- الجهات الأمنية حذرت مشايخ الدعوة من الاجتماع بالمساجد عام 1998 ولكنهم عادوا إليها بعد ثورة يناير من غير المنطقى أن تكون الفوضى خلاقة، لكن المؤكد أن ثمة من يسعى إلى الاستفادة من تلك الفوضى، ويجد فيها تحقيقاً لمصلحته الشخصية، وأهداف دول ما كانت لتتحقق لولا حدوث الفوضى، ففى ظل غياب دور الأجهزة الرقابية فى الدولة على جميع الأصعدة والمجالات، وانشغال السلطة بمواجهة الإرهاب الإخوانى، أطلت برأسها علينا المدارس والمعاهد الشرعية التابعة للدعوة السلفية، والتى تختص بإعداد وتأهيل الدعاة بدراسة المنهج السلفى والعلوم الشرعية وتربية النشء على النهج السلفى. تقوم هذه المدارس والمعاهد الشرعية بدور خدمى تربوى وتعليمى دون أن تخضع لرقابة أو تبعية أى من الجهات الحكومية المختصة بالدور الرقابى أو المؤسسات العلمية الدينية المتخصصة المنوط بها القيام بهذا الدور، على الرغم من قيام مؤسسة الأزهر بهذا الدور من إعداد وتأهيل للدعاة وتربية للنشء على صحيح الإسلام والسُنة. ولاح فى الأفق ما يقلق بشأن عودة نشاط هذه المدارس والمعاهد مرة أخرى وبخاصة مع انتشارها فى أنحاء الجمهورية، بعد أن كانت قد توقفت بناء على تعليمات الجهات الأمنية فى العام 1998، ما ينبئ بعودة سيناريو «التمكين الإخوانى» مجددًا، ولكن هذه المرة التمكين يرتدى الزى السلفى. «جيل سلفى ربانى متميز». هذه العبارة تكتب على جدران المدارس الشرعية للدعوة السلفية فى جميع أنحاء مصر - حسبما يحدثنا الشيخ «حسين.ح» عضو هيئة التدريس بمعهد الفرقان للعلوم الشرعية التابع للدعوة السلفية، وأحد خريجى المعهد دفعة 1990 فى الإسكندرية - موضحًا أن المدارس والمعاهد الدعوية الشرعية التابعة للدعوة السلفية بدأ ظهورها فى الثمانينيات من القرن الماضى، وكانت تمارس نشاطها تحت ولاية الدعوة السلفية وجمعية أنصار السُنة المُحمدية، وجميعها غير تابعة لمؤسسة الأزهر. وأضاف: بدأت فكرة المدارس والمعاهد الشرعية لدى مشايخ وقيادات الدعوة السلفية فى منتصف الثمانينيات، بعد أن كانت الدعوة تهتم بتدريس كتب العقيدة والفقه والحديث والتفسير من خلال المساجد على نطاق محدود عقب كل صلاة الفجر والعشاء يومًا، وبعد أن أظهر العديد من متلقى أحاديث الدعوة اهتمامهم بحضور هذه المجالس، قامت الدعوة بتأسيس معهد متخصص لأعداد وتأهيل الدعاة فى عام 1985 فى الإسكندرية. العلوم الشرعية وأوضح عضو هيئة «الفرقان» أن هذه المعاهد تدرس منهجًا محددًا من العلوم الشرعية خلال سنوات الدراسة التى بدأت بثلاث سنوات فى الأعوام الأولى بعد تأسيسها، ثم أصبحت أربع سنوات بعد ازدياد عدد العلوم التى يدرسها الدعاة، من القرآن الكريم، واللغة العربية، والحديث، والعقيدة، والفقه، وأصول الفقه، والتفسير، والمصطلح، والسيرة، والخطابة، وأصول الدعوة، والفكر. شروط الالتحاق يتابع «حسين»: ثمة شروط يجب توافرها ممن يبتغى الالتحاق بهذه المعاهد السلفية، وهى أن يكون قد حصل على الشهادة الثانوية، وحافظ لعشرة أجزاء من القرآن الكريم مع التجويد، ويكون بلغ الثامنة عشرة من عمره، وحسن السير والسلوك، وهذه الشروط لا تنطبق على طلاب المرحلة التمهيدية فى المدارس، وبعد استيفاء جميع الشروط يقوم مقدم الطلب بدفع مصاريف العام الدراسى وتبلغ مائتى جنيه للعام الواحد. إعداد الدارسين ويشير عضو «الفرقان» إلى أن أعداد المقبولين فى المعاهد السلفية فى العام الواحد كانت تتراوح بين 500 إلى 600 دارس فى بداية افتتاح المعاهد، والتى بدأت بمعهد «الفرقان»، والذى كان مقره مسجدًا يحمل نفس الاسم فى الإسكندرية، وبمرور الوقت وبعد ثورة 25 يناير 2011، وعودة نشاط المعاهد مُجددًا، زاد الإقبال على الالتحاق بهذه المعاهد ليبلغ عدد الدارسين فى المعهد الرئيسى بالإسكندرية 2000 دارس من الرجال، و700 من النساء، بالإضافة إلى 200 دارس من جنسيات مختلفة. فروع المعاهد السلفية من جانبه، يقول الداعية أشرف الزغبى أحد خريجى معهد الفرقان بالشرقية دفعة 1990، إنه فى العام 1994 توقفت الدراسة بالمعاهد السلفية لدواعٍ أمنية بناء على تعليمات الأمن، ونقلت المجالس العلمية إلى المساجد، واستمرت الحال إلى عام 1998، وعندما خاطبت الجهات الأمنية مشايخ الدعوة السلفية وأنذرتهم بمنع الاجتماع بالمساجد وإلا سحبتها منهم، توقفت الدراسة نهائيًا، ولكن مع حلول العام 2011 وبعد ثورة يناير، بدأت أنشطة المدارس