يتحدث عادل حمودة كثيرًا عن الشفافية، وحق القارئ فى المعرفة، لكنه لا يطبق هذه الشفافية على نفسه، فهو لم يقل أبدا للقراء ما طبيعة علاقته بجريدة الفجر؟ وهل هو مالك للجريدة أم رئيس تحريرها فقط؟ وإذا كان مالكًا لنصف الجريدة كما يعرف الكثيرون، فمن أين له بالأموال التى امتلك بها أسهم الصحيفة.. وهل هى من مدخراته من العمل الصحفى أم من مصادر أخرى؟ وإذا كان مالكا للصحيفة فهل يسجل الملكية باسمه الحقيقى أم يتحايل على القانون ويتوارى خلف أشخاص آخرين؟ وما سر ظهور حملات إعلانية على صفحات صحيفته بعد أيام قليلة من حملات هجوم عنيفة يشنها على الشركات المعلنة وأصحابها؟ هل هى مجرد صدفة أم توارد خواطر؟ يشبه بعض السياسيين والكتاب فى مصر شخصية سينمائية قدمها عادل إمام فى فيلمه الشهير «السفارة فى العمارة» وهى شخصية «عاهرة» اصطحبها بطل الفيلم ليضاجعها فى منزله مقابل مبلغ مادى، وما إن علمت أن المنزل الذى خلعت ملابسها فيه يقع بجوار السفارة الإسرائيلية حتى انطلقت فى خطبة عصماء عن الوطنية والمبادئ والمواقف التى طالما اتخذتها من أجل الوطن، والحقيقة أن بعض الكتاب لدينا لا يختلفون فى قليل أو كثير عن هذه العاهرة الوطنية، فهم لا يمانعون إطلاقا فى أن يخلعوا ملابسهم وأفكارهم لمن يدفع أكثر أو لمن يقبل مبدأ الدفع من الأساس، وقد تطورت ممارسات هذا الفصيل الذى يمكن أن تصفه وأنت مرتاح بأنه يمارس العهر ملتحفا بغطاء المبادئ والمصلحة الوطنية، حتى تحولت إلى مدرسة لها ناظر أو أستاذ.. وفيها أيضا تلاميذ يحاولون أن يقلدوا الأستاذ، وإن كان الفارق أن الأستاذ يتقن أصول مهنته، ويعرف كيف يمزج المقادير لتكون الخلطة «مضبوطة»، وكم جراما سيضعه من الابتزاز، وكم جراما آخر من المبادئ وادعاء الخوف على المصلحة العامة، وكم فى المائة من تركيبة الخلطة ستكون ابتزازا صريحا واضحا، وكم فى المائة منها ستكون ابتزازا خفيا المشكلة أن الذين يمارسون هذا النوع من الابتزاز والدعارة المهنية يكذبون حتى يصدقوا أنفسهم، وهم يتخيلون أن ترديد الكذبة سيجعل الناس تصدقها، فى حين أن ترديد الكذبة يمكن أن يكون مثار ضحك الكثيرين على شخص يكذب كما يتنفس، والمفاجأة أنه لا أحد يصدقه ولا حتى هو يصدق نفسه. «1» كل الشبان الذين فى بداية الثلاثينيات الآن درسوا فى مراهقتهم رواية إنجليزية كانت تحمل اسم The Fallenidol وترجمتها بالعربية الرمز الساقط، وهى تدور حول شخص كان الكثيرون يعتبرونه رمزا لهم لكنه بممارسات صغيرة وعلى مدار سنوات طويلة سقط من أعينهم، ورغم أنه ظل يعتقد أنه رمز لكن الحقيقة أنه رمز ساقط، ولعل هذا لا ينطبق على شخص بقدر ما ينطبق على الأستاذ عادل حمودة الصحفى الذى ارتبط اسمه بممارسات متكررة تجاه عدد من أكبر رجال الأعمال فى مصر لا يمكن وصفها بأنها محاولات ابتزاز صريح.. والحقيقة أن هذه المحاولات لا تفشل دائما، وإلا فمن أين للأستاذ عادل بثروته، ومن أين له بالسيارة الفارهة، ومن أين له أساسا بالصحيفة التى يمتلك نصف أسهمها.. ولماذا لا يمارس الأستاذ عادل حمودة الشفافية التى يطالب بها الجميع، ويعلن للرأى العام كشف حساب ذمته المالية، كيف بدأ وكيف انتهى، وكم من ثروته