تحولت منطقة «الحسين» من مزار روحانى إلى مسرح لجريمتين، ضحيتهما طفلان تم اختطافهما أمام المسجد الشهير، المراقب بكاميرات ترصد «دبة النملة»، ورغم أن كل الشبهات ترجح أن يكون الجانى واحدًا، الذى اعترف بالفعل بجرائمه، إلا أن الشرطة اضطرت لإخلاء سبيله، كما رفضت تفريغ الكاميرات التى سجلت الجريمتين. «الصباح» ذهبت إلى ميدان الحسين، باعتباره مسرح جرائم خطف الأطفال الثلاثة، وكان أول من التقيناه بائعات فى إحدى المحلات القريبة من المسجد الحسينى، وتدعى «أم كوتشه»، وهى خالة «عبدالله» أحد الأطفال المخطوفين، وقالت لنا إن نجل شقيقتها متغيب منذ عشرة أشهر، وقبل أن تسترسل فى حديثها، بادرنا «الحاج مصطفى» أحد أهالى المنطقة قائلًا «هو عبدالله لوحده اللى اتخطف.. فيه كمان علاء وغيرهم كتير»، وتدخل صاحب أحد الفنادق قائلًا: «هناك أكثر من طفل اختفى من المنطقة واحنا عايزين ولادنا يرجعوا». كانت كلمات الجميع تؤكد أن المنطقة أصبحت تعانى من ظاهرة خطف الأطفال، فقررنا أن نتتبع خيوط الوقائع على لسان أصحابها، فتوجهنا إلى منزل أسرة الطفل «عبدالله»، وكان فى استقبالنا جدته «الحاجة منى»، كانت كلماتها تختلط بدموع الحسرة على الطفل الغائب، قالت إن عمره لم يتجاوز الثلاث سنوات، ومتغيب من يوليو الماضى، خرج ليلعب بدراجته أمام مسجد الحسين بعد صلاة العشاء، وتصادف أن تقوم الشرطة وقتها بشن حملة لضبط المخالفين من البائعين وأصحاب المحلات فى ميدان الحسين، بسبب الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء؛ فانشغل الجميع بإنقاذ بضاعتهم ومن ضمنهم أم الطفل «عبدالله» التى تعمل فى أحد المحلات، وبعد أن انتهت الحملة ذهبت للبحث عنه أمام المسجد ولم تجده، فاستنجدت بأقاربها ومعارفها للبحث عن طفلها، ولم يعثروا عليه، فذهبوا لتحرير محضر بالواقعة، ثم عادوا للبحث عنه، وعندما دخلوا المسجد، وجدوا دراجته.. ولم يجدوه، فسألوا أحد العاملين بالمسجد من الشخص الذى أحضر الدراجة، فقال إن أمين الشرطة وجد اثنتين من السيدات إحداهما بائعة مناديل والأخرى صاحبة «نصبة شاى» تتشاجران بسببها، فذهبا إليه، فأرشدهما عن بائعة المناديل. وأضافت جدة الطفل المخطوف، إن بائعة المناديل وتدعى» فودية» وهى من سكان محافظة الفيوم وجاءت إلى المنطقة بحثًا عن الرزق أمام مسجد الحسين، عندما سألوها عن الطفل عبدالله قالت إنها باعته لسيدة ميسورة الحال ب200 جنيه وكيلو لحمة وجلابية، وعدتها السيدة بإعطائها 700 جنيه بعد ذلك، واعترفت بائعة المناديل أن السيدة الثرية كانت قد شاهدت الطفل وهو يلعب بدراجته، وطلبت منها أن تحضره لها. اقتاد أهل الطفل المختطف بائعة المناديل إلى قسم الشرطة، وخضعت للتحقيق داخل قسم الجمالية، واستدعوا والدتها، فقالت إنها سمعت ابنتها «فودية» تتحدث فى التليفون وتتفق على بيع طفل مقابل 200 جنيه، وهو ما اعتبره أهل الطفل دليلًا على أن عملية الخطف مدبرة سلفًا، وبعد تحقيقات استمرت عدة أشهر، تقرر قبل ثلاثة أسابيع إخلاء سبيل بائعة المناديل، وحين علمت والدة «عبدالله» حررت محضرًا جديدًا، واتهمت «فودية» بخطف نجلها، فتم القبض عليها مرة أخرى. وقالت خالة الطفل وتدعى «منة» إن الشرطة لم تساعدهم فى البحث عن «عبدالله» وكانت أسرته تعتمد على أهل المنطقة فى البحث وتوزيع ملصقات تحمل صورته، وتنظيم الوقفات الاحتجاجية، وتعرض مبالغ مالية لمن يعثر عليه أو يرشد عن مكانه، وأكدت أنهم طلبوا من الشرطة أكثر من مرة تفريغ الكاميرات التى ترصد ما يجرى أمام المسجد، لترشدهم عن السيدة التى اشترت نجل شقيقتها لتحديد شخصيتها، وحرروا محضرًا فى قسم الشرطة طلبوا خلاله الموافقة على تفريغ الكاميرات، لكن الشرطة رفضت بحجة أن تفريغ هذه الكاميرات يعتبر مسألة أمن قومى، ويمكن أن «يقلب الدنيا رأسًا على عقب» وفقًا لكلامهم. تركنا أسرة «عبدالله» لنبدأ رحلة البحث عن عائلة «علاء» ضحية عملية خطف أخرى جرت أمام المسجد الحسينى، والتقينا بوالدته، وكانت تجلس بصحبة أطفالها الثلاثة بعد أن غاب رابعهم منذ شهر أغسطس الماضى، قالت إن زوجها يمتلك «فترينة لنسخ المفاتيح»، وروت لنا قصة اختفاء نجلها التى تتشابه مع قصة اختفاء «عبدالله». والدة «علاء» أكدت أنها ذهبت عقب صلاة العشاء مع نجلها الذى لا يتجاوز عمره ثمانية أعوام، لإجراء تحاليل طبية له، وانشغلت عنة لثوانٍ معدودة، فلم تجده بجانبها، وظلت تبحث عنه فى كل مكان، دون جدوى، فأبلغت والده وأقاربها ليساعدوها فى البحث، ثم ذهبوا إلى قسم شرطة الجمالية لتحرير محضر، ولم يجدوا أى اهتمام بالبحث عن طفلهم المفقود، فقررت والدته أن تحمل صورته لتسأل عنه رواد المسجد، وتعرفت سيدة مسنة على الطفل، وقالت إنها شاهدته بصحبة رجل يرتدى «جلابية وشالًا أبيض»، وبعدها بحوالى ثلاثة أسابيع عادت والدة الطفل إلى المرأة المسنة، لتسألها عن الطفل، فتغيرت روايتها، وقالت لها إن طفلها خطفته إحدى السيدات، وهو ما جعلها تتشكك فى هذه المرأة، فحررت محضرًا اتهمتها خلاله بخطف نجلها. وأكدت والدة «علاء» أنها تلقت اتصالًا من شخص قال إنه يعمل سائقًا لدى أسرة ثرية، وقد شاهد صورة نجلها على موقع الإنترنت، مؤكدًا أن نجلها بحوزة الأسرة التى يعمل لديها، لكنه لم يعاود الاتصال بها، وتليفونه مغلق دائمًا.