الكنيسة: وصية الأنبا إبراهام ألزمت البابا بالسفر.. وضيق الوقت لم يمكنه من السفر عبر الأردن متحدث الكنيسة: الإجراءات جنائزية فقط.. ولا تشمل زيارات دينية أو مقابلات سياسية الرئيس الفلسطينى طالب الكنيسة بفتح باب السفر إلى القدس لدعم الفلسطينيين معنويًا واقتصاديًا زاخر: الهياج السياسى يحول حظر السفر إلى تطبيع.. والأنبا إبراهام معلم ومرشد البابا تواضروس رغم تأكيد قداسة البابا تواضروس الثانى لأكثر من مرة على أن قرار الراحل شنودة الثالث بشأن منع السفر إلى القدس رفضا للتطبيع مع إسرائيل ما زال ساريًا، إلا أن سفر البابا الأسبوع الماضى، إلى الأراضى المحتلة ليرأس صلاة الجنازة، التى أقيمت على الأنبا أبراهام مطران القدس والشرق الأدنى، الذى توفى عن عمر ناهز 73 عامًا، جعل الكثيرين يعتقدون أن منهج الكنيسة الأرثوذكسية فى التعامل مع ملف التطبيع قد تغير عن أيام البابا شنودة الثالث، وأنها تحاول الاستجابة للمطالب الكثيرة سواء الضمنية أو الصريحة من الجانب الفلسطينى وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس والمطران منيب يونان، رئيس الكنيسة اللوثرية بالقدس، بعودة حج المصريين للأراضى المقدسة لدعم أشقائهم الفلسطينيين. جدل كبير ساد الاوساط القبطية والسياسية بسبب تلك الزيارة وبالرغم من أن الكنيسة الأرثوذكسية اكدت على لسان القس بولس حليم،المتحدث الرسمى باسم الكنيسة، أن سفر الباباتواضروس للقدس مجرد عزاء وليس أكثر،مؤكدًا أن موقف الكنيسة ثابت ولم يتغير، وهو عدم دخول القدس إلا مع المسلمين يدًا بيد. وأوضح حليم أنه بحسب التقليد المعمول به فى الكنيسة القبطية، فإن مطران الكرسى الأورشليمى هو الأقدم بين مطارنة الكنيسة، بغض النظر عن ترتيبه الفعلى وسط المطارنة أو الأساقفة الذين يسبقونه فى السيامة، حيث ينظر للكرسى الأورشليمى على أنه الأكثر اعتبارًا وسط الكراسى الأسقفية الأخرى بالكنيسة القبطية، بعد الكرسى البطريركى، أى أنه الرجل الثانى بعد البابا فى الكنيسة، وبالتالى له مكانة عظيمة، توجب سفر البابا للصلاة على الجثمان. وقال حليم ل«الصباح» أن قرار سفر البابا كان مفاجئًا، حيث كان من المقرر إرسال وفد كنسى من 7 أساقفة لترأس الجنازة والعودة بجثمانه إلى مصر؛ لكن تغير الأمر عند فتح وصية المتنيح، فى تمام الساعة 7 مساء الأربعاء الماضى، ما اضطر البابا للسفر بنفسه إلى القدس. وعن سفر البابا عبر تل أبيب، وليس القدس قال «حليم» أن سرعة إجراءات السفر وضيق الوقت والتأمين اللازم أعاق دون الترتيب للسفر عبر الأردن، مؤكدًا على أن زيارة البطريرك المصرى إلى «القدس» تأتى فى إطار الصلاة على الأنبا إبراهام، مطران القدس، وقبول واجب العزاء فقط، ولا يوجد أى أهداف أخرى، نافيًا قيام البابا بزيارة الأماكن المقدسة هناك أو استقبال شخصيات سياسية. وهذا ما أكده نادر صبحى سليمان، مؤسس حركة شباب كريستيان، حيث قال إن الأنبا أبراهام قضى فى خدمة الكنيسة 72 عامًا، ويُعتبر مثل الأنبا ميخائيل- شيخ مطارنة مصر الراحل، والذى سافر البابا إلى أسيوط للصلاة عليه فى 2014، وكذلك عندما رحل الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف، الذى دفع البابا الراحل شنودة الثالث للصلاة عليه فى بنى سويف، ولم تذهب الجثامين الى مقر البطريرك. وأضاف أن نيافة الأنبا إبراهام هو فى مقام القائم مقام وكنسيا وحسب التقليد الكنسى ينبغى ان يترأس الصلاة على الجثمان بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية. وقالت مصادر كنسية - طلبت عدم ذكر اسمها - أن البابا تواضروس يمهد بسفره هذا لإلغاء قرار الحظر الذى فرضه البابا شنودة طيلة عقود، خاصة أنه فى الوقت الحالى زالت الأسباب التى دفعت «شنودة» لهذا القرار، فدير السلطان الذى