نتاج عمله المهنى فى الصحافة، وكم منها من أموال رجال الأعمال والإعلانات؟! فى برامج تليفزيونية كثيرة يكشف عادل حمودة عن حزنه من عدم احترام عدد كبير من تلاميذه فى روزاليوسف له، وفى أكثر من مرة كان يعتبر عدم احترام تلاميذه له نوعا من عدم الوفاء، لكنه لم يقف مرة ليفكر أنه إذا كان بعضهم منعدم الوفاء بالفعل، فإن الآخرين ليسوا كذلك، لم يصارح نفسه أن حالة انعدام الوزن التى أصابته بعد طرده من روزاليوسف، وارتباط اسمه بممارسات الابتزاز والاستخدام السياسى والاقتصادى، هى سبب كاف لأن يفقد احترامه فى أعين الصحفيين الذين عملوا معه أو «تلاميذه» كما يسميهم، رغم أن عددا كبيرا منهم قد تجاوزوه مهنيا وإعلاميا. بل إن عادل حمودة لم يسأل نفسه عن حالة التشتيت النفسى والصحفى التى يعانى منها منذ سنوات طويلة، فهو يكرر نفس الكلام الكبير عن المتاعب التى تواجه الصحفى وتحديه للسلطة السياسية وتضحياته من أجل الوطن، فى حين أن ممارساته على أرض الواقع هى ممارسات صغيرة للغاية، ورخيصة للغاية.. لا تترك مساحة لأى احترام فى نفوس أولئك الذين عملوا معه أو رأوا فيه امتدادا لجيل الصحفيين الكبار، لكن الحقيقة أن الموهبة بدون أخلاق تحميها تكون وبالا على صاحبها، فما جدوى أن يكون القاتل المحترف ماهرا فى القتل، وما الذى يفيد فى أن يكون اللص الماهر موهوبا فى تسلق الحوائط واقتحام المنازل؟
يعيش عادل حمودة على قصة بطولة وهمية هى نفسها مأساته الشخصية، وهى قصة خروجه من روزاليوسف فى 1998، حيث يروى عادل حمودة القصة وكأنها إحدى دلائل معارضته لنظام مبارك.. وهى كذبة كبيرة يرددها عادل حمودة حتى تكاد تتحول لنكتة كبيرة لدى العارفين ببواطن الأمور، والحقيقة أن استبعاده من روزاليوسف كان له سببان؛ أحدهما مباشر والآخر غير مباشر.. أما السبب المباشر فيرويه الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم فى كتابه «أنا بقى وعادل حمودة»، ويقول فيه باختصار إن عادل أعاد نشر تحقيق نشرته صحيفة الدستور عن استهداف الجماعة الإسلامية لرجال الأعمال الأقباط، وكان التحقيق يتحدث عن ثلاثة من مشاهير رجال الأعمال الأقباط أحدهم هو نجيب ساويرس، وبحسب رواية فؤاد نجم فقد كان الهدف من إعادة نشر التحقيق هو ابتزاز نجيب ساويرس ورجال الأعمال الأقباط وإشعارهم أن ثمة خطرا كبيرا قادما لابد من الاحتشاد له، وأن إحدى طرق الدفاع هى «دعم» الصحفيين الذين يتصدون له، وقد اشتكى ساويرس وقتها لمبارك، فكان القرار بنقل عادل حمودة إلى الأهرام كاتبا متفرغا بنفس مستحقاته المالية التى كان يتقاضاها ليكتب فى نفس الصفحة التى يكتب فيها أسماء مثل: سعدالدين وهبة وأسامة أنور عكاشة وعبدالمعطى حجازى.. إلخ، والمعنى أنه لم يكن مضطهدا ولا يحزنون، لكنه فقط سقط من فوق حبال التناقضات بين رجال مبارك التى كان يحترف السير عليها والسقوط منها أيضا. وقد حاول ادعاء البطولة مرة أخرى، وادعى أن «خلافاته» مع د. كمال الجنزورى، رئيس الوزراء، وقتها هى السبب فى خروجه من روزاليوسف، لكنه لم يكن شجاعا ليقول إنه كان يهاجم الجنزورى لحساب رجال مبارك الآخرين.. وأنه سقط كضحية صغيرة بلا وزن، تطبيقا للمثل القائل: «عندما تتصارع الأفيال يموت العشب» وقد كان وقتها عشبا أخضر لم تصبه نفس الدرجة من جنون العظمة الذى يحمله، يتصور نفسه ندا لحسنين هيكل ومصطفى أمين معا. نفس نمط المعارك الصغيرة التى لم يخجل من أن يكون مجرد «أداة» فيها هو ما نشره فى روزاليوسف وحمل اسم فضيحة على النيل، والتى اتهم فيها الراحل ممدوح الليثى بمنح الفنانة شيرين سيف النصر إجازة أثناء تصوير أحد المسلسلات والتستر على غيابها من تصوير المسلسل للزواج بأحد الأمراء العرب، ولم تكن القصة سوى حلقة فى سلسلة حرب رجال مبارك مع بعضهم البعض.. وبغض النظر عن الرأى فى جميع الأطراف، فقد كان عادل حمودة بطلا لفضيحة جنسية تافهة ومصطنعة كان هدفها تصفية الحسابات بين رجال مبارك وبعضهم البعض.. إلا أن الأستاذ عادل روى القصة وكأنها فتح صحفى مبين، فى حين أنها قصة تافهة ولا تستحق حق أن تروى من الأساس. والحقيقة أن عادل حمودة يقدم خلطة تختلط فيها الصنعة الصحفية بالادعاء السياسى، بالابتزاز الواضح لرجال الأعمال والكيانات الاقتصادية، ولعلك لست فى حاجة لأن توجه اتهاما معينا بقدر ما أنت فى حاجة لأن ترصد صفحات جريدة الفجر وكتابات عادل حمودة نفسه قبل أن يشرب «الشاى بالياسمين»، وكتاباته هو نفسه بعد أن يشرب الشاى بالياسمين، والأرشيف موجود وشاهد والحكايات كثيرة وأطرافها مازالوا أحياء ومستعدون للحديث بالتفاصيل المملة. ففى غضون عام 2009 شن عادل حمودة هجوما شرسا ضد البنك الأهلى أكبر جهة معلنة فى الصحافة المصرية وضد فاروق العقدة محافظ البنك المركزى، وساق فى حقهما اتهامات اعتبرها القضاء من قبيل السبب والقذف، وقال كلاما كبيرا وبراقا كعادته عن الصالح العام والضريبة التى يدفعها الكاتب من أجل الوطن وعن مخالفات مالية وقانونية فى العلاقة بين عامر والعقدة وتبادلهما المنافع.. إلخ، وبعد عدة أسابيع من الحملة كان أن تقدم حمودة باعتذار رسمى لطارق عامر وفاروق العقدة، وأعقب الاعتذار عقد إعلانات سمين تنشر بمقتضاه جريدة الفجر إعلانات دورية نصف شهرية للبنك الأهلى المصرى، وبأسعار لا تحصل عليها أى من الصحف المصرية.. أو بأسعار «وصاية» للأستاذ عادل حمودة الذى لا يكف عن دفع ضريبة حب الوطن والسير على أشواك الحقيقة. نفس ما حدث مع البنك الأهلى تكرر حرفيا مع رجل الأعمال منصور عامر الذى كان وقتها عضوا فى مجلس الشعب المصرى، وبدا أنه يتوسع فى أعمال السياحة والفنادق من خلال مشروع بورتو مارينا، ولم يكن من الأستاذ عادل إلا أن أشهر «مطواة» الصالح العام ودبج عشرات المقالات وبنفسه عن القانون الذى يهدر، وكيف أن منصور عامر عضو مجلس الشعب يدخل فى تعاملات اقتصادية مباشرة مع الحكومة، وبالطبع لم يكن عامر هو عضو مجلس الشعب الوحيد الذى يدخل فى تعامل مع الحكومة لكنه على ما يبدو كان عضو مجلس الشعب الوحيد الذى لديه ميزانية سخية للإعلان عن مشروعه وهكذا، وفى خلال أيام قليلة اختفت مقالات عادل حمودة وتوقف قلمه عن الانتفاض غضبا من أجل الوطن، وتوقفت كلماته عن أن تتحول إلى جمرات مشتعلة للباحثين عن الحقيقة، واختفت مقالات عادل حمودة وظهرت إعلانات منصور عامر لتزين صفحات جريدة الفجر من وقتها وحتى الآن. ولعل قصة مشابهة تماما يتداولها العارفون ببواطن الأمور عن شركة هيرمس للأوراق المالية، والتى شن حمودة هجوما كبيرا عليها وعلى علاقتها بجمال مبارك الوريث السابق، لكن هذا الهجوم اختفى بعد لقاء بين مدير الشركة وبين حمودة فى أحد فنادق القاهرة. والحقيقة أن عادل حمودة نفسه هو مأساة تسير على قدمين، فهو يعيش أسير مجموعة من الأكاذيب غير المتقنة، ولعل مأساته تكمن فى أنه يصدق هذه الأكاذيب، فهو يدعى أنه كان معارضا لمبارك ولرجاله، والحقيقة أنه لم يكن يجرؤ على أن يرفع عينيه أمام أصغر مسئول من رجال مبارك، وبالطبع ليس عيبا أن يكون من رجال مبارك بشرط أن يكون صادقا فى هذا وقادرا على تحمل تبعاته. أما أكذوبته الثانية فهى أنه يهاجم رجال الأعمال والكيانات الاقتصادية خوفا على الصالح العام، وخوفا على الوطن، لكن المضحك أن هذا «الخوف على الوطن» سرعان ما يختفى حين تظهر إعلانات رجل الأعمال على صفحات الفجر أو تظهر شيكاته المصرفية. أما الأكذوبة الثالثة فى حياة عادل حمودة والتى تمثل الضلع الثالث لمأساته فهى اعتقاده أنه كاتب سياسى كبير، والحقيقة أنه أبعد ما يكون عن هذا، وأن تفكيره فى الشأن السياسى سطحى بدرجة مذهلة، وقد قدم بعد سقوط مبارك برنامجا بعنوان «رجال الرئيس» لم يكن سوى جلسة نميمة مطولة مليئة بالقيل والقال عن رجال مبارك وعلاقاتهم، والنكات التى كانوا يرددونها دون أن يخطر فى باله أن يتعلم من كاتب مثل محمد حسنين هيكل، قدم تحليلا سياسيا واقتصاديا ومعرفيا لعصر مبارك بعد سقوطه بأسابيع، أو من مفكر مثل مصطفى الفقى قدم تحليلا سياسيا لعصر مبارك، ولكن السياسة عند عادل حمودة لا تتعدى نميمة ربات البيوت. بل إن حلقة استضافه فيها الإعلامى طونى خليفة تحولت إلى فضيحة عندما سأله عن رأيه فى سياسة قطر تجاه مصر، فحاول أن يقلد كبار الصحفيين وانطلق يروى قصة تافهة عن لقاء جمعه بأمير قطر فى مؤتمر للقمة العربية وكيف مازحه الأمير قائلا: إنه لا يدخن أمام زوجته! وكيف طلب منه الأمير ألا يكتب أنه يدخن، لكنه كتب هذه المعلومة الخطيرة والسر السياسى الرهيب إيمانا بحق القارئ فى المعرفة، فما كان من قطر إلا أن سلطت عليه كتائبها الإعلامية التى لم تكن سوى صحفى مجهول واحد كتب يهاجمه لسبب لا يذكره الآن. والحقيقة أن الأسرار السياسية التى يذيعها عادل حمودة لا ينافسها فى الضحالة سوى «المذكرات» التى قرر أن ينشرها على القراء فى عيد ميلاده الستين، والحقيقة أن هذه المذكرات هى أكبر تعبير عن مأساة عادل حمودة؛ إذ لم يجد بعد أربعين عاما فى ممارسة الصحافة شيئا يستحق أن يرويه أو «يجرؤ» على أن يرويه، فلم يكتب سوى بضع ورقات هزيلة كانت كلها خوضا فى أعراض زملائه وزميلاته فى روزاليوسف وفى مساره المهنى بشكل عام، ولم تكن المذكرات سوى مجموعة من القصص الجنسية المجهلة ومجموعة من الروايات المشبوهة، وكأن درة عقد المشوار المهنى لعادل حمودة هى أن يروى لنا عن فلان الذى «رافق» فلانة.. وعن فلانة التى نامت مع فلان.. ولعل هذه المذكرات ليست سوى دليل آخر على فداحة مأساة عادل حمودة.. ولعل هناك أدلة أخرى على فداحة المأساة يعف اللسان عن ذكرها ولو بشكل مؤقت. وإلى اللقاء فى الأسبوع القادم.