والمعاهد الشرعية السلفية فى العودة مجددًا، وقامت قيادات الدعوة بفتح أكثر من فرع للمعهد الرئيس«الفرقان» بالإسكندرية فى جميع أنحاء الجمهورية وبلغ عددها 50 فرعًا، وبلغ عدد الطلاب الدارسين فى جميع الفروع 600 طالب من الجنسين. وتابع: ويعتبر معهد الفرقان للعلوم الشرعية والتابعة ولايته للدعوة السلفية من أقدم وأشهر هذه المعاهد، فيقع تحت لوائه أكثر من مؤسسه دعوية تم إنشاؤها بعد ذلك ومنها معهد الفرقان لإعداد وتأهيل الدعاة، وهو أشهر معاهد «أنصار السُنة المحمدية»، ثم معهد الدعوة السلفية للعلوم الشرعية وهو الجامع لعلوم الشريعة والمنهج السلفى، والمعهد العلمى للدراسات الشرعية والعربية وهو أحد المعاهد المتخصصة فى العلوم الشرعية. فى المقابل، يقول الدكتور مصطفى أبوعمار أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، إن أمن الخلق على تدريس العلوم الشرعية هم علماء الأزهر، حيث إن فكر الأزهر مستنير ومعتدل ووسطى، وتدريس العلوم الشرعية خارج حرم الأزهر يفتح الباب لأن يكون هناك قول آخر. السلفية تدعو للانقسام فى السياق، يقول الدكتور محمد الشحات الجندى أستاذ الشريعة وعميد كلية الحقوق جامعة حلوان: المفترض أن الأزهر بمنهجه الوسطى هو الذى يقوم بهذا الدور، لأنه صاحب المرجعية الدينية للإسلام الصحيح، كما أن لديه العدد من العلماء المؤهلين لتدريس العلوم الشرعية والعلوم العربية للمنهج الوسطى الذى تحتاج إليه الأمة الآن. وأشار «الشحات» إلى حجم المعاناة التى عانتها الأمة الإسلامية عامة، والدولة المصرية خاصة من الانجراف عن المنهج الوسطى، بفعل الدعوات إلى مذاهب أخرى مفادها انقسام الأمة واختلافها. وأعرب أستاذ الشريعة عن دهشته من مثل هذه الممارسات التى تقوم بها الدعوة السلفية، متسائلًا: لماذا تكون هناك مدارس ومعاهد بمناهج تتبع الدعوة السلفية؟ وشدد عميد كلية الحقوق على أن مثل هذه الأمور تثير البلبلة وتدعو إلى تشتت المسلمين، وتأتى بفكر لا يلتزم بالإسلام المعتدل والوسطى، وأن الأكثر أولوية بهذه المدارس والمعاهد هو الأزهر الشريف، لما يمتاز به على مستوى العالم أجمع من منهج وسطى لتعاليم الإسلام الصحيح، والجامع للعلوم الشرعية. وطالب «الشحات» مشايخ وقيادات الدعوة السلفية بالكف عن الاستمرار والتمادى فى هذه الدعوات والممارسات التى ضررها أكثر من نفعها إن وجد، كما طالب بوحدة الصف، والابتعاد عن تعددية المذاهب التى تخلق الانقسام. الإسلام لا ينسب إلى مذهبية «إن الدين عند الله الإسلام» بهذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز، بدأ الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن العلوم والمعارف الإسلامية تنسب إلى أهلها، من شريعة إسلامية وعقيدة إسلامية وثقافة إسلامية، أما انتساب العلوم والمعارف ومكونات الدين الحق إلى مذهبية أو حزبية كالمتسلفة والشيعة هو أمر خطير وخارج عن صحيح الإسلام. وأضاف «كريمة» أن المتعارف عليه على مدار 40 سنة هو وجود مؤامرات داخلية وخارجية للإطاحة بصحيح الإسلام، ولإنهاك وإضعاف الأزهر الشريف، وظهرت هذه المؤامرات بشكل واضح لاسيما فى ممارسات الاتجاه المتسلف. وأكد أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، على أن هناك بعض القوى تدعم هذه المؤامرات بدعوى أنهم ينصرون التوحيد بدلًا من الشرك فى مصر، ويوصفون الثقافة الأزهرية على أنها ثقافة الكفر، للأسف فى غفلة أو استهانة أو لحسابات غير مدروسة، أو لصفقات مريبة، أى كان المسمى، فالذى حصل أن هذه الكيانات اتخذت من جمعيات ثقافية مشهرة بوزارة التضامن الاجتماعى وسيلة لما يسمى بمعاهد إعداد الدعاة، بدعم مالى من جمعيات الكويت وقطر وبعض أشخاص من السعودية، الذين استطاعوا أن يوظفوا أنصاف الدعاة وأشباه العلماء بحجة أنهم يواجهون دعوات التكفير. وتحدى عضو مجمع البحوث الإسلامية، الدعوة السلفية أن يصدروا بيانًا يعلنون فيه أن الأزهر عقيدته سليمة وأن علماء الأزهر مؤمنون. وشدد «كريمة» على أن هذه الأماكن التى تسمى بمعاهد إعداد الدعاة أو العلوم الشرعية، يجب على مؤسسات الدولة المعنية إغلاقها بالقوة الجبرية فورًا، لأن هذه الأماكن مفارغ لتخريج أهل التكفير، ويجب على وزارة التضامن الاجتماعى وجهاز الأمن الوطنى أن يتخذ الإجراءات اللازمة تجاه هذه الأماكن، التى تقع تحت ولاية مذهب أخرج السلفية الجاهدية والقاعدة وداعش.