الملحدون فى مصر، البلد الذى «اخترع» التدين قبل نزول الأديان السماوية، مثل نقطة فى بحر، أغلبهم باحثون عن الشهرة مثل الكاتب المعروف إسماعيل أدهم الذى انتحر غرقا، أو ضحايا لمرض نفسى، أو هم يتعاملون مع المجتمع المصرى المتدين بالفطرة وفق منطق «خالف تُعرف» معتقدين أنهم بذلك يضرون المجتمع وما يضرون إلا أنفسهم ولكن لا يشعرون، ناهيك عن أنهم فى الوقت الحالى مجرد «فزاعة» اخترعتها التيارات المتطرفة لتخويف المصريين بعد سقوط حكم الإخوان. وفى الآونة الأخيرة، ازداد عدد هؤلاء الذين لا يؤمنون بأى دين، والمسئولية تقع أولا على من «يؤمنون» بالأديان، فالتعصب دفع البعض للفرار من أى دين سماوى إلى أحضان العدمية، أيضا غباء الإخوان «المتأسلمين» وسقوط رموز ظن الناس فيها التدين أفقدت البعض الثقة فى الدين نفسه، وهو خطأ متوقع وقابل للإصلاح، عن طريق التفهم، وليس الإقصاء. «الصباح» تمكنت من اختراق أوساط الملحدين فى مصر لتعرف حجم تمددهم فى المجتمع المصرى بالأرقام، وأماكن انتشارهم وكيف يفكرون. الإسكندرية عاصمة الملحدين تعد المدينة الساحلية والعاصمة الثانية للمصريين الإسكندرية، هى ذاتها أكبر مركز لتجمع الملحدين، حيث يوجد بها أكبر عدد منهم، ويبلغ أكثر من نصف مليون ملحد، وبقية العدد موجود بالمحافظات المختلفة، وأبرزها القاهرة، والجيزة، وبورسعيد، وبنى سويف، وسوهاج، والإسماعيلية. وبعد أن كان الملحدون يعرفون بعضهم جيدًا، ويشكلون كيانًا فيما بينهم، اختلف الأمر فى الآونة الأخيرة؛ إذ اعتنق عدد كبير الفكر الإلحادى، بتصرف فردى، دون أن ينضم للكيان بشكل منظم، وتم الكشف عن تلك الظاهرة بوضوح من خلال البحث الذى أجرته مؤسسة «برسون مارستلر» الأمريكية، على الشباب من بين أعمار (15 – 24) سنة بالتعاون مع معهد «جالوب» لاستطلاعات الرأى، وجامعة «إيسترن ميتشجان» بالولايات المتحدة، وذلك بتمويل من مؤسسة «فورد»، وقد أجرى البحث العالم «منصور عادل» بهدف تحديد عدد الملحدين والأشخاص الذين خرجوا عن أى اعتقاد دينى. وأجرت المؤسسة الأمريكية استطلاعًا للرأى، يبين معتقدات الأفراد وميولهم العقائدية، وأظهرت النتيجة أن نسبة 3% من الشعب المصرى غيروا مواقفهم من الدين خلال العام الماضى 2012، وبما أن تعداد المصريين حوالى 80 مليون نسمة، فإنه بعملية حسابية بسيطة يتبين أن عدد الملحدين فى مصر أصبح أكثر من 3 ملايين مواطن على مستوى الجمهورية. ما خلصت إليه الدراسة يتطابق مع ما ذكره «ف. م» (20 سنة)، طالب جامعى، ملحد، ولكنه يخفى عن أهله حقيقة اعتناق الإلحاد، قال إنه دخل إلى هذا العالم بعد أن اقتنع بفكرهم منذ ما يقرب من عام تقريبًا، وبعد عدة جلسات متتالية معهم، استطاع خلالها أن يتعلم أن العلاقات الإنسانية لا تحتاج إلى دين ينظمها، أكثر مما تحتاج إلى سمات شخصية إنسانية، وهى التى تجبر الناس على التعامل الجيد، وتبادل المعاملة الحسنة لبعضهم البعض - على حد تعبيره - ويؤكد الطالب أن عدد الملحدين فى الفترة الأخيرة ارتفع فى مصر ليصل إلى حوالى أكثر من 3 ملايين ملحد، معظمهم لا يعلنون ذلك، ولا أحد يعلم شيئًا عنهم من أهلهم، خوفًا من رفض الأهل أو رفض المجتمع لهم، لأن معظمهم شباب لم يكمل دراسته بعد. أما أيمن رمزى فقال: «كفرت بالدين المسيحى بسبب تعنت الكنيسة فى حالات الطلاق، ورفضت الإسلام بسبب تعنت الإسلاميين فى تطبيق الشريعة والحث على الجهاد فى سبيل الله»، مشيرًا إلى أن عدد الملحدين ارتفع فى الفترة السابقة بسبب الديكتاتورية الدينية والتسلط باسم الدين، موضحًا أن الملحدين ليس لهم زعيم ولا يؤمنون بالعنف، وكل ما يطالبون به نصًا يحمى حقوقهم فى الدستور الجديد، وإلغاء مادة الشريعة الإسلامية، وإقرار دستور مدنى، مؤكدًا