*«كبيش»: القانون ليس الحل.. «السعيد»: بعض المؤسسات لا تثبت ديونها بالميزانية.. «فهمى»: مسئولية «المالية» *خبراء: حل أزمة الديون الحكومية قادر على تنشيط الاقتصاد وحل 35 فى المائة من أزمة البطالة فجرت تصريحات المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، عن وجود كارثة فى ملف المديونيات المستحقة من الوزارات لبعضها البعض، وصلت إلى حد عدم سداد كل وزارة بالتزاماتها من رواتب موظفيها واستهلاكها من المياه والكهرباء والاتصالات إلى جانب أعمال الصيانة، خاصة بعد وصول المديونيات إلى أرقام ضخمة. ويحذر خبراء الاقتصاد من أن تشابك المديونات بين الوزارات والهيئات الحكومية يهدر موارد الدولة ويتسبب فى زيادة الأسعار ومضاعفة الدين الداخلى وعجز الموازنة ما يتطلب حلولًا عاجلة من جانب وزارة المالية بتشكيل لجنة مقاصة لتسوية المديونيات بالخصم من المنبع ومعاملة الوزارات معاملة الأفراد فى الحصول على الخدمات وإعادة النظر فى نظام طرح المشروعات بتطبيق نظام النقاط، ما يفتح آفاقًا جديدة لخطط التنمية. الملف الأزمة أثار جدلًا فى أروقة الحكومة، تم على إثره عقد عدد من الاجتماعات التى توصلت لبعض الحلول، وتم تقديمها إلى إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، بهدف القضاء على المشكلة نهائيًا حتى لا تتحول إلى ذريعة لتبرير فشل الوزارات ومضاعفة الخسائر التى تحققها بعض الهيئات والمؤسسات. وتقول تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات إنه تم رصد ديون على الهيئات الاقتصادية تقدر بنحو 324 مليار جنيه، منها 143 مليار جنيه ديونًا مستحقة على شركات قطاع الأعمال العام وديونًا حكومية تقدر ب173 مليارًا منها 3 مليارات لأراضى طرح النهر بخلاف مديونيات قطاع الكهرباء لدى الوزارات والشركات العامة والهيئات الاقتصادية، التى تقدر بنحو 9 مليارات جنيه. وقالت مصادر إن مستحقات الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى، لدى الوزارات تصل إلى مليار و527 مليون جنيه، ومديونيتها لدى شركة الكهرباء قبل إنشاء الشركة القابضة مليار و735 مليون جنيه، وبعد الإنشاء مليار و636 مليون جنيه. وأكدت المصادر فى شركة المياه أنه من المفترض ألا تتحمل الشركة المديونية السابقة، ويجب أن تحاسب بداية من الإنشاء، ورغم أن وزارة الكهرباء تطالب بمديونية 3 مليارات و371 مليون جنيه. وكشفت تقارير أن وزارة الرى مديونة لشركة الكهرباء، ورغم ذلك يتم سداد الديون طبقًا للقوانين من مخصصات الوزارة النقدية التى تقررها وزارة المالية، لأنها الجهة المعنية بتحديد المبلغ المقدر لوزارة الرى بناء على الميزانية التى تقوم بوضعها فى مايو من كل عام. ولا تعانى وزارة التربية والتعليم من أى مديونيات، لأن وزارة المالية تخصم من ميزانية الوزارة مستحقات الكهرباء والمياه وغيرها. وتحصر وزارة الكهرباء الجهات الحكومية المتأخرة عن سداد فواتير الكهرباء لإجراء تسوية مع وزارة المالية فى حال عدم السداد، إذ إن من حقها فصل التيار عن المصالح الحكومية غير المسددة باستثناء المبانى والمكاتب التى تقدم خدمات للجمهور لعدم الإضرار بمصالح المواطنين. وتعانى وزارة الكهرباء نفسها من وجود مديونيات لصالح وزارة البترول مقابل تزويد محطات التوليد بالوقود اللازم لتشغيلها. ويرى الخبراء أن المشكلة تعود لتعدد القرارات والقوانين الصادرة بشأن المديونيات واختلاف التفسيرات الخاصة بها ما يؤدى لصعوبة حلها لاختلاف القيود المالية بين أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية والشركات وقيام بعض الجهات بعدم إثبات هذه المديونيات فى دفاترها وحساباتها الختامية. ويعتبر الخبراء أن حل الأزمة سيضمن توفير السيولة النقدية التى تنتظرها معظم هذه الجهات، الأمر الذى سيساعدها فى تنفيذ خططها التنموية وأداء الالتزامات المستحقة عليها، خاصة قطاعى البترول والكهرباء، التى تمكنه من توفير احتياجات الكهرباء من الغاز