غنى هانى شاكر 550 أغنية وضعته على قمة الهرم الغنائى فى مصر والعالم العربى إلا أن أغنية واحدة باتت تقاوم إرادته كفنان، فلم يكن يتحمل أن يقرأ كلماتها أو يتنسم ألحان موسيقاها الشجية إنها أغنية «حبيبة قلبى» التى أطلقها فى الذكرى الثانية لرحيل ابنته دينا فقد احتفظ فى مفكرته الخاصة بكلمات الأغنية التى كتبها شادى محمد، وظل يحتضن العبارات فى قلبه، وبين جوانحه ويخشى من تلحينها بل يؤجل ذلك مرارا وتكرارا كان يدرك أنه يحتاج إلى قوة هائلة وإرادة صلبة لا ليغنى، وإنما ليتصالح مع مشاعره الجارفة كأب وإنسان، وعندما تضافرت كل هذه المعانى مع حسه الفنى وقدرته على التطريب والغناء نجح فى اصطياد اللحن، وعلى الفور دخل إلى الاستوديو ليسجل أروع أغنية يمكن أن يتفوه بها اللسان، ويعبر عنها القلب وعلى مدار ثلاثة أيام هى مدة التسجيل رأيته يغنى كأنه لم يغن من قبل، حينها أدركت أن وراء هذا الفنان الكبير ألمًا عظيمًا وقلبًا حنونًا وسيمفونية حب، فابنته دينا لم تكن طيفًا عابرًا فى حياته وإنما صنو روحه ونبع صافٍ يستلهم منه تألقه وإبداعه. أغنية «حبيبة قلبى» تجربة مشدودة الأوتار، نابضة بكل معانى الإنسانية، وقد أمسك هانى شاكر فى غنائها بعصا سحرية تلمس شغاف القلب، وتسرق الدموع العين دون مبالغة أو إغراق فى الألم، حتى إن الكلمات تذكرنا عند سماعها بحزن النبلاء، ولاشك أن هانى شاكر هو أمير الغناء العربى وطاقته، ولا شىء يعادل مشاعره الجياشة وروعة إحساسه الدافئ بالكلمات حيث تقول: «حبيبة قلبى وحشانى يا نبض القلب لكيانى، واحشنى كل شىء فيكى، واحشنى الضحك فى عنيكى، أتارى الفرح كان بيكى ومانع عنى أحزانى». ليست هذه المرة الوحيدة التى يغنى فيها هانى شاكر ل «دينا» فهى كانت المستمع الأول لأغنياته قبل أن تصل إلى قلب جمهوره، وهى زهرة فؤاده التى كبرت أمام عينيه، فقد غنى لها فى حفل زفافها أغنية جميلة تقول كلمتها يا بنت قلبى بخاف عليك موت، وكأنه بحس الفنان يستشعر أن ملاكه الوديع يواجه خطرًا لا يقدر على وصفه، ولا يستطيع أن يتعرف عليه ساعتها ككان هانى ينظر إلى دينا، ويردد يا بنت قلبى، ولم أكن أعرف هل يودعها أم يؤكد لها أنه لن يتخلى عنها، فلم يمر عام إلا وقد أصابها المرض الذى خطفها من حضن والديها. كنت أخشى على أمير الغناء العربى من سطوة حزنه النبيل، فهو رقيق وحنون ويحمل قلب يمامة وطيبة وبياض اللبن الحليب، لكنه كان أقوى من كل التوقعات، وقرر أن يكسر الحزن بالغناء، فبعد أن ودع دينا مكث مع نفسه لعدة أشهر كتب ولحن أغنية «صعب جدا»، وكأنه يريد أن يقول لدينا أنه سيغنى لها دومًا مادامت لديه مشاعر تستوعب حضورها الملائكى فى دار الخلود. أغنية «حبيبة قلبى» لم يطرحها هانى شاكر فى ألبومه الجديد الذى لم يصدر بعد بل أطلقها بمفردها لتحلق فى سماء الذكرى الثانية، وفى الحقيقة أن الأغنية تستحق أن تكون ألبومًا مكتفيًا بذاته، فهى تجمع بين اللحن المميز والأداء الطربى الأصيل والصدق العميق، وهى تميمة حب وعمل فنى ثرى، فى صحراء الغناء، إنها مثل البئر فى سنوات العطش، وهذا ما يكسبها قيمتها من بين ركام الأغانى والأعمال الفنية الملونة بألف وجه. نجح هانى شاكر فى أن يهز تلال الركود فى مشاعرنا، ويعيدنا إلى إشراقة الفن، ويضىء فى نفوسنا مشاعل الحب وبعد تحميل الأغنية بأرقام كبيرة على الإنترنت وسرعة تداولها مثل البرق تأكدت أن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.