أن تضييق الكنيسة على المسيحيين، أسفر فى النهاية عن هروب الآلاف منها. وأضاف رمزى: «الملحدون لا يؤمنون بفكرة الزعامة، وهناك ملحدون كثيرون فى مصر من خلفيات مسيحية وإسلامية، وليس لهم أى تنظيمات وائتلافات، ويرفضون التصعيد فى حالة تجاهل الدولة ولجنة الدستور لمطالبهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالعنف»، مبررًا مطالبتهم بإلغاء المادة الثانية لكونها مادة عنصرية تفريقية تزرع الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن، على حد قوله. وتابع: «مئات منهم وقعوا على البيان الذى نشروه على الفيس بوك، وسيتم إرساله إلى رئاسة الجمهورية ووزير الدفاع ولجنة صياغة الدستور، وعدد من رجال القانون». وسائل الاتصال وعن وسائل الاتصال بينهم، فقد اختار بعضهم أن يناقشوا أمورهم الخاصة والعامة بعيدًا عن صفحات التواصل الاجتماعى «فيس بوك» أو «تويتر»، بعدما اقتنعوا أن كل تلك الوسائل الحديثة أصبحت موضة قديمة، فقرروا العودة إلى وسيلة أخرى قد يراها البعض قديمة ومستهلكة، وهى «الهاتف»، وغالبًا ما يتبادلون هذه المكالمات ليلًا فى ظل غياب أسرهم عنهم، على اعتبار أن معظمهم من الشباب، ويحددون خلال هذه المكالمات كل الأمور المتعلقة بهم، من مواعيد اجتماعاتهم وغيره، بينما دشن مجموعة منهم صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تحمل اسم «رابطة اتحاد الملحدين المصريين»، وعدد أعضاء هذه الصفحة أكثر من 4 آلاف عضو، وتحتوى الصفحة على وصف كامل لمنهجهم الذى يلخصه شعارهم الخاص الذى يقول: «لأن الحقيقة أهم من كل الآلهة والأديان، لأن الخير أهم من كل الشرائع والوصايا، لا نؤمن بوجود الإله، لأن سعادتى أهم من كل الوعود المؤجلة والتحريمات غير المبررة، اخترت أنا أكون ملحدًا» ولعلهم بذلك الشعار يبررون مطالبتهم بحق المواطنة، وإقرار المادة الثالثة من الدستور التى تجعل من هم غير مسلمين من الشيعة والبهائيين واللا دينيين لهم حق المواطنة، دون تحديد أديان بعينها. ملحدون من ضحايا الإخوان جدير بالذكر أن عددًا من أقبلوا على الإلحاد فى السنة الأخيرة «سنة حكم جماعة الإخوان فى مصر» تزايد بشكل كبير، وفقًا للإحصائية السابقة، بسبب تعنت السلطة، والديكتاتورية المفرطة التى شهدتها البلاد فى فترة الحكم الإخوانى. وأرجع شريف محمد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، هذه النتيجة إلى أن الإفراط فى العنف والقمع المستخدم خلال العام الماضى، وبالتحديد من ممارسات الحكم الإخوانى، كان من شأنها أن تزيد أعداد الملحدين فى مصر؛ لأنهم غالبًا ما يبثون صورة سيئة للإسلام بوجه خاص، وللانحيازات الدينية بوجه عام، الأمر الذى يقوى عند بعض الشباب من ضعاف النفوس فكرة الكراهية لأى دين، وبالتالى يفقدون ثقتهم بنفسهم، ويقررون أن «اللادين» هو الخيار الأمثل بالنسبة لهم. ويقول شريف إن الملحدين فى مصر ينبثقون من الديانتين الرئيسيتين الإسلام والمسيحية، ويبرر كل فريق منهما الخروج عن الملة بالتشدد الدينى الموجود بداخلها، مما دعاهم إلى تكوين اتحاد قوى، ولكنه بشكل سرى، يجمعهم بالفكر اللا دينى. اجتماعات ووقفات احتجاجية وعلى الرغم من أن اللادينيين أو الملحدين لا يستخدمون العنف أو التصعيد لتحقيق مطالبهم، إلا أن «ب.