والمازوت، وكذلك قيام الهيئات والوحدات الاقتصادية بسداد الفوائد المستحقة سنويًا بشكل منتظم ما يساعدها على تقديم خدماتها للمواطن بأقل أعباء ممكنة. وقال الدكتور محمد زيدان، أستاذ الاقتصاد، إن تشابك المديونيات بين الوزارات والهيئات داخل الدولة أمر خطير وعدم سداد المديونية يؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة من هذه الوزارات لبعضها، فضلًا عن التأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين لما تسببه من تقليل للسيولة النقدية تعوق حركة المشروعات الاستثمارية، وتصيب سوق العمل بشلل تام لغياب الفائض المالى الذى ينشط حركة العمل ويفتح فرصًا جديدة، بدلًا من الاقتراض وزيادة معدلات التضخم وضرب سوق العمل وحرمان الشباب من الالتحاق بفرص عمل جديدة. وأكد زيدان أن الأموال القائمة بين الوزارات تخطت ال500 مليار جنيه فى صورة أراض وعقارات وأموال ضرائب وتأمينات، وإذا تم استغلالها بشكل أمثل ستقضى على 35 فى المائة من البطالة وتتمكن الوزارات المعنية من مواجهة ومراجعة مصروفات التشغيل اليومية وزيادة المشروعات الاستثمارية وإتاحة الخدمات للجمهور بأسعار مناسبة، موضحًا أن مديونيات الوزارات الخدمية الأكثر تعقيدًا حيث لا يوجد لديها موارد ولا تقوى على سداد مديونياتها والوفاء بالتزاماتها ما يزيد من أعباء الدولة. واقترح زيدان معاملة الوزارات والهيئات الحكومية مثل معاملة الأفراد العاديين فى الالتزام بدفع ما عليها، وفى حالة عدم الإيفاء يحرم من الحصول على الخدمة المقدمة ما يدفعها للترشيد حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها ولا تثقل بالمديونية التى تحرمها من تطوير نفسها. وقال الدكتور صلاح الدين فهمى، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، إنه يجب على وزارة المالية سرعة التدخل لفض تلك التشابكات والنزاعات المالية بين الوزارات عن طريق تشكيل لجنة من الخبراء لعمل مقاصة لتسوية المديونيات بطريقة «التمريز» من خلال زيادة مخصصات الوزارات الدائنة للمساهمة فى تنفيذ مشروعاتها وإنجاز خطة التنمية بجانب تقليل مخصصات الوزارات المدنية ما يدفعها إلى الترشيد وتنمية مواردها لتتمكن من الوفاء باحتياجاتها وسداد الديون المستحقة عليها للغير وإنجاز المشروعات فى أوقاتها وفتح آفاق جديدة للتنمية. وطالب الدكتور على السيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، رئيس مجلس الوزراء بالتدخل لحل الأزمة وفق السلطات الواسعة التى منحها له الدستور بوضع قوانين وضوابط وقواعد واضحة ومحددة لتنظيم وضبط التعاملات المالية بين الوزارات بإلزام وزارة المالية بتسوية المديونيات من خلال الخصم من المنبع مباشرة، كى تتمكن كل وزارة من إنجاز المشروعات فى المدى الزمنى المحدد لها. أكد الدكتور محمود كبيش، العميد السابق لكلية حقوق جامعة القاهرة، أن مشكلة التشابكات المالية بين الوزارات لا تحكمها قواعد قانونية فى المقام الأول، فهى عبارة عن ديون مثبتة بأوراق رسمية لدى جهة ما ضد أخرى، وبالتالى يمكن المطالبة بها فى أى وقت، ولكن المشكلة لأنها بين وزارات وأجهزة يصبح رفع الدعاوى أمر غير وارد، لأن أى جهة من هذه الجهات لم تنكر الدين. وأضاف أن بعض الوزارات لجأت لقانون القوة بدلًا من قوة القانون فى استرداد أموالها أو سداد ديونها، فكلما زادت قوة الوزارة زاد حجم المديونية عليها لامتناعها عن السداد، اعتمادًا على قوتها وثقلها فى الحكومة فكانت الكارثة سندات وأوراقًا رسمية وصلت قيمتها إلى تريليون جنيه ديونًا حائرة بين الوزارات، ما تسبب فى تأثر الخدمة المقدمة من الجهات الخدمية للمواطنين بسبب عدم تحقيق الأرقام التى تمكنها من الاستمرار بالشكل الأمثل، وبالتالى انعكس التقصير الحكومى على المواطن فى نهاية المطاف، وإذا كانت هناك إرادة لحل هذه القضية نهائيًا يجب تنحية القانون جانبًا، ووضع الأمر فى يد مجلس الوزراء، لأنه المؤسسة الوحيدة القادرة على حسم القضية.