يبدو أن المصالح بين الأحزاب والتنظيمات السياسية، التى جعلت من الإسلام مرجعية لها، قد تخاصمت بعد المصالحة المؤقتة، والظاهر أن الوفاق الذى كثرا ما تباهى به «الإسلاميون» قد بدأ يتلاشى. فما أن تشقق الجدار الذى بدا صلبا قويا، وتهاوى التحالف الإخوانى السلفى، وبدأت حروب التصريحات، بين هذا الفريق وذاك، وفيما يلوح السلفيون بكشف ما وصفوه بمؤامرات الإخوان، لأخونة الدولة وإقصاء المعارضة، وبينما يرد عليهم الإخوان بكشف ما يقولون إنه فضائح أخلاقية لبعض رموز التيار السلفى، دخل تنظيم الجهاد على خط المواجهة، وأعلن على لسان الأمين العام للحزب الإسلامى والقيادى الجهادى محمد أبوسمرة أن تنظيم الإخوان فاسد ولا يحكم بشرع الله، وإسقاطه أصبح «فرض عين» على المسلم القادر.
أبوسمرة: مرسى ليس أميرا للمؤمنين .. والإخوان لم يطبقوا الشريعة النظام يرعى الفساد والمحليات تغرق فى المخالفات الإدارية والمالية الحزب الإسلامى التابع لتنظيم الجهاد يتحالف مع « الإنقاذ » لمنع أخونة الدولة هذه التصريحات النارية ليست مفاجئة لمن يتتبع مواقف الجهاديين، فأبناء التنظيم الذين ظلوا طيلة أعمارهم يحملون السلاح، ويحاولون مناهضة النظام الحاكم، وقضوا أعمارهم إما هاربين أو فى المعتقلات، كشروا الآن عن أنيابهم ضد الإخوان وأعلنوا الجهاد ضدهم فى الإسكندرية منعا لأخونة الدولة، على حد وصفهم.. وذلك بعد أن شعروا بأن الإخوان «مميعون ولا يريدون تطبيق الشريعة»، كما زعموا خلال الانتخابات، على سبيل تضليل الناخبين. واندلع الصراع، منذ افتتاح مقر «الحزب الإسلامى» الذراع السياسية لتنظيم الجهاد فى محافظة الإسكندرية، عندما دعا الجهاديون كل الأحزاب المعارضة فى المحافظة إلى حفل الافتتاح، وحضر ممثلون عن أحزاب الكرامة والحزب الاشتراكى وحزب الدستور والمصريين الأحرار وثوار الإسكندرية وجميع التيارات الإسلامية بالمحافظة من ضمنهم جماعة «الإخوان المسلمون».
عندئذٍ أعرب ممثلو جماعة الإخوان «سرا» للجهاديين عن استيائهم من دعوة «المعارضة الليبرالية»، التى تسعى إلى إسقاط الشرعية المتمثلة فى الرئيس محمد مرسى. أبوسمرة يقول تعليقا على الغضب «الإخوانى»: ليس مسموحا لجماعة الإخوان أن تتعامل مع تنظيم الجهاد باعتبارها الوصى على تصرفاته، ونحن نتخذ قرارنا كما يروق لنا، ولا نقبل من أى فصيل أن يحجر علينا، ونصيحتى للإخوان أن يهتموا باستئصال الفساد الذى يستشرى فى الدولة تحت حكمهم الذى لا ينتمى إلى الإسلام من قريب أو بعيد. وردا على سؤال حول ما يعنيه بالفساد قال: أعمل موظفا بحى العجمى فى الإسكندرية، وترقيت إلى منصب المسئول عن إدارة المخازن مؤخرا، حيث اكتشفت أن المخازن تعوم فى بحار من الفساد المالى والإدارى. ويضيف: «فى ظل الفساد الكثيف رفضت تسلم المخازن، حتى لا أتورط فيما يعتريها من مخالفات، ومن ثم حاولت الاتصال بنائب محافظ الإسكندرية، حسن البرنس، كونه القائم الفعلى بأعمال المحافظ، ولأنه مقرب من مؤسسة الرئاسة بحكم أنه من قيادات جماعة الإخوان». ويتابع: «المفارقة المدهشة والمؤلمة فى آن واحد، أن البرنس تجاهلنى، فتواصلت مع مدحت الحداد، مسئول جماعة الإخوان بالإسكندرية، فحدد له موعدا لمقابلة البرنس ليروى له وقائع الفساد والسرقة بحى العجمى، إلا أن البرنس منعه من دخول مبنى المحافظة». وأمام هذا الموقف الغريب.. قرر أبوسمرة أن يكشف النقاب عما وصفه بفضائح الإخوان وفسادهم وعدم اتباعهم مبادئ الشفافية ومخالفتهم شرع الله.
ويؤكد أبوسمرة أن جماعة «الإخوان المسلمون» تعمل على نشر الفساد فى المحليات للتمكين، وتهميش الآخرين، موجها تصريحات شديدة اللهجة بأن تنظيم الجهاد سيتعاون مع الأحزاب الليبرالية والناصرية للمساهمة فى إسقاط الإخوان خلال المرحلة المقبلة، مشددا على أن الأنباء والمزاعم عن وجود «ميليشيات للإخوان المسلمين» شىء لا وجود له.