تستولى عليه أثيوبيا، والذى يعد أساس القرار، تحاول الكنيسة استعادته بالتفاوض مع الأحباش، كما أن ملف إثيوبيا والمفاوضات الجارية حاليًا يكسر هذا الحاجز، مضيفًا أن ذهاب مفتى الديار المصرية فى وقت سابق للقدس يعد تنفيذًا لشرط البابا شنودة بدخول القدس مع الأخوة المسلمين. ولفتت المصادر إلى أن الفلسطينيين هم من يطلبون سفر المصريين ورفع الحظر عن القدس، على خلاف موقفهم بعد اتفاقية كامب ديفيد، والذى جعل البابا شنودة يأخذ هذا القرار انطلاقًا من مشاعر العروبة. ومن ناحية أخرى، قال المفكر القبطى جمال أسعد أن قرار حظر السفر إلى القدس أصبح حبرًا على ورق، حيث انتهى مفعوله بعد وفاة الراحل البابا شنودة الثالث، مدللًا على ذلك بسفر مئات الآلاف كل عام فى وقت الحج إلى الأراضى المقدسة، فضلًا عن أن العقوبات الكنسية التى كانت مفعلة فى عهد الراحل لم تعد كذلك الآن، مؤكدًا أنه «على أرض الواقع، لا يوجد قرار بالحظر». وأضاف أسعد أن سفر البابا تواضروس إلى القدس كسر الحظر، الذى أصبح نظريًا وليس فعليًا. وقال إنه ليس من حق البابا فرض عقوبات على المسافرين، «فمن يقتنع بالسفر له الحرية، ومن لا يقتنع كذلك»، وأضاف: «قرار البابا شنودة فى وقتها جاء من باب الدفاع عن قضية العروبة». واستبعد أن تقوم إسرائيل باستغلال سفر البابا، «لانه ليس شخصية سياسية»، معتبرًا أن قرار الحظر لم يعد بأية فائدة على الفلسطينيين أو القضية الفلسطينية، لكنه قال إنه كان من الأفضل أن يسافر البابا إلى القدس عن طريق الأردن، وليس تل أبيب كما فعل، مؤكدًا أن فعلته هذه تؤكد تغير موقف الكنيسة من الحظر. وأضاف أنه كان بوسع البابا أن يرسل وفدًا كنسيًا، وهذا ما كان قرره البابا فعلا، لكنه تراجع عن موقفه بعد ذلك وقرر السفر بنفسه، مشيرًا الى أنه لا يوجد قانون كنسى يمنع صلاة أسقف على أسقف برتبة كنسية واحدة، على حد تعبيره . ورفض المفكر القبطى كمال زاخر وصف زيارة البابا تواضروس للقدس بالتطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا على أنه ظرف استثنائى يخضع لعوامل دينية، حيث قال إن الأنبا ابراهام المتنيح هو الرجل الثانى بعد البطريرك، وأنه عندما يعين على القدس يرسم مطرانًا (رتبة كنسية بمعنى أسقف عام ) وليس أسقفًا، على عكس المعتاد، وذلك من منطلق أن كرسى أورشليم هو أول كرسى فى المسيحية، ويأتى ذكره فى سفر أعمال الرسل من الكتاب المقدس، وبالتالى يأخذ مطران القدس كرامة وأفضلية على باقى أعضاء المجمع المقدس، وهذا ما يؤكده جلوسه إلى يمين البابا فى جلسات المجمع، بالإضافة إلى أن الأنبا أبراهام كان معلم البابا تواضروس ومرشده فى دير الأنبا بيشوى قبل سفره إلى القدس، مما يجعل عاطفة البنوة تغلب البابا وتدفعه للسفر من أجل الصلاة على أبيه. من جانبه، قال الكاتب الصحفى عبد الله السناوى إنَّه تمنَّى ألا يقدم البابا تواضروس على السفر إلى مدينة القدس، واصفًا الزيارة بأنها «لم يكن لها داعٍ، لأنها تهدر الإرث الوطنى الكبير للبابا الراحل شنودة الثالث، فموقف البابا شنودة كان حاسمًا فى رفض السفر لإسرائيل حتى لو سافر شيخ الأزهر، وحتى لو اعترفت الدول العربية كلها بإسرائيل». وأضاف أن «البابا شنودة كان لديه كل الحق حينما قال فى أحد حواراته معى أنه آخر الباباوات الذين قالوا لا للمحتل الأجنبى»، مشيرًا إلى أن البابا تواضروس فتح الباب على مصراعيه أمام التطبيع الإسرائيلى. وقال إن «البابا تواضروس من تلاميذ البابا شنودة، وكان يتوجب ألا يتعرض الأقباط إلى محنةٍ تتعلق بالنسيج الوطنى المصرى فى لحظة يحدث فيها أنَّ عددًا كبيرًا من الأقباط نجحوا على المقاعد الفردية فى الانتخابات، وهذه الزيارة ترفع منسوب الاحتقان الطائفى والنيل من مقام الكنيسة الوطنية المصرية».