتقليم والتنظيف، ما أدى إلى موت أشجار الكافور التى تشتهر بها الغابة، والتى تحوى أيضًا أشجار «السرو والصنوبوريات والأكسيا والكازورينا والكافور والسيسال التوت والكايا وأشجار وشجيرات الزينة، على مساحة تصل إلى 500 فدان. تؤكد باحثة فى الأشجار بمركز البحوث الزراعية أنها أجرت زيارة بحثية للغابة، أن أفضل غابة صنوبر فى مصر والنامية على مياه الصرف الصحى فى مدينة السادات بعد أن بلغت هذا العمر وهذا الحجم يتم القضاء عليها عمدًا بواسطة جهل المسئولين، الذين يدعون عمل محطات للمعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحى.
الاهتمام يوفر 7 مليارات جنيه دراسة نشرها باحث فى جامعة عين شمس فى أكتوبر الماضى، كشف عن أن مصر تستهلك أخشابًا سنويًا بما يعادل 7.12 مليار جنيه، متناولة الجوانب الاقتصادية لقطاع الغابات من خلال دراسة حالة لمشروع ال 1100 فدان غابة خشبية ببرك الأكسدة تروى على مياه الصرف الصحى المعالج بمدينة السادات من حيثُ الإنتاج والتكاليف والإيرادات. وحسب بيانات الاستبيان أدت الزراعة الكثيفة للأشجار والتعجل فى عملية بيع الأشجار الخشبية عند دورة قطع عمر 10 أعوام إلى تكبد المشروع للخسارة، فى حين أنه كان من الأفضل لظروف المشروع إجراء عملية البيع عند دورة قطع عمر 15 عامًا وبسعر اقتصادى لتحقيق أرباح اقتصادية. ويشير أحمد كمال صاحب الدراسة إلى إمكانية إحلال إنتاج الغابات الخشبية محل واردات مصر من الأخشاب حيثُ إن الإنتاج المتوقع من المساحات المزروعة يمكن أن يؤدى إلى توفير نحو 7.12 مليار جنيه سنويًا، الأمر الذى ينعكس بالإيجاب على الميزان التجارى الزراعى والذى يترتب عليه خفض العجز فى ميزان المدفوعات. توضح الدراسة أن المتوسط العام لحجم واردات مصر من الأخشاب خلال الفترة من 2005 إلى 2015 بلغ نحو 12.3 ألف طن فى العام، وبذلك يتضح ارتفاع العائد الاقتصادى من استغلال مياه الصرف الصحى المعالج فى زراعة الغابات الخشبية. أين منحة الاتحاد الأوروبى ؟ يقول أحد باحثى وزارة الزراعة -طلب عدم ذكر اسمه: «ما نعرفش الفلوس راحت فين»، أكثر من 83 مليون يورو حصلت عليهم مصر من الاتحاد الأوروبى عام 1995؛ لعمل خط طرد لمياه الصرف الصحى، لمحطتى أبو رواش وزنين فى الكيلو 83 على طريق الواحات، وزراعة 83 ألف فدان غابات شجرية، لكن هذه المنحة اختفت ولم يتم تنفيذ المشروع، مشيرًا إلى أن هاتين المحطتين يصبان فى النيل منذ أكثر من 20 عامًا. يضيف الدكتور أحمد عبدالدايم، خبير الغابات الشجرية، أن أزمة الغابات الشجرية فى مصر هى عدم وجود جهة مشرفة عليها، بل هناك نزاع بين وزارتى الزراعة والإسكان، مشيرًا إلى أن وزير الزراعة الأسبق يوسف والى اتفق مع شركة المياه على توفير الدعم المادى اللازم لوزارة الزراعة حتى تكون هى المسئولة عن الزراعة والإشراف بخبرائها، لكن السنوات الأخيرة نقضت شركة المياه اتفاقها، وأعلنت أنها هى التى ستزرع، على الرغم من عدم وجود خبراء لديها فى هذا المجال، وبالفعل فشلت فى زراعة أى غابات ودمرت المزروع.