كما هدد الإخوان قائلا: «لا تفكروا باللعب بالنار مع الجهاديين، فنحن كما تعلمون لا نخشى الموت، ولدينا رجال أشداء فى الحق، ولا يخشون فيه لومة لائم، ولنا تاريخ طويل فى الوقوف أمام الباطل، ولم نكن فى يوم من الأيام من المهادنين الذين يغضون الطرف على الفساد، ولدينا ميليشيات هى الأقوى والأقدم، فإن كنتم تريدون المواجهة فمرحبا بكم».
وأضاف: «إن الإخوان يزعمون أننا نريد إسقاط الرئيس محمد مرسى، وهذا لا يمت للحقيقة بصلة، لكننا سنشارك فى كل المليونيات التى تدعو إلى استئصال الفساد، ونحن مع كل القوى الوطنية التى تطالب بذلك، سواء كانت هذه القوى من التيارين الإسلامى أو الليبرالى. وأشار إلى أن إقالة محافظ الإسكندرية ونائبه الإخوانى على رأس مطالبهم، خاصة أن الرئيس مرسى وجماعته يختارون مسئولين لا تتوفر فيهم الكفاءة للعمل التنفيذى، مثل الدكتور حسن البرنس الذى لا علاقة له بالعمل التنفيذى، وبشكل غريب ملفت للنظر قدم دعوته لأعضاء جبهة الإنقاذ الوطنى لخوض الانتخابات حتى لا تترك الساحة للإخوان.
واختتم أبوسمرة تصريحاته التى أدلى بها ل «الصباح» قبل نحو أسبوعين بقوله: «نريد أن نرى بادرة خير من الإخوان، وعليهم أن يهتموا بالشفافية ويطبقوا شريعة الله، بما يشعر الشعب المصرى بأنه قام بثورة». لكن الحرب الكلامية لم تتوقف عند هذا الحد.. فما هى إلا أيام حتى تعرض مقر «الحزب الإسلامى» لهجوم من قبل ملثمين بالإسكندرية، وسرعان ما أشارت أصابع الجهاديين بالتهمة إلى الإخوان، الذين اعتبروا محاولة اقتحام مقر الحزب وتكسير محتوياته وحرقه محاولة من الإخوان لترهيبهم على اعتبار أنهم من المعارضة.. ولم يكتف الجهاديون بهذا الموقف، حيث سرعان ما أعلنوا الجهاد على الإخوان.
وعاد أبوسمرة ليتبنى خطابا تصعيديا جديدا إذ أكد قبيل توجهه إلى الأراضى السعودية لأداء العمرة أن الجهاديين فى الوقت الحالى أقرب لليسار من الإخوان، وأن مرسى ليس أميرا للمسلمين، والإخوان لم يطبقوا الشريعة لأنهم لم يعلموا بها ولا يعرفون مبادئها من الأساس. يذكر أنه قد سبق هذا الحادث خلاف وانشقاق عميق بين حزب النور السلفى ومؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان بعد أزمة إقالة الدكتور علم الدين بطريقة غير لائقة، ما جعل حزب النور يعلن نشره لمستندات عن أخونة الدولة وفساد المحليات على يد الإخوان.
لكن تصريحات أبوسمرة لم تجد قبولا كبيرا من قبل مفتى تنظيم الجهاد أسامة قاسم، الذى قال: تركت حزب البناء والتنمية وجمدت عضويتى بسبب أبوسمرة، لأنه ليس له علاقة بالجهاديين ويتحدث بتصريحات لا يعرف بها أحد، ولا يرجع فيها إلى حزب البناء والتنمية أو إلى قيادات تنظيم الجهاد، لذا فهو يعبر عن نفسه فقط ولا يصح أن يتكلم باسم الحزب بما يريده وما يقوله من ادعاءات، فموقف تنظيم الجهاد من الرئيس مرسى وجماعة «الإخوان المسلمين» واضح وتلك الخلافات التى تحدث ليست خلافا بين تنظيم الجهاد والجماعة. ورفض أسامة قاسم الحديث عن الخلافات بين الجهاديين والإخوان قائلا: «التيارات الإسلامية لا يجب أن تتنابز بالألقاب على الملأ، فنحن نؤمن بأن الحوار سبيلنا لتصحيح الأمور التى نختلف حولها، مشيرا إلى أن الخلاف أمر طبيعى لكننا لا نتهم الإخوان بالفساد». كما رفض التعليق على عمليات أخونة الدولة، قائلا: «كل الخلافات ستجد طريقها إلى الحل عبر الحوار الذى يقوم على الاحترام المتبادل، ولن يحدث أبدا أن نقوم بإشهار السلاح فى وجه بعضنا البعض».
موضوعات متعلقة: السلفيون: الإخوان «ميكافيليون».. وأحمد عارف: هل أصبحنا شياطين فجأة؟