أ» ملحدة من الإسكندرية، قالت إن الفترة القادمة ستشهد اجتماعات متتالية لشبكة الدولة الإلحادية فى مصر، وبالتحديد خلال الأسبوع القادم، فى القاهرة، وسيناقشون خلاله مطالبهم التى سيعرضونها على لجنة الخمسين فى الدستور الجديد، كذلك سيضعون ميثاقًا للتعامل الإعلامى، يحددون من خلاله كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، ويتخذون عددًا من القرارات ستفاجئ الرأى العام المصرى بشأنهم. وأعلن الملحدون فى مصر عن تنظيم وقفة احتجاجية على مستوى العالم يوم الثانى من يناير القادم، وقال المنظمون لتلك الوقفة، إنهم سيخرجون جميعًا ليقولوا للعالم كله إنهم موجودون، ويطالبون بحقوقهم كاملة، كما سيطالبون بالاعتراف بهم والتعايش معهم، والمشاركة فى صناعة القرار. مطالب الملحدين وكما اعتبرت هذه الفئة أن الإلحاد حق مكتسب من حقوق الحياة كحرية الرأى وغيرها كما يرددون، كذلك فهم وضعوا قانونًا ونموذجًا يحدد مطالبهم من هذا المجتمع، كان على رأسها إلغاء المادة 98 من قانون العقوبات، والإفراج الفورى عن المتهمين بازدراء الأديان، كذلك المحبوسون فى قضايا الرأى وغيرها من حرية المعتقدات، والمطالبة بعدم إدراج أى مواد تنص على الشريعة وغيرها من الأمور التى يعتبرونها «تحصيل حاصل»، وحذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية ومن شهادة الميلاد. وجاء الإعلان عن تلك المطالب، بعدما تم القبض على الطالب الملحد «شريف جابر» المقيد بكلية التجارة جامعة قناة السويس، بسبب إعلانه إلحاده، وتم إلقاء القبض عليه داخل الجامعة، بعد تحرير محضر ضده برقم 1532 إدارى ثالث الإسماعيلية، وبعد التحقيق معه تبين أنه يدعو للفكر الإلحادى عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فأمرت النيابة بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات فى القضية التى تصل عقوبتها للسجن من (3– 5) سنوات.
داعية سلفى: انحطاط الإخوان أكبر دعوة للإلحاد فى محاولة لتفسير ظاهرة الإلحاد، من الجانبين الدينى والنفسى، استطلعت «الصباح» رأى رجل دين، ومتخصصة فى علم النفس، وكانت المفاجأة أن داعية إسلاميا يحمل تيار الإسلام السياسى، مسئولية اجتياح الإلحاد مصر. قال الشيخ محمد الأباصيرى، الداعية السلفى، إن تيارات الإسلام السياسى بما فيهم الإخوان تسببوا فى اجتياح الإلحاد لمصر، مضيفاً: «عوام الناس يرون الدعاة والشيوخ قد انحطت أخلاقهم وتسفلت ألسنتهم، ولم يتورع أحدهم عن الكذب والغش والخداع والبذاءة، ويرون تصرفاتهم هى الظلم والبغى وأحوالهم لا تعرف الخلق القويم ولا السبيل المستقيم، فإن ذلك هو أكبر ألوان الصد عن سبيل الله، وأكبر أنواع الدعوة إلى الإلحاد والكفر، وإن زعم الشيوخ والدعاة والإسلاميون أنهم يدعون إلى الله وإلى تحكيم الشريعة فإن أفعالهم وأخلاقهم ترد عليهم: كذبتم، لو كنتم ترون ذلك حقا لكنتم أول المتمسكين والملتزمين به. وأضاف الأباصيرى أن الإخوان هم أكبر نكبة أصابت المسلمين والدعوة الإسلامية والإسلام فى العصر الحديث، وهى السبب الرئيس والأساسى لاتهام الإسلام بالتخلف والرجعية والعنف والفوضى والدموية والإرهاب وأنهم يسعون للسيطرة والملك والسلطة ولو على حساب الدين والوطن. وعل صعيد التفسير النفسى، تقول منال زكريا، أخصائية علم النفس الاجتماعى بجامعة القاهرة: «كلما زاد الضغط أدى إلى الانفجار، وفى الآونة الأخيرة على وجه التحديد يزداد تعصب الفرد، والدخول فى الإلحاد العصبى، والإنسان خلال هذا قد يُصاب بالانتحار، ومنهم من قد يرتكب جريمة ما ويقتل، ومنهم يضل الطريق بشكل أوسع فيؤدى به الحال إلى الإلحاد والخروج عن الدين». وتضيف أن الميول الإلحادية لا ترتبط فقط بالضغوط التى شهدها الشباب فى عهد الإخوان، موضحة أنه منذ ما يزيد على 10 سنوات، وهناك عدد كبير جدا من الأفراد ينضمون للملحدين، وغالبيتهم من الشباب، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، قد يكون أهمها الضغط النفسى الذى يعانون منه بسبب البطالة ووقف سوق العمل، وانشغال الأهل بالحياة وضغوطها وعدم قدرتهم على تربية الأبناء دينيا، خاصة أن سن الشباب مرتبطة بالتمرد والانفتاح على الثقافات